رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

300 ساعة فى جنوب السودان

أرض التراب والنار (3).. حوارات جوبا

جريدة الدستور

مع أولى خطواتى على سلم الطائرة، التى حطت فى مطار «جوبا» الدولى، أيقنت أننا لا نعرف أى شىء عن دولة جنوب السودان، سوى اسمها فقط، بالإضافة إلى معلومة أنها تلك البلاد التى انفصلت عن السودان، وأصبحت دولة مستقلة منذ ٢٠١١.
كنت أتخيل أن الرحلة، التى أقدمت عليها فى الذكرى الرابعة لنشوب الحرب الأهلية، التى بدأت فى ديسمبر ٢٠١٣، لن تمتد سوى يومين أو ٣ فقط، ثم سأتمكن من رصد كل شىء هنا، إلا أن المشهد منذ البداية جعلنى أغير رأيى تماما، بعد أن وجدت نفسى فى أرض غزيرة الخيرات، تتنوع فيها العادات والتقاليد بشكل مدهش، لتستمر رحلتى إلى «بلد الخير» -الذى يتوارى خلف الحروب التى دمرته- نحو ١٢ يومًا.
وخلال تلك الرحلة تجولت فى العاصمة جوبا، وذهبت إلى ولاية بور، التى أبادتها الحرب، ورصدت ملامح هذه الصراعات ونتائجها على الأرض، والتقيت سياسيين ومسئولين، وتحدثت مع مواطنين، لأنقل صورة كاملة عن هذا البلد المجهول لنا كمصريين، رغم اشتراكنا سويا فى شريان جامع واحد، هو نهر النيل، الذى يربط بلدينا.
وفى الحلقة الثالثة، تحاور «الدستور» المنسق العام للأحزاب فى جنوب السودان، الذى كشف تفاصيل خريطة الأحزاب السياسية فى البلاد، ودورها فى وقف الحرب، إضافة إلى رؤيته لجهود مصر فى التوصل إلى السلام، وإغاثة المواطنين هناك، كما تحاور أحد أعضاء البرلمان، للتعرف على طبيعة الحياة التشريعية فى البلد الوليد.
منسق الأحزاب: «إعلان القاهرة» أزعج أصحاب المصالح الخاصة
ماثيو مايور قال إن إثيوبيا تدعم المعارضة فى بلاده بالمال والسلاح
حينما حصلت جنوب السودان على السيادة والاستقلال فى ٩ يونيو ٢٠١١، أصبحت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» هى الحزب الحاكم للدولة الجديدة، وبجوارها أحزاب أخرى، مثل: «اتحاد السودان الإفريقى، واتحاد أحزاب السودان الإفريقى، وجبهة جيمس اليوباسيرور، والجبهة الديمقراطية المتحدة، والحزب الشيوعى»، وغيرها. عن النشاط الحزبى فى جوبا، وتدخلات القوى الخارجية فى الدولة الناشئة، ودور مصر هناك، وغيرها من القضايا، كان هذا الحوار مع «ماثيو مايور أيونق»، المنسق العام للأحزاب فى جنوب السودان
■ ماذا عن خريطة الأحزاب السياسية فى جنوب السودان؟
- فى الماضى، كانت جميع الأحزاب تتبع «السودان الكبير» قبل الانفصال، ثم أصبح لدينا أحزاب سياسية خاصة بعد الاستقلال فى ٢٠١١، ويبلغ عددها الآن ٢٤ حزبًا، وذلك منذ إصدار رئيس الجمهورية قرارًا لاعتماد قانون الأحزاب السياسية فى ٢٠١٢.
■ ما الدور الذى لعبته تلك الأحزاب أثناء الحرب؟
- كان لها دور فى وقف الحرب، تمثل فى مشاركتها بالمؤتمر الذى عقد فى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا»، بما فيها «الحركة الشعبية»، والذى لاقى نجاحًا كبيرًا، وتم خلاله الوصول إلى حلول للأزمات المُعلقة فى المفاوضات. الأحزاب الأساسية لها تاريخ ودور فى تفعيل السلام فى الجنوب، فـ«المؤتمر الوطنى» و«الحركة الشعبية»، وغيرهما استطاعت إيقاف حرب امتدت لـ٥٢ عامًا بين الشمال والجنوب.
■ ما اللوائح والبنود المحددة التى قدمتموها لإحياء السلام من جديد فى جنوب السودان؟
- تمثلت البنود فى عدة نقاط، أهمها ضرورة إجراء الانتخابات على مستوى الدولة، حتى ترجع شرعية سيادة الحكم فى البلد، لأن الحكومة الانتقالية الحالية معينة، وليست لها قوة قانونية.
■ لماذا يتردد أن الخلاف فى الجنوب صراع قبلى وليس سلطويًا؟
- أصل الحرب فى جنوب السودان يعود لخلاف على السلطة، وليس خلافًا على العقيدة أو الدين أو بشكل قبلى، ومنذ استقلال جنوب السودان فى وقت قريب، لم تحدث أى خلافات.
■ ما أسباب استمرار المتمردين فى الحرب حتى الآن؟
- يريدون أن يترك الرئيس الحكم، ويجلس أحدهم على كرسى الرئاسة، لأسباب، نحن الجنوبيين لم نقتنع بها، ويقولون إن الرئيس لم يكمل تعليمه، بينما المستوى التعليمى للرئيس معقول، وأتم تعليمه الثانوى، ثم إنه كان ضابطًا فى الجيش، ولديه خبرة عريضة، وقاتل فى ٣ نضالات، واستمر النضال الأول لمدة ١٧ عامًا، والنضال الثانى فى الحرب التى بدأت عام ١٩٨٣ حتى ٢٠٠٤، وقاتل فيها وساعد فى استقلال الجنوب، وكان نائب رئيس الحركة، بالإضافة إلى أنه يتميز بالصبر والوطنية، لذلك يجب أن نقف بجانبه ونسانده.
■ هل فتح الحوار مع المتمردين يحل قضية الجنوب؟
- هم ليسوا غرباء، بل كانوا أعضاء فى حزب «الحركة الشعبية»، سواء بانتماء حزبى أو عسكرى، وبالتالى فهم الأشخاص الذين غضبوا من نظامهم، ونطلق عليهم متمردين وليسوا أحزابًا مستقلة، وأرى أنه لا يجب فتح الباب لهم مرة أخرى.
■ ماذا عن دور المجتمع الدولى فى بلادكم؟
- يساعدنا، لكن التدخل فى شئوننا يجب ألا يتخطى خط السيادة، والمجتمع الدولى طامع فى الجنوب، فهو مليئ بالثروات المتعددة، من أراضٍ واسعة، ومعادن وغيرهما، فلسنا الدولة الوحيدة التى تعانى من الحروب، وهناك سؤال يطرح نفسه: «ماذا فعل هؤلاء الطامعون لليبيا أو سوريا؟»، هم يفعلون الأمر نفسه معنا، وحاولوا ذلك فى دول كثيرة، وتعتبر مصر نموذجًا استطاع التصدى لهم ولمخططاتهم.
■ ماذا عن «إعلان القاهرة» لتوحيد «الحركة الشعبية» والقادة السابقين؟
- نحن سعداء بذلك، فـ«إعلان القاهرة» أفزع الخائفين على مصالحهم فى الجنوب، وإذا تم تنفيذه سيكون فى سجل الحكومة المصرية وفى تاريخ الجنوب، فهذا التوحيد يكشف للعالم من يتمرد ولا يريد مصلحة الوطن، وعلى مصر أن تستمر فى كشف هؤلاء وتنفيذ «الإعلان» بسرعة.
■ كيف تقيم الدور المصرى فى الجنوب؟
- مصر شىء كبير لدينا، وقبولها لعب هذا الدور يأتى بفضل جرأة الرئيس عبدالفتاح السيسى وقوته، وهذا الدور يجعل لها الحق، بالتعبير المصرى، أن «تأخذ الجنوب من أولها لآخرها» فنحن من أب واحد، وقبل حدوث الانفصال واستقلال الجنوب، كانت السودان كاملة تحت الحكم الثنائى المصرى السودانى، إلى أن حصلت الخرطوم على استقلالها التام فى عام ١٩٥٦ على يد مصر.
وخلال الحرب الأخيرة فى الجنوب، كانت البصمات المصرية لها أثر واضح، فالدعم الإغاثى الذى قدمته عامى ٢٠١٦، و٢٠١٧ لم تقدمه أية دولة أخرى، سواء فى شرق أو غرب إفريقيا، وبالتالى فإن مصر هى الدولة الشقيقة التى بإمكانها إنقاذ الجنوب فى الأمور المعقدة. كما أن معظم القيادات الموجودة فى السودان خريجو جامعات مصرية.
ماذا عن العلاقات مع السودان؟
- يعد انفصال الجنوب والشمال انفصالًا سياسيًا، لذا استقرار جنوب السودان هو استقرار لشمال السودان، والعكس كذلك، وبالتأكيد فإن الرئيس عمر البشير، بصفة عامة، يعلم أن جنوب السودان دائمًا فى انتظاره، لأن جوبا والخرطوم بنيان واحد، وندعوه للكف عن دعم المعارضة فى الجنوب، وأيضًا إثيوبيا تدعم المعارضة بالسلاح والمال.


ماجور بابو: مصر جادة فى مساعدتنا.. ونرحب بها فى كافة المجالات
عضو البرلمان رأى أن الحرب تعوق كل محاولات البلاد من أجل التنمية
نظرًا لاستقلالها القريب، لم يحظ البرلمان فى جنوب السودان بالفرصة للعب دوره بشكل كبير، خاصة أن دورته البرلمانية الأولى بدأت فى ٢٠١٢، فى حين قامت الحرب الأهلية عام ٢٠١٣، بعد خلافات كبيرة بين الرئيس سلفاكير ميراديت، ونائبه السابق رياك مشار، ما أتاح الفرصة للفصائل المتمردة بتقويض العملية السياسية فى البلاد. «الدستور» التقت النائب البرلمانى ماجور بابور، للحديث عن دور البرلمان، وطبيعة الدور السياسى الذى يقوم به حاليا، وتطرقت فى حديثها معه لأهم معوقات التنمية فى عدد من المجالات، بالإضافة إلى العلاقات المصرية الجنوب سودانية، وأوجه التعاون بين البلدين فى عدد من المجالات.
■ كيف تقيّم وضع البرلمان فى جنوب السودان؟
- البرلمان هو أحد أعمدة الحكم فى جنوب السودان، ولديه مهام محددة، تشريعية ورقابية، ورغم الحرب، لا يزال مستمرا فى أداء عمله ورسالته، خاصة أنه يمتلك خبرة نتيجة وجود برلمان سابق قبل الانفصال، وإن كان يختلف عن البرلمان السودانى فى مسائل مهمة، على رأسها قضية الدين، نظرا لكون النظام السياسى فى الخرطوم نظاما إسلاميا، ما يجعلنا نقوم بالتشريع بشكل مختلف. والبرلمان لدينا يضم جميع الأحزاب، التى تشارك بنسب متفاوتة فى الحكومة، وإن كانت الأغلبية لـ«الحركة الشعبية فى جنوب السودان» التى تعد الحزب الحاكم.
■ كيف تعملون فى ظل انتهاء الولاية البرلمانية؟
- كان من المفترض أن تجرى انتخابات البرلمان عام ٢٠١٥، لكن الحرب أوقفت ذلك، خاصة أننا نحتاج إلى إجراء تعداد سكانى دقيق، قبل إجرائها لتحديد الدوائر، والبلاد فى حاجة إلى السلام قبل اتخاذ هذه الخطوة.
■ ما الأدوار التى تقومون بها حاليا من أجل تنمية البلاد؟
- فى البداية كان لدينا لجان متخصصة، وتمويل محدد لتنمية الدوائر، ترصد لإقامة المدارس، والمراكز الصحية، وتطوير البنية التحتية، كالطرق والكبارى، لكن مع الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب، تقلصت مساحة العمل فى التنمية بشكل كبير، لكننا لا نزال على تواصل مع الجهاز التنفيذى للدولة، ونتناقش فى القضايا المهمة، ونراقب الأداء، بالإضافة إلى تبنى مبادرات التنمية، والأهم مقترحات البعض من أجل السلام.
■ كيف تحدث مجاعة فى البلاد رغم توافر المياه والأراضى الخصبة؟
- من المفترض ألا توجد لدينا أى مجاعة، لكن سبب الأزمة هو عدم استقرار المزارعين الصغار فى أراضيهم، ما أحدث فجوة كبيرة فى الغذاء، بالإضافة إلى أن الزراعة فى البلاد بدائية، ورغم ذلك كانت تحقق الاكتفاء الذاتى، وقبل الحرب كان الشعب الجنوبى يأكل من الزراعات المحلية، دون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج، لكن الشعب الآن بحاجة إلى التنمية والإرشاد، وخلق أجواء التنمية، وهو ما يحتاج إلى التركيز وتكثيف الجهود من الحكومة وأعضاء البرلمان من أجل تحقيقه.
■ لماذا لم ينجح الجنوب فى الاستفادة من ثرواته المتعددة؟
- لا بد أن يحدث الاستقرار والسلام والأمن أولًا، لأن السلام مفتاح كل شىء، وبعده يأتى التعليم الذى نحتاجه للاستفادة من خيراتنا، والأوضاع لدينا متأثرة بسبب الحرب، لذا لا بد من السلام أولًا، ومن توجد لديه مشكلة فعليه أن يأتى إلى الحكومة ونجلس معا للاستماع وحل المشكلات، لذا نادى الرئيس مرارا بالحوار الوطنى، وهناك قبول عام بمبادرات السلام المقدمة من بعض الأشقاء مثل مصر، خاصة أن هناك دولًا محيطة بالبلاد لا تريد لها الاستقرار، ولا يتمنون لها الخير، ومنهم من يريد أن تظل البلاد «أرض بور»، ولا تستفيد من ثرواتها.
■ هل لديكم خطة معينة لتطوير التعليم فى البلاد؟
- بشكل عام، يحتاج التعليم فى جنوب السودان إلى الكثير، وينقصه التمويل والمعلمون، خاصة أننا كنا نعتمد قبل الانفصال على مناهج السودان العامة، والآن نحتاج إلى مناهجنا الخاصة، التى تراعى خصوصيات الجنوب، ونحن فى هذا مثل معظم دول العالم الثالث، التى تعانى من كون التعليم «مهنة طاردة» نظرا لانخفاض الرواتب، لذا يضطر المعلمون إلى العمل فى مهن أخرى، والبلاد بحاجة إلى موارد كبيرة لتحقيق مقومات الحياة الكريمة للمعلمين، لذا نتلقى أحيانا بعض المساعدات فى هذا المجال من أشقائنا، عبر البعثات المتبادلة فى تطوير التعليم بيننا وبعض الدول، وفى مقدمتها مصر.
■ كيف تقيّم العلاقة بين مصر وجنوب السودان؟
- أوجه الشكر لمصر، وأؤكد أننا أشقاء، وهناك منفعة متبادلة بيننا، خاصة فيما نتلقاه من فرص للتعليم والتدريب عبر البعثات، والتعاون بيننا فى التنمية ونشر السلام، وهناك زيارات دورية متكررة بين المسئولين المصريين إلى البلاد وصلت أحيانا إلى ٤ زيارات شهريا، وإن تقلصت الآن فى ظل الأوضاع الاقتصادية، لكن التواصل موجود، خاصة أنه يعود أيضا بالمنفعة على مصر، وإذا قمنا بزرع ضفاف النيل بأكمله فسيلقى الجميع جزءا من حصاده. ونحن نرحب بالمصريين فى كافة المجالات، لأننا نعلم أن مصر جادة فى مساعدتنا على الخروج من الأزمة التى أوقفت العديد من المشروعات.
ما أوجه المساهمة المصرية فى بجنوب السودان؟
- من المعتاد أن تذهب البعثات التعليمية إلى مصر، منذ السبعينيات، لذا فإن معظم الخريجين درسوا فى جامعات مصرية، ومصر تساعد على دعم وانتشار التعليم منذ الستينيات.