رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لن يُنشر عن قضية شيخ الأزهر مع الصحافة إلا هنا (1)

محمد الباز يكتب: رأيت الله فى محكمة جنايات الجيزة

عادل حمودة - د.محمد
عادل حمودة - د.محمد الباز - د.طنطاوي

◘ كنت صاحب «المقال الأزمة» حول زيارة د. محمد سيد طنطاوى إلى الفاتيكان لكن عادل حمودة كتب القصة مرتين وكأنه بطلها بمفرده
◘ حين حدثت الأزمة كان ما يقوله عادل حمودة فى كل مكان أنه ليس مسئولًا عما جرى رغم أنه من أشرف على «الصورة الأزمة»




فى ٢٨ أكتوبر من العام ٢٠٠٠، كتب الكاتب الكبير عادل حمودة فى زاويته الأسبوعية بالأهرام، «صباح السبت»، مقال «فطيرة يهودية من دم العرب»، تناول فيه قصة اليهودى الذى ذبح طفلًا، وعجن بدمه فطيرة عيد الفصح، التى كان يعتبرها فى صباه مجرد أسطورة، وعندما كبر اكتشف أن الحكاية حقيقية، إذ إن محاضرها ووقائعها محفوظة ومسجلة فى المحكمة الشرعية فى حلب وحماة ودمشق فى عام ١٨٤٠.
بعد أشهر، تحركت منظمات صهيونية ورفعت دعاوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية متهمة إبراهيم نافع، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام وقتها، وعادل حمودة، كاتب المقال، بمعاداة السامية، وهو ما استدعى تضامنًا محليًا وعالميًا مع المستهدفين بالذبح اليهودى السافر.
المفاجأة أن التضامن كان مع إبراهيم نافع، بينما جاءت سيرة عادل حمودة عرضًا فى تقارير «الأهرام»، التى غطت الأزمة، وكان طيفًا عابرًا بين سطور البيانات وعرائض التضامن.
كنا قد أصدرنا جريدة «صوت الأمة» فى ديسمبر ٢٠٠٠، فتحرك عادل حمودة ليحفظ حقه، كتب القصة كاملة، وحرص على نشر صورة له وهو يجلس بجوار نافع يُشعل له السيجار.
لقد وجد الكاتب الكبير حقه فى القضية يضيع، فقرر أن يحافظ على نصيبه غير منقوص، وتحولت صفحات «صوت الأمة»، على مدار أسابيع، لمولد صاخب لإنصاف الكاتب الذى أبت «الأهرام» أن تمنحه حقه، باعتباره «كاتب المقال الأزمة»، حيث لم يكن لإبراهيم نافع فضل إلا مصادفة أنه كان رئيسًا للتحرير.
فى العام ٢٠٠٨ تكرر السيناريو ذاته، وهو سيناريو لعب فيه عادل حمودة دور إبراهيم نافع، ولعبت أنا دور عادل نفسه.
فى ١٢ أكتوبر من العام ٢٠٠٨، كتب المستشار محمود سامى، قاضى محكمة جنوب الجيزة، نهاية قضية شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوى، ضدى أنا وعادل حمودة، وهى القضية التى عُرفت إعلاميًا باسم قضية «إهانة الأزهر»، وكان الحكم عنيفًا، إذ قضت المحكمة بتغريمنا ١٦٠ ألف جنيه، ٨٠ ألفًا لكل واحد منّا، بتهمة سب وقذف الشيخ.
فى اليوم التالى للحكم، جلس عادل حمودة ليكتب قصة القضية كلها، ورغم أننى كنت «صاحب المقال الأزمة»، فإنه قال كل شىء وبالتفاصيل من عدسة نظارته وحدها، وكأنه كان وحده فى القضية.
وقتها لم أهتم، فالزمان كان زمنه، والقلم كان فى يده، لكن عندما بدأ كتابة مذكراته فى جريدة «أخبار اليوم»- بدأها السبت ٦ يناير ٢٠١٧- وجدته يبدأ بقصة شيخ الأزهر، عائدًا إلى سيرته الأولى، فقد كتب كل التفاصيل من وجهة نظره، دون أن يأتى على خوضنا المعركة معًا كتفًا بكتف، وكأنه يُعيد مرة أخرى ما فعله إبراهيم نافع معه فى قضية فطيرة الدم، مؤكدًا أن المقهور يسير على خطى القاهر خطوة بخطوة، مع الفارق أننى لم أشعر يومًا بقهر الآخرين، بينما شعر هو بذلك وعبّر عنه، بينما تعاملت مع الأمر بسخرية كاملة، فقد كان ما جرى يستدعى التنكيت، لأنه كان هزليًا جدًا.
هنا أكتب ما أعتبره نصيبى من الحقيقة.
ولأننى لست من هُواة البطولات المطلقة ولا الحقائق المنقوصة، فستجدون هنا ما لن يُنشر فى مكان آخر عن هذه القضية، وعذرًا إذا وجدتم الحقيقة جارحة، فهى كذلك بالفعل.
كان يمكننى أن أدخر هذه الصفحات إلى لحظة أكتب فيها مذكراتى، وهى لحظة حتمًا ستأتى إذا أذن بها القدر، لكن ولأن أفران الصحافة الساخنة موقدة، فلا بد من أن أقول كلمتى الآن، لأنها لو تأخرت، فسيقول كثيرون: لماذا لم تتحدث عندما كان الحديث واجبًا؟
بدأت القصة كلها فى مارس ٢٠٠٨.
وقتها كنت مستشارًا لتحرير جريدة «الخميس» ونائبًا لرئيس تحرير جريدة «الفجر»، لفت انتباهى خبر قبول شيخ الأزهر، الدكتور طنطاوى، دعوة البابا بنديكت السادس عشر إلى الفاتيكان، ولأن البابا كان قد تجاوز قبلها بشهور فى حق النبى محمد، وقال ما لا يصح فى حق الإسلام، فقد انتقدت قبول الدعوة فى مقال بجريدة «الخميس»، وهو المقال الذى مر بهدوء، دون أن ينزعج منه الشيخ.
كنا ننتهى من إعداد الصفحة الأولى من جريدة «الفجر» يوم الإثنين ، تمهيدًا للانتهاء من العدد كله يوم الثلاثاء، ليكون مساء الأربعاء فى الأسواق، صباح الإثنين وجدت عادل حمودة يتصل بى تليفونيًا.
عادل: إنت لسه نايم يا أستاذ.. الدنيا مقلوبة على شيخ الأزهر وإنت مش هنا.
أنا: خير حصل حاجة جديدة؟
عادل: إنت مش متابع ملفك ولا إيه، الراجل قبل دعوة بابا الفاتيكان للزيارة، شوف هنعمل إيه.
لم أقل له إننى كتبت فى الموضوع نفسه منذ أيام، فلم يكن يروق له أن أكتب فى صحف أخرى، إلى جوار جريدة «الفجر».
بعد أقل من ساعة كنت فى مكتبه، وقبل أن أتكلم، قال لى: اطلع التنفيذ شوف الصورة اللى أنا عملتها، وقول لى رأيك.
وقبل أن أغادر مكتبه، قال لى: هتعجبك جدًا.
كانت الصورة المصنوعة بالجرافيك جريئة ومدهشة، شيخ الأزهر، الدكتور سيد طنطاوى، يرتدى زى بابا الفاتيكان، لا أنكر أنها أعجبتنى، خاصة أنها لم تكن خارج سياق الصور التى نصنعها لنجوم المجتمع من السياسيين والوزراء والمفكرين ورجال الدين، وهى صيغة بدأناها فى جريدة «صوت الأمة» واستمرت معنا فى الفجر، قبل أن تتلاشى تمامًا من المعالجات الصحفية.
عدت إلى مكتبه وأنا مبتسم، قال لى: عجبتك؟
قلت: جدًا.. بس أنت مش شايف إنها شديدة شوية، ممكن تجيب لنا مشكلة؟
فقال دون أن يعبأ: ولا مشكلة ولا حاجة، وبعدين هى المشاكل جديدة علينا.

جلسنا نُجهز الصفحة الأولى، وكان أداؤنا فيها غريبًا، فقد كنا ننتهى منها قبل أن ننتهى من الجريدة، وهو ما كان يجعل الصفحات الداخلية فى أعداد كثيرة أقوى من الأولى التى كنت نعتبرها مرآة الجريدة.
وجدَتْ الصورة معارضة من بعض الزملاء، لكن كان القرار فى النهاية هو النشر، خاصة أن هناك زميلة قالت، ما صار بعد ذلك نكتة: أنا ممكن ما أفهمش فى الصحافة كويس، لكن أنا أفهم فى القانون كتير جدًا، والصورة دى مفيهاش حاجة. فبعد أن ذهبنا إلى المحكمة، كنا نذكرها بها ونضحك على ما قالته، كنت أقول لها: طلعتِ لا بتفهمى فى الصحافة ولا فى القانون. وكانت تتقبل ما أقوله، لأنها كانت تعرف أنه دعابة.
قبل أن نجلس لإعداد الصفحة الأولى، كنت قد انتهيت من مقالى «شيخ الفاتيكان الأكبر»، وهو المقال الذى طالبت فيه الدكتور طنطاوى صراحة بألا يذهب إلى الفاتيكان، ولا يقابل البابا بنديكت، ولا يسلم عليه احترامًا لمشاعر ملايين المسلمين، الذين آذاهم ما قاله عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، وكان طبيعيًا أن أتوقف عند بعض من أداءات شيخ الأزهر التى لم يكن يرضى عنها أحد.

كان استقبال العدد الذى يحمل صورة شيخ الأزهر الذى يرتدى فيها زِى بابا الفاتيكان وعنوان المقال الداخلى صاخبًا، شعرت به، عندما وجدت مواقع تبث من خارج مصر منها «العربية. نت»، يتحدث صحفيوها معى، ويسألوننى عن دوافعى لكتابة هذا المقال، ولماذا اخترنا أن نُظهره فى زى البابا، وفى كل مرة كنت أتحدث عن أسباب مهنية جعلت مما فعلناه ضرورة.
لم تصدمنى ردود الأفعال الصحفية، لكن المزعج حقًا كان البلاغ الذى تقدم به محامى شيخ الأزهر ضدى أنا والأستاذ عادل حمودة، يتهمنا فيها بثلاثة اتهامات واضحة ومحددة، وهى الاتهامات التى تمت إحالتنا بها من النيابة إلى المحكمة، بعد تحقيقات مطولة خضناها سويًا، وكان معنا فيها محامى الجريدة، الأستاذ نشأت أغا.
كانت الاتهامات هى السب والقذف فى حق شيخ الأزهر، وإهانة المؤسسة الدينية الرسمية، ونشر أخبار كاذبة.
لم تكن التهمة الأولى مُزعجة، نعرف أنها لو وصلت لنهايتها، فلا عقوبة لها إلا الغرامة، لكن المزعج كان إهانة المؤسسة ونشر أخبار كاذبة، إذ لو صحت فى حقنا لوجب علينا الحبس، وهو ما يُقره القانون.
فى تحقيقات النيابة، كنت واضحًا فى إعلان مسئوليتى عن المقال، قلت إن الأستاذ عادل لم يقرأه قبل النشر، ولم يكن هذا تبرئة له منى، فقد كان هذا الواقع، فعلى مدار ما يزيد على خمسة عشر عامًا جمعتنى به فى جريدتى «صوت الأمة والفجر»، لم يقرأ لى مقالًا واحدًا قبل النشر.
أما عن الصورة، فقد كان الاتفاق بيننا أن نقول إن الصورة ليست مسئولية فرد واحد، ولكن تشترك هيئة التحرير جميعها فى صناعتها، كما أن قرار نشرها جماعى، فلا يمكن تحديد المسئول عنها بدقة، فقد كانت هناك رغبة منّا فى أن تكون الصورة على المشاع، لأننا كنا نعرف أن الجريمة فيها مكتملة غير منقوصة.
فى قضايا صحفية سابقة، كانت النيابة لا تدقق كثيرًا معنا فى مسألة الصور، كانت تستجيب لما نقوله عن شيوع المسئولية، لكن هذه المرة ضيّقت الخناق على الأستاذ عادل وعلىّ، فلم يرض المحقق منّا بالكلام العائم العادى المعتاد.
قال المحقق: سنُسلم أن الجميع اشتركوا فى تصنيع الصورة، والجميع أيضًا أخذوا قرار نشرها، لكن فى النهاية هناك من يتحمل مسئولية نشر الصورة وهو رئيس التحرير.
لم نستسلم للنيابة، ظل كلامنا فيما يتعلق بالصورة واحدًا، ولو استجاب المحقق لما قلناه، لجعلناه يستجوب الجريدة كلها دون حتى أن يستثنى عمال البوفيه، لكنه فهم ما نريده، فلم يخضع له، وأحالنا إلى المحكمة، التى حددت ١٣ مايو ٢٠٠٨ موعدًا لنظر القضية.
بدأ الإعلام يتحدث عن القضية، وكان ما يقوله الأستاذ عادل فى كل مكان واحدًا، فهو ليس مسئولًا عما جرى، هو فى النهاية- كما يرى- رئيس التحرير، والمسئول هو أنا، وهو كلام لم أنكره عليه أبدًا، ولم أتحدث عن مسئوليته الكاملة عن الصورة، ومسئوليتى أنا عن المقال.
كنت أعرف أن الدكتور محمد سيد طنطاوى قد تم شحنه ضد جريدة «الفجر»، وضد عادل حمودة شخصيًا، فهو كاتب يشعل الحرائق فى ثوب الجميع دون أن ينظر حوله، هناك ألف من يُريد له الشر والأذى.
وكنت أعرف أيضًا أن الإمام الأكبر يضيق ذرعًا بى وقتها، فأنا ومنذ عشر سنوات «١٩٩٨- ٢٠٠٨»، لم أكف يدى عن الكتابة عنه، كان الغضب متراكمًا، وجاءته اللحظة التى لم يفلتها فى تصفية من يرى أنه خصم عنيد له.
فى عام ١٩٩٩ كنت قد أصدرت كتابى «شيوخ مصر.. من نفاق الحاكم إلى نفاق الله» عن دار نشر «مدبولى الصغير»، اختار مصمم الغلاف أن تكون العمامة الأزهرية هى بطلته، ودون أن يقصد وضع عمامة الدكتور طنطاوى دونًا عن العمائم كلها، غضب الشيخ، وبعدها بأيام اختفى الكتاب من منافذ البيع.
سألت صديقى الناشر الكبير محمد مدبولى عن السبب، فلم يجبنى بشىء مقنع، لكننى عرفت أن الدكتور طنطاوى استدعاه، ولامه على نشر الكتاب، وطلب منه صراحة ألا يبيع الكتاب، وألا يعرضه للجمهور، وهو ما استجاب له ناشرى، ليس خوفًا، ولكن محبة للشيخ.
أدرك الدكتور طنطاوى أن الفرصة جاءته على طبق من ذهب، فلم يتركها، كان يضيق ذرعًا بالصحفيين وما يكتبونه عنه، فرغم ما كان يبديه من حديث عن التسامح إلا أنه لم يكن متسامحًا ولا سمحًا أبدًا، ولم تكن هذه هى المرة الأولى، التى يقف فيها أمام صحفى لينتقم منه بسبب ما كتبه.
فى العام ١٩٩٨، كان الصديق جمال فهمى يتولى مسئولية إصدار العدد الأسبوعى من جريدة «العربى»، وطلب منى أن أكتب مقالًا عن شيخ الأزهر، لكننى تأخرت عليه، فكلف الزميل حازم الزويدى بالمقال، الذى وضع له عنوانًا حادًا «مولانا شيخ الأزهر.. نسألك الرحيلا»، كان حازم عنيفًا فيما كتبه، للدرجة التى جعلت شيخ الأزهر يستخدم كل أسلحته ضده.
لم يكن حازم مصريًا، وإنما فلسطينى، وكانت هذه هى الثغرة التى دخل منها الدكتور طنطاوى، أقسم بعمامته ألا يظل حازم فى مصر يومًا وحدًا، وبالفعل لم تمض سوى أيام قليلة، إلا وكان حازم خارج مصر، وعرفت أنه تم ترحيله كرامةً للإمام الأكبر.
فى قضية شيخ الأزهر كان الأمر مختلفًا، فهو لن يقدر على إخراجنا من مصر، كما أنه لن يقدر على منعنا من الكتابة، ولذلك لم يجد أمامه إلا النيابة التى لجأ إليها، وكان هناك إصرار على إدانتنا بكل الطرق، ولن أدعى أنه كانت هناك توجيهات، بل بدا أن النيابة مقتنعة تمامًا بأننا أخطأنا فى حق العمامة الأزهرية، ولذلك لم تكن إحالتنا إلى محكمة الجنايات بتهم تفضى بنا إلى السجن أمرًا غريبًا على الإطلاق، بل كان هذا هو ما توقعته، لكنه أزعج الأستاذ عادل جدًا، فهو كان يرى- وربما لا يزال- أن من حق الكاتب أن يكتب ما يشاء، وليس من حق أحد أن يعترض أو يطالب بحقه، لأن ما يكتبه يأتى من أجل الصالح العام، رغم أن الصالح العام فى النهاية نسبى جدًا.
كان علينا أن نتحرك على مستويين، الأول قانونى والثانى صحفى.
أما القانونى فقد بدأنا خلاله نجمع أوراقنا، كانت المهمة الأساسية هى أن نفكك الاتهامات الثلاثة، بدأ محاميا الجريدة الأستاذ أحمد شقير والأستاذ نشأت أغا فى العمل، وانضم لهما فى مرحلة لاحقة الأستاذان المستشار فتحى رجب والمحامى الكبير جميل سعيد، وفى المحكمة انضم إليهم المحامى الحقوقى ناصر أمين.
ونحن نجهز أوراقنا القانونية، اتصل بى محام من المنصورة اسمه أحمد الهادى، لم أكن أعرفه، لكنه أبدى استعداده أن يكون محاميًا فى المحكمة، اعتذرت له، لكنه أصر، ولما تهربت منه، وجدته فى اليوم التالى يقف أمام الجريدة التى كان مقرها وقتها فى شارع «أبوالكرامات» فى المهندسين، فلم أستطع رده هذه المرة، وانضم بالفعل إلى لجنة الدفاع.
كانت مهمتنا أن نستبعد تهمة إهانة المؤسسة، فهى توجب الحبس، وكان الاجتهاد وقتها فى أن نفصل بين شيخ الأزهر والمؤسسة الكبيرة، فهو لا يمثل إلا نفسه، واجتهدنا كذلك فى تفتيت تهمة الأخبار الكاذبة، فلم تكن فى المقال أخبار حتى يدعى شيخ الأزهر أنها كاذبة، وبالنسبة للسب والقذف، فقد رأينا أن نثبت عنصر حسن النية.

من ناحيته، قال عادل حمودة إنه يمتلك دليلًا على حسن نيته، وجاء بعدد من «روزاليوسف» دافع فيه عن الشيخ طنطاوى فى مواجهة الصحف القطرية، التى كانت تهاجمه، وتحط من قدره، وجئت أنا بمقال كتبته فى صوت الأمة عن زوجة الإمام بعد وفاتها، وكان يحمل تقديرًا لعلاقته بها، وأسسنا على ذلك أننا لا نستهدف شيخ الأزهر بما كتبناه عنه أو نشرناه بشأنه، ولكنه خلاف فى وجهات النظر.

أما على المستوى الصحفى، فقد قررنا أن نُخضِع شيخ الأزهر، وهى المهمة التى قمت بها، فكتبت ثلاث مقالات كانت فجة وجارحة، جمعتها بعد ذلك فى كتاب «لا يا شيخ الأزهر.. فتاوى فى خدمة المال ولنساء».. تعرضت فيها لسلوك الدكتور طنطاوى فى الإفتاء، وجئت على سيرة فتاويه فى قضية لوسى آرتين الحسناء الأرمينية، واستخدامه لأوراق دار الإفتاء الرسمية فى مخاطبات رسمية تخص نزاعه مع خاله على قطعة أرض فى ساحل سليم بسوهاج.

أعترف بأن هذه المقالات لم تكن أبدًا لوجه الحقيقة، لكنها فى نهايتها كانت من باب الكيد المهنى، فقد أردنا أن تصل الرسالة إلى الشيخ الكبير بأن الصحافة لها أنياب، وأنه كما يستطيع أن يرفع فى وجهنا سلاح القانون، فإننا نستطيع أن نرفع فى وجهه سلاح الرأى العام الذى أردنا تقليبه عليه، لكنه لم يخضع، ولم يتراجع، وواصل طريقه، إذ رفض كل محاولات الصلح التى تدخل فيها كثيرون.

لم نذكر أبدًا القضية التى بيننا وشيخ الأزهر، على العكس تمامًا كنا نتجاهلها، وكأنها لم تكن، ولم يكن يحدث أى شىء يشير إلى أن الشيخ يتراجع، بل كنا نقترب من الموعد الذى سنقف فيه أمام المحكمة.

كنا نعرف أن الجلسة الأولى فى المحكمة جلسة إجراءات، لم نذهب أنا وعادل حمودة، تركنا المهمة للمحامين، تعللوا بأن هناك ما يحول بيننا والحضور، قَبِل القاضى طلبات المحامين، لكنه أصر على أن نحضر، فحضور المحامين وقتها فى جلسات الجنايات لا يغنى عن حضور المتهمين.

أدركنا وقتها أننا أصبحنا متهمين فى قضية كبرى، سيهتز لها الرأى العام.

قبل أن أدخل محكمة الجنايات كنت قد دخلت أكثر من محكمة، وتم التحقيق معى أمام عشرات من وكلاء النيابة، لكن هذه المرة كانت مختلفة.

لقد قرر شيخ الأزهر أن يذهب بنا إلى هناك مختصمًا إيانا باسم الله، وكنت على يقين أن الله لن يكون إلى جواره هو، بل سيكون بجوارنا نحن، وهو ما جرى، فمن اللحظة الأولى لدخولى المحكمة أيقنت أن الله سيُخلصنا من هذه الورطة.

كانت عيون محامى شيخ الأزهر تنضح برغبة فى الانتقام، ولم يكن أمامنا إلا أن نواصل طريقنا القانونى، وهو ما جرى.. وكانت هذه المرحلة الأصعب من المعركة الأشرس بين الصحافة وشيخ الأزهر.




اقرأ أيضا:

«50 سنة فى أفران الصحافة الساخنة».. 7 حقائق كشفها عادل حمودة فى مذكراته