رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» مع أول فريق كرة لـ«ذوى القدم الواحدة»: «صلاح قدوتنا»

صلاح
صلاح

من منا لا يذكر صورة الشاب «الطائر بقدم واحدة»، فرحًا على عكازيه، فى الليلة التاريخية لتأهل منتخب مصر إلى نهائيات كأس العالم «روسيا ٢٠١٨» بعد غياب أكثر من ربع قرن؟.. تلك الصورة التى انتشرت كالنار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعى، بعد انتهاء مباراة المنتخب مع نظيره الكونغولى، فى الجولة قبل الأخيرة من التصفيات.

الكل يذكرها، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن تلك الصورة كانت بداية لفكرة إنشاء أول فريق كرة قدم لـ «ذوى القدم الواحدة»، وهى الفكرة التى تحققت سريعًا على أرض الواقع، وبدأ الفريق تدريباته بالفعل على «المستطيل الأخضر».

على ذلك «المستطيل الأخضر» أقدام تجرى بين «العكازات»، وكرة تسكن الشباك واحتفالات بالأهداف، ومشاهدون يستمتعون بقدرات لا تتواجد حتى لدى من يمتلكون قدمين، ليستحق هؤلاء اللاعبون المكونون أول فريق كرة قدم لـ«ذوى القدم الواحدة»- عن جدارة، لقب «فريق المعجزات»، ولم لا وهم يثبتون يومًا تلو الآخر أن الإرادة والتحدى قادران على هزيمة الظروف الصعبة، وأن الأحلام والطموحات لا حدود لها.

«الدستور» تحدثت إلى مدرب الفريق ولاعبيه، وتعرفت على قصص كفاح أبطاله، واستمعت إلى حكاية تأسيسه، وطموح اللاعبين والمدرب فى الفترة المقبلة.


أيقونة «التأهل لروسيا» صاحب الفكرة: الساحرة المستديرة حياتى.. ومحمد صلاح قدوتى
شارة الكابتن تزين ذراعه اليسرى، هو صاحب «الرقم ١٠»، ونجم الفريق وأكثر لاعبيه مهارة، وصاحب ومنفذ فكرة تجميع مجموعة من اللاعبين «ذوى القدم الواحدة»، ليكونوا نواة فريق هو الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط.
أسماؤه عديدة، الموجود فى «أوراق الحكومة» هو «محمود عبدالعظيم»، واسم الشهرة «محمود عبده»، أما الاسم المفضل لديه فهو «محمد صلاح» قدوته ومثله الأعلى، كما أنه يعمل إلى جانب كرة القدم فى مهنة المحاماة. «عبده» شاب فى عمر الـ٢٨، يعيش فى مدينة السلام بمحافظة القاهرة، شاهده الجميع على شاشات التليفزيون وعلى مواقع الإنترنت فى صورة شهيرة خلال مباراة المنتخب التاريخية أمام الكونغو، عندما قفز فرحًا بالهدف القاتل لمثله الأعلى فى شباك المنافس، والذى أعلن من خلاله صعودًا تاريخيًا للمنتخب المصرى.
فقد ساقه اليمنى فى حادث سيارة عندما كان فى عمر السادسة فقط، لكن ذلك لم يقف عائقًا أمام حلم ترعرع فى وجدانه: «سأصبح لاعب كرة مشهورًا فى النادى الأهلى والمنتخب المصرى الأول يومًا ما»، لذلك كرّس حياته لكرة القدم، لا يترك مباراة للأهلى أو المنتخب إلا ويتواجد فى الملعب يشجع ويؤازر، حتى جاءت اللحظة الفارقة.
مباراة بين المنتخب الإنجليزى ونظيره التركى، فى نهائى كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم لذوى القدم الواحدة «أصحاب العكازين»، كانت شرارة فكرة تبناها «عبده»، وقرر أن ينجح فى تنفيذها وتكوين فريق يشبه تلك المنتخبات: «مصر مش أقل من تركيا أو إنجلترا فى حاجة، بالعكس عندنا مواهب كروية تقدر تكتسح فى المجال ده، لكنها محتاجة بس حد يبدأ الفكرة ويدعمها». الحلم بدأ فى التحقق عندما تمكن الشاب من تجميع عدد من الشباب ذوى القدم الواحدة، لديهم نفس الشغف والرغبة فى اللعب كفريق والظهور بشكل جديد أمام العالم: «عملت دعوة على فيسبوك ولقيت عدد كبير من الشباب بأعمار مختلفة متشجعين للفكرة وعايزين يشاركوا فى الفريق».
وأضاف: «فعلًا اتجمعنا وانضملنا الكابتن يسرى عشان يشرف على تدريبات اللاعبين، وشايفين حلمنا بيتحقق قدام عنينا، بتكوين أول منتخب للعبة فى مصر والوطن العربى».
وتابع: «بما أن ٢٠١٨ هو عام ذوى الاحتياجات الخاصة، نتمنى أن يكون عام الانطلاق الحقيقى للفريق، وأتمنى أن توافق وزارة الشباب والرياضة على إنشاء اتحاد رسمى للعبة، عشان نقدر نشارك فى كأس العالم فى السنوات القادمة».


المدرب: الشوط 25 دقيقة.. والتبديلات مفتوحة طول الماتش
بمجرد أن وقعت عيناه على صورة «الراقص بالعكاز»، قرر إنشاء أول فريق كرة قدم لمبتورى الساق فى مصر، ووضع منشورًا على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، ليساعده أصدقاؤه فى الوصول لـ«محمود عبده» صاحب الصورة، الذى استقبل بدوره الفكرة بصدر رحب وفرحة وبدأ يجمع أصدقاءه من مبتورى الساق لإنشاء «فريق المعجزات».
هنا فى أرض الملعب يقف الكابتن «يسرى محمد» مدرب الفريق يوجه اللاعبين، ويرشدهم إلى التمركز الصحيح، ويرفع من مستوى لياقتهم البدنية، حتى يتطور مستواهم.
١٢ ديسمبر كانت بداية خروج فريق «المعجزات» إلى النور بقيادة الكابتن «يسرى» مؤسس «الفرى ستايل» فى مصر: «بدأنا بـ٦ لعيبة ودلوقت بقينا ٢٤، ومعانا حارس مرمى عنده إيد مبتورة ورجله سليمة عشان يقدر يصد الكورة، والفريق الواحد بيكون سباعى، ٦ لاعبين وحارس مرمى».
وأشار إلى أن القوانين تختلف عن كرة القدم للأسوياء، فمدة شوط المباراة ٢٥ دقيقة، فضلًا عن ١٠ دقائق راحة بين الشوطين، كما أن التبديلات مفتوحة طوال المباراة: «مفيش أوف سايد، ممنوع لمس الكورة بالعكاز أو بالرجل المبتورة». أما عن حارس المرمى، ممنوع خروجه عن منطقة الجزاء، كما يحظى الفريق بوقت مستقطع ثم يعود إلى الملعب مرة أخرى: «حارس المرمى لو خرج بره منطقة الجزاء بتتحسب عليه ضربة جزاء وبيطرد من الماتش».
يجتمع «يسرى» بفريقه مرتين خلال الأسبوع فى أحد الملاعب التى يستأجرونها للعب المباريات: «بنأجر الساعة بـ١٠٠ جنيه، ومراكز الشباب ممنوع نلعب فيها، لأنها مخصصة للأعضاء»، مشيرًا إلى أنه يعمل لإعداد ورش عمل للمدربين فى جميع المحافظات وأيضًا لضم حكم للفريق.
ويضيف: «أكبر مشكلة بتواجهنا أن العكاز اللى اللعيبة ماشية عليه ألومنيوم، واللعبة محتاجة عكاز حديد عشان يستحمل الجرى والمجهود» لافتًا إلى أن وزارة الشباب والرياضة واللجنة البارالمبية رحبتا بفكرتهم وتنتظران تقديم مشروع كامل عنها للموافقة عليه. تدريبات لاعبى فريق كرة القدم العادية، تختلف عن أصحاب القدم الواحدة، التى تبدأ بتدريبات السير بالعكاز ثم الجرى به، بعد ذلك يتم الانتقال إلى تدريبات اللياقة البدنية وقوة التحمل والمهارات، حسبما يوضح مدرب الفريق.

فارس ونور: إحنا المستقبل وأصحاب السرعة
«فارس أحمد»، هو فتى لم يتخط الرابعة عشرة من عمره، فقد ساقه فى حادث دراجة نارية، لكن حياته لم تتخذ منحنى مختلفًا عن سابقيه، فاستمر فى ممارسة كرة القدم بعكازيه مع أصدقائه، وتمكن من حجز مكانه بين صفوف المشجعين فى مباريات المنتخب المصرى من أرض الملعب، إلى أن علم بخبر تكوين فريق لكرة القدم، فلم يتردد فى التواصل مع «محمود عبده» مؤسس الفريق، وانضم فورًا إلى التدريبات.
القصة الثانية هى لأصغر اللاعبين سنًا، فعمره ١٢ عامًا فقط، لكن سرعته وخفته جعلتاه أحد العناصر الرئيسية فى هجوم الفريق.. «نورالدين أحمد عزت» هو اسم الفتى الذى فقد إحدى قدميه فى حادث بمترو الأنفاق عندما كان فى السادسة من عمره، لكنه متفوق رياضيًا حتى قبل الوصول إلى محطة كرة القدم لذوى القدم الواحدة، فقد مارس رياضات عدّة، منها السباحة والعدو وحتى ركوب الدراجات.
يحكى «نورالدين»: «قدرت أحقق ١٠ بطولات جمهورية فى السباحة، منها بطولة كانت على مستوى الدول العربية والإفريقية، لعبتها فى شرم الشيخ، وكابتن خالد مدرب السباحة بتاعى هو اللى رشحنى لفريق المعجزات مع كابتن يسرى وكابتن محمود»، لافتًا إلى أن المدرب أعجب بسرعته وتسجيله هدفين فى التجارب الأولى، وأضافه إلى قائمة الفريق.

عظيم بطل السباحة: حلمنا منتخب من المحافظات
جسد ممتلئ تقابله خفة فى الملعب، يضرب الكرة بقوة نحو الشباك ثم يعود ليبدأ هجمة جديدة.. هو «محمد عظيم» شاب يقترب عمره من الربع قرن، أصيب فى حادث منذ عامين أسفر عن بتر قدمه اليسرى لينتقل من صحبة الأسوياء إلى ذوى الإعاقة الذين لونوا حياته بلون مختلف.
كان يعيش بلا هدف، يقضى وقته ما بين الدراسة والخروج مع أصدقائه، بدأ مشواره برياضة رمى السهام، ثم السباحة التى شغف بها منذ صغره. تخرج «محمد عظيم» فى كلية التجارة بجامعة القاهرة، وتأقلم مع عالمه الجديد سريعًا، وتوالت إنجازاته التى بدأت بتخرجه العام الماضى، ثم حصد جوائز عديدة فى السباحة، منها المركز الثالث فى مهرجان السباحة بالقاهرة، والمركز الثانى على مستوى الجمهورية فى رمى السهام، والمركز الثانى فى بطولة الجامعات للكرة الطائرة.
أما مشواره فى كرة القدم، فبدأ قبل عام: «كنت أشاهد بشغف فرق كرة القدم لمبتورى الأقدام فى الدول الأخرى، من خلال الفيديوهات على يوتيوب وكنا هنعمل فريق بس الموضوع مكملش»، مضيفًا: «قبل الحادثة كنت بلعب كورة، وكنت حاببها جدًا، وهو ما دفعنى للإصرار على تنفيذ الفكرة».
تعرف «محمد» على أعضاء «فريق المعجزات» منذ فترة، فكانوا يحضرون مباريات النادى الأهلى معًا، وبعد عدة تمارين أطلقوا الفريق. صعوبات عديدة واجهت الشاب العشرينى فى مشواره باللعبة، تلخصت فى الضغط والجرى المتواصل، لكنه تغلب عليها: «بنتمرن يومين فى الأسبوع، والسباحة بتمرنها يومين والقوس والسهم ٣ أيام، بس مهتم بالكورة أكتر الفترة دى، نفسنا نكون فريق من كل المحافظات ونعمل منتخب، هى أسهل بكتير من كرة القدم العادية، لأن التبديلات مفتوحة طول الماتش وكل شوط ٢٥ دقيقة».