رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لن يُنشر عن قضية شيخ الأزهر مع الصحافة إلا هنا«2»

محمد الباز يكتب: محاولة يائسة للهروب من مواجهة الدكتور طنطاوى فى المحكمة

عادل حمودة - د. محمد
عادل حمودة - د. محمد الباز

* اتفقنا على أن أقوم برد القاضى من أجل توفير وقت للدفاع وإذا بعادل حمودة يقول: أنا لا أعرف شيئًا عن رد المحكمة

* علمت بتواصله مع محامى شيخ الأزهر ليُبعد التهمة عن نفسه باعتباره رئيسًا للتحرير وليس كاتبًا لـ«المقال الأزمة»


لم يكن شيخ الأزهر الأسبق الدكتور محمد سيد طنطاوى عنيدًا فقط، بل كان يُحيط نفسه بهيئة استشارية مدججة بالقانون، عالمة بثغراته، وكان لا بد لمواجهتها من هيئة على قدرها، وهو ما جرى، فعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم.
بعد الجلسة الأولى لنظر القضية التى عُقدت فى قاعة محكمة جنايات الجيزة بدار القضاء العالى، رسخ فى يقين الأستاذ عادل حمودة أن المحكمة فى طريقها لإدانتنا، وهو ما أزعجه كثيرًا، خاصة أننى عرفت أن كثيرًا من محاولاته لاحتواء الموقف باءت بالفشل، فقد بدا لنا أن الدولة المصرية قررت أن تتركنا فى العراء، لا تتدخل أبدًا.
لا أدعى أننى سمعت ذلك بأذنى، ولكن ما نقله لى الأستاذ عادل كان كافيًا للتأكد من أنه لا يريد أحد أن يتدخل فقط، ولكن هناك جبهة تناصر الإمام الأكبر وتدعمه، وليس بعيدًا أنها تحرضه أيضًا.




تواصل عادل ــ كما قال ــ مع الوزير عمر سليمان، مدير المخابرات العامة آنذاك ليتدخل، لكنه اعتذر بأدب، وكانت له أسبابه التى لم يفصح عنها.
وتحدث مع صفوت الشريف الذى كان وقتها رئيسًا لمجلس الشورى وأمينًا عامًا للحزب الوطنى وصاحب سلطة وسطوة فى الدولة، لكنه رفض أن يتحدث مع شيخ الأزهر.
ما قاله صفوت الشريف كان دالًا ومقلقًا لنا فى آن واحد، فقد أكد ــ والعهدة هنا على الراوى ــ أنه لا يمكن أن يتدخل فى هذه القضية، ليس لأن شيخ الأزهر على حق ونحن على باطل أو العكس، ولكن لأن الإمام الأكبر هو المرجعية الدينية الرسمية للدولة، ومؤسسة الأزهر نفسها هى المرجعية الإسلامية السنية العليا لكل مسلمى العالم.
كان عادل حمودة يتحدث مع صفوت الشريف فى الصحافة والقانون، وكان أمين الحزب الوطنى يحدثه فى السياسة، فمن وجهة نظره، أنه لا يمكن أن تتدخل الدولة لكسر شيخ الأزهر أمام الصحافة، لأن معنى ذلك كسره أمام جماعة الإخوان المسلمين، العدو التقليدى للنظام، وساعتها لن يستطيع أن يصلب ظهره أو يرفع رأسه فى مواجهتهم، ولما احتج عادل بأن القضية بهذه الصورة يمكن أن تنتهى إلى الحكم علينا بالحبس، استهان الشريف بالكلام، وقال: أعتقد أن المسألة لا يمكن أن تصل إلى ذلك.

لم أسمع من الأستاذ عادل وقتها ما قاله له الدكتور أسامة الباز.
يقول هو فيما كتبه عن القضية بجريدة «أخبار اليوم» إن أسامة الباز نصحه بأن يسافر خارج مصر، حتى إذا صدر ضده حكم قضائى بالحبس وهو خارج البلاد تستطيع المؤسسات الحقوقية والدولية الضغط على مبارك لإصدار قرار بالعفو عنه.
سمعت فقط ما دار أمامى وسجلته وقتها نصًا فى أوراقى الخاصة.
كان الاتفاق أن ينضم إلى لجنة الدفاع المحامى الكبير جميل سعيد، وهو رجل قانون من طراز رفيع، يمكن أن تختلف معه فى التفاصيل، لكنه واحد من أعمدة المحاماة فى مصر، وأعتقد أنه لم يحصل على ما يستحقه من التقدير حتى الآن.
اتفقنا أن نعقد اجتماعًا للجنة الدفاع فى مكتب الأستاذ جميل بالزمالك، وصلت متأخرًا دقائق قليلة، جلست فى آخر كرسى دون أن ينتبه أحد لوجودى.
كان الأستاذ جميل سعيد هو الذى يتحدث، وإذا به يقول: لو ممكن يا أستاذ عادل تجيب لنا أى حاجة تقول إنك كنت خارج البلاد وقت نشر المقال والصورة فى العدد، ممكن الموقف يتغير جدًا، يعنى تذكرة سفر، دعوة لحضور مؤتمر.. كل دى حاجات ممكن تنفعنا جدًا.
هز الأستاذ عادل رأسه، دون أن أعرف هل يوافق على ما يقوله جميل سعيد أم يرفضه، وقبل أن أتبين الموقف، قلت له: معنى كده إنى أشيل القضية كلها لوحدى يا أستاذ جميل.
انتبه جميل سعيد إلى وجودى، فشعر ببعض الحرج، ونفى تمامًا أن يكون مقصده أن يخرج عادل حمودة من القضية، وأن أتحمل وزرها وحدى، لكننى قلت له: أنا والأستاذ عادل متفقان أننا مربوطان برقبة بعض فى القضية دى، يعنى لو براءة هنبقى سوا، ولو إدانة هنبقى سوا برضه، فوجدت الأستاذ عادل يهز رأسه موافقًا هذه المرة، نظر لى وقال فى حدة: جرى إيه يا محمد، إحنا مع بعض فى القضية طبعًا، ومفيش أى كلام تانى غير ده.
بدأ الأستاذ فتحى رجب، رحمه الله، فى الحديث، كلامه كان بهدوء وثقة شديدين، قال: أنا شايف إن القاضى رايح للإدانة، وده مش فى صالحنا، وإحنا محتاجين شوية وقت، ومفيش قدامنا إلا إننا نرد القاضى.
استحسن الموجودون الكلام، وكان معنا الأستاذ نشأت أغا، المحامى، الذى تمسكت بوجوده فى القضية، لم أعترض على مسألة رد القاضى، رغم أننى لم أر لها داعيًا من الأساس، وكانت المفاجأة أننى وجدتهم يقولون لى: ستقوم أنت برد القاضى. ولما اعترضت، وقلت لهم: ولماذا لا نقوم أنا والأستاذ عادل بذلك؟. تعلل فتحى رجب بأن الإجراء لا ضرر فيه، وأن أحدنا يكفى.
كانت هذه هى اللحظة التى بدأت أشك فيها فى كل ما يقال أمامى عن أن القضية واحدة، وأننا فيها أنا والأستاذ عادل كتفًا بكتف، شعرت أن هناك محاولة للفصل بيننا، وأن لجنة الدفاع تسعى لتحسين موقف عادل حمودة فى القضية، وتبحث عن أى ثغرة، لأبدو أنا وكأننى من ارتكبت الجرم وحدى.
لم أثق فيما قالوه، اتصلت تليفونيًا بمنتصر الزيات، المحامى، ووقتها كنا نتواصل كثيرًا، فقد كان أحد مصادرى فى تغطية ملف التيارات الدينية، سألته عن قضية رد القاضى، فقال: مفيش أى مشكلة، ده حق أصيل من حقوق المتهم إذا رأى أن القاضى منحاز ضده، أو أبدى موقفًا يُفهم منه أنه يتعاطف مع إحدى الجهتين المتخاصمتين.
ما رأيته من القاضى الجليل المستشار محمود سامى، رئيس جنايات الجيزة، كان عكس هذا تمامًا، شعرت أنه يحقق فى كل صغيرة وكبيرة، ولذلك كنت غير مقتنع تمامًا بمسألة رد القاضى، لكنهم أصروا وكانت الحجة هى محاولة كسب الوقت، دون أن أعرف لماذا يحتاجون كل هذا الوقت فى القضية.
قمت برد القاضى، فتأجل نظر القضية الرئيسية لحين الفصل فى القضية الفرعية، وعندما ذهبت إلى القاعة الصغيرة التى تنظر طلبى برد هيئة المحكمة، تراجعت أمام القاضى، وقلت له إننى شعرت أن هناك انحيازًا ما من رئيس الدائرة للخصم، لكن هذا الشعور كان مبالغًا فيه، ولما فكرت فى الأمر أدركت أننى كنت مخطئًا.
الغريب أننا عندما وقفنا أمام المستشار محمود سامى فى الجلسة التالية لرفض رد القاضى، وجدته يقول لى مبتسمًا: أنا مش زعلان إنك رديت هيئة المحكمة، لأن ده من حقك، قلت له أنا تراجعت عن الرد، لأن الصورة لم تكن كاملة عندى يا سيادة المستشار.
وفجأة تداخل الأستاذ عادل فى الحديث، ووجدته يتحدث مع القاضى قائلًا: أنا من البداية يا فندم متمسك بهيئة المحكمة الموقرة، وأثق فى نزاهتها وحيادها. ثم واصل بما هو أغرب، حيث قال إنه يُشرفه أن يمثل أمام هيئة المحكمة، وإنه لا يعلم عن طلب الرد شيئًا، وإنه جاهز للدفاع عن نفسه بكل الطرق القانونية فورًا.
فبدا لى للحظة أنه يبيعنى أمام المحكمة، فما معنى أن نتفق على رد القاضى لكسب بعض الوقت، وأمام نفس القاضى يقول إنه متمسك به، وكأنه يقول له، إن الباز هو الذى رد المحكمة ولست أنا.
بعد هذه الجلسة، وجدت الموقف يتعقد أكثر، فقد أصرت هيئة الدفاع على أن القاضى لن يمرر القضية بسلام علينا، ووجدت المستشار فتحى رجب يقول لى ما لم أكن أتخيله أبدًا.
طلب منى أن أمر عليه فى مكتبه فى شارع النيل بالعجوزة، ولأن ما قاله كان مفزعًا بالنسبة لى، فلم يستغرق حوارنا أكثر من خمس دقائق، أتذكر أننى لم أجلس فيها، بل كان الحوار بيننا متعجلًا متوترًا.
قال لى: يبدو أننا مش هنعرف نتعامل مع القاضى ده، ولازم نغير الدايرة دى بأى طريقة.
قلت له: وإيه المطلوب؟
فرد بسرعة: عاوزينك تعمل ٣ شكاوى بسرعة جدًا ضد المستشار محمود سامى، الأولى فى إدارة التفتيش بوزارة العدل، والثانية فى محكمة الاستئناف، والثالثة فى مكتب النائب العام، عاوزين نمشى من قدامه بأى طريقة.
تعاملت مع ما قاله المستشار فتحى رجب بهدوء تام.
قلت له: ٣ شكاوى فى القاضى ليه، ده لو قتل حد من عيلتى مش هاعمل معاه كده.. مش هقدم شكاوى طبعًَا.
احتد فتحى رجب، وقال لى: لازم تسمع الكلام، فقلت له: واسمع الكلام ليه، وبعدين هو مش الأستاذ عادل شريك فى القضية دى، أنا عملت قضية رد القاضى عشان نكسب وقت، وبيتهيألى إننا كسبنا وقت كفاية، هو بقى يقدم التلات شكاوى دول، وأهو نكسب وقت برضه.
استاء فتحى رجب مما قلته، ووجدته غاضبًا جدًا، وأنهى الحوار بأننى لا بد أن أتحدث مع الأستاذ عادل لنتفق على ما سنفعله، لأننى بذلك أضع الجميع فى ورطة، رغم أننى كنت أرى أن الجميع يريدون وضعى وحدى فى الورطة.
قبل أن أدخل الجريدة وجدت عادل حمودة يطلبنى: عدى علىّ قبل ما تروح مكتبك.
دخلت عليه، وقبل صباح الخير، قال لى بعنف شديد جدًا: إنت مش عاوز تسمع الكلام ليه، فتحى رجب بيتكلم صح، مش هينفع نكمل قدام القاضى ده، إحنا فى مركب واحد، ومش هنسيب بعض.
بهدوء شديد قلت له وللمرة الأولى منذ أن بدأت القضية: لا، إحنا مش فى مركب واحد، وحضرتك بتشتغل فى القضية لوحدك، وأنا عرفت إنك تواصلت مع محامى شيخ الأزهر، والناس تفهموا إن مسئوليتك كرئيس تحرير ممكن تبعدك عن الاتهام، صحيح مفيش حاجة حصلت، بس أنا عاوز أؤكد لحضرتك إن القضية دى إحنا فيها مع بعض، محدش فينا هيخرج لوحده أبدًا.
بطريقته التى أعرفها ــ فى لحظات المواجهة يتحدث دون أن ينظر فى عينى ــ أنهى الحوار بعصبية شديدة: إنت مش عندك شغل، خلص شغلك وبعدين نتكلم، وبعد أن أنهينا عملنا وجدته يقول لى: إنسى الكلام اللى سمعته من فتحى رجب، وخلينا نشوف هنعمل إيه.
كنت أقدر أن عادل حمودة لا يريد أن يدخل السجن، هذا حقه تمامًا، ولا يمكن أن أزايد عليه فيه، فقد حمل رقبته على كفيه أكثر من مرة وهو يخوض حروبًا معلنة ومعروفة ضد الفساد، ولم يكن يخشى أى تهديدات، لكن السجن فى النهاية سجن، والقضية التى نُحاكم فيها قضية رأى، فلم نكن من لصوص المال العام، ولم نفسد الحياة السياسية كما فعل الآخرون.. فلماذا نخضع لمن يريدون أن يلقوا بنا فى الزنزانة؟
وقد يكون هذا التقدير هو الذى جعلنى لا أغضب من عادل حمودة أبدًا، فهو يريد إنقاذ رقبته من السجن بأى طريقة وبأى ثمن، حتى لو بدا فيما يقوله ما يخالف ذلك، صحيح أنه كان مسئولًا بنفس الدرجة فى القضية، لكننى لم أراجعه أبدًا فيما يقوله ــ ولا يزال ــ عن أن مسئوليته لا تتعدى كونه رئيس التحرير، فلم يقرأ المقال، ثم إن صورة شيخ الأزهر وهو يرتدى زى بابا الفاتيكان صنعها القسم الفنى.. وهو ما لم يكن صحيحًا.
كان القرار أن نقوم بحشد أكبر قدر من المؤيدين لموقفنا، وظهر لنا فى هذا الوقت أن نستعين بالدكتور مصطفى الفقى، المفكر والسياسى الكبير، وأحمد الفضالى الذى كان رئيسًا لجمعية الشبان المسلمين.
تولى الأستاذ عادل التواصل مع مصطفى الفقى، شرح له القضية، ووافق الدكتور الفقى على أن يكون شاهدًا لصالحنا من منطلق قناعته التامة بحرية الرأى والتعبير، وزرنا أحمد الفضالى فى مكتبه بشارع رمسيس، وشرحت له القضية، فوجدته مشحونًا من الأساس ضد شيخ الأزهر لخلافات سابقة بينهما، فلم يكن فى حاجة لأن نتفق معه على ما يقوله، قال لنا بحماس يتحدث به دائمًا: الجلسة لن تكون دفاعًا عنكما، ولكنها ستكون محاكمة عامة لشيخ الأزهر، فقد آن الأوان أن نكشفه أمام الرأى العام.
ذهبنا إلى الجلسة التالية ومعنا الدكتور مصطفى الفقى وأحمد الفضالى.
استقبل المستشار محمود سامى الدكتور مصطفى الفقى استقبالًا رائعًا، أثنى عليه وعلى مواقفه وكتاباته، وكلما تحدث الفقى كان يستزيده القاضى، ويقول له أنا سعيد لأننى أستمع منك، فأنت عالمٌ جليل وسياسى محنك، ونحن نتعلم منك دائمًا.
تحدث الدكتور الفقى عن معرفته السابقة بشيخ الأزهر، وثقته بأنه متسامح، وأنه حتمًا لا يريد أن يحبس الصحفيين، وأن كل ما يحدث مجرد سوء تفاهم، سرعان ما سيذوب، وكأنه كان يتحدث عن رجلٍ آخر لا نعرفه، أو أنه لم يكن ملمًا بكل المحاولات التى بذلناها من أجل الوصول إلى حل وسط مع الشيخ الذى كان عنيدًا جدًا.
جاء دور القاضى ليسأل الدكتور مصطفى الفقى فى صلب القضية والاتهامات الموجهة إلينا.
قال له: هل ترى فى الصورة التى نشرتها جريدة «الفجر» لشيخ الأزهر وهو يرتدى زى بابا الفاتيكان أى إساءة له أو لمؤسسة الأزهر؟
رد الفقى: لا أرى فى الصورة أى إساءة على الإطلاق، وبرر ذلك بأن الصورة ليست إلا نوعًا من المعالجة الصحفية لتوصيل المعنى، وأن الجريدة حتمًا لا تقصد الإساءة لمقام شيخ الأزهر.
عاود القاضى السؤال مرة أخرى: وهل ترى فى المقال الذى كتبه محمد الباز أى إساءة لشيخ الأزهر؟
فرد الفقى: قد تكون فيه بعض العبارات التى لا تليق، لكنها لا تصل بأى حال من الأحوال إلى إهانة شيخ الأزهر، وأعتقد أن الكاتب لا يقصد الإساءة، ومن يقرأ ما كتبه يرى أنه حسن النية فى النقد الذى وجهه للإمام الأكبر.
لم تكن معرفتى بالدكتور مصطفى الفقى وثيقة فى هذه المرحلة، لكنها تجاوزت بعد ذلك مرحلة الصداقة، فهو بالنسبة لى الآن بمثابة الأخ الكبير، وله فى عنقى ديون كثيرة، لكنه لا ينسى أبدًا هذه الشهادة، وفى مناسبات كثيرة يقول لى: إوعى تنسى إنى أنقذت رقبتك ورقبة صاحبك من السجن.
تحدث أحمد الفضالى بعد ذلك وكان متحمسًا جدًا، وكانت مفاجأة لنا وربما للقاضى ما قاله عن شيخ الأزهر، إذ إن بعضه كان يمكن أن يضعه هو نفسه تحت طائلة القانون، لكن ولأن ما قاله كان ردًا منه على هيئة المحكمة، فلم يسائله أحد عما ردده.
كانت هناك ورقة فى أيدينا ادخرناها إلى الوقت المناسب، وأعتقد أن صاحب فكرتها كان المستشار فتحى رجب، الذى كان يعرف الدكتور سيد طنطاوى أكثر منا جميعًا، وكان يحكى لنا عن مواقفه التى جمعتهما معًا، وكلها كانت تشير إلى أننا أمام رجل عنيد، لا يمكن أن يستسلم بسهولة.
من بين ما رواه لنا المستشار فتحى رجب أن شيخ الأزهر عندما كان مفتيًا وقع بينه وخاله الذى رباه خلاف حاد على الميراث، كانت قطعة أرض يتنازع عليها الطرفان، ولما وجد الخال أن ابن أخته يستخدم كل نفوذه ليحقق ما يريده، هدده بالقتل على مرأى ومسمع من آخرين.
رفُعت التقارير إلى رئاسة الجمهورية، وكانت تحذر من أن المفتى يمكن أن يتعرض بالفعل للقتل بسبب عناده فى قضية ميراث، أوفد الرئيس مبارك رئيس ديوانه الدكتور زكريا عزمى إلى المفتى كى يتفاهم معه، ويقنعه بأن يتراجع عن عناده، لكنه فوجئ بالدكتور طنطاوى يقول له: بلغ سيادة الرئيس تحياتى وقل له إن المفتى يرجوك ألا تتدخل فى هذا الموضوع، لأنه موضوع عائلى.
كانت الفكرة أن نطلب استدعاء شيخ الأزهر إلى المحكمة لمناقشته فى بلاغه والاتهامات التى يسوقها فى طريقنا، اعتقدنا أننا يمكن أن نحرجه، فحتمًا سيمتنع عن الحضور إلى المحكمة حفظًا لمقامه وحفاظًا على هيبته، ووقتها يمكن أن ندخل من هذه الثغرة، فنحن نطلب الإمام الأكبر، لكنه يأبى الحضور.
لم يكن القاضى متحمسًا لفكرة استدعاء شيخ الأزهر، لكنه وافق فى النهاية، وكان علينا أن نقابل الدكتور طنطاوى فى قاعة المحكمة بعد أن حاولنا كثيرًا أن نتحاشى لقاءه أو نختلط به، فقد كان خصمًا عنيدًا، لا يريد أن يتراجع أو يتفهم، فقد تحول الخلاف الذى كان يمكن احتواؤه إلى معركة أصبح الرأى العام طرفًا فيها، وأصبحت أجنحة فى الدولة جنودًا مجندة للتحريض ضدنا، ليس بالكتابة فقط، ولكن بالزن على أذن الشيخ.
توقعنا جميعًا ألا يأتى الشيخ... لكنه أتى.
وكانت هذه حلقة جديدة من حلقات المواجهة التى وقف فيها رجل الدين فى مواجهة الصحفيين عاريًا.