رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بابا السلام في مصر السلام


بـ«السلام عليكم» بدأ عظته، فى القداس الذى ترأَّسه فى استاد الدفاع الجوى، استاد 30 يونيو.

وبـ«السلام عليكم» بدأ خطابه فى الأزهر الشريف.

وبـ«تحيا مصر» أنهى كلمته خلال لقائه بالرئيس عبدالفتاح السيسى، وسمعناه يقول بالعربية «مصر أم الدنيا» و«الدين لله والوطن للجميع».


وبـ«السلام عليكم» بدأ كلمته التى وجهها لـ«الشعب المصرى الحبيب» فى مقطع الفيديو الذى سبق الزيارة، وعبّر فيه عن فرحته بزيارة «أم الدنيا»، مصر، «مهد الحضارة، وهبة النيل، وأرض الشمس ‏والضيافة، حيث عاش الآباء البطاركة والأنبياء، وحيث الله، الرءوف والرحيم، القدير والواحد». ومعلنًا أنه جاء صديقًا، ورسولًا للسلام، وحاجًّا إلى الأرض التى زارتها العائلة المقدسة قبل ألفى عام، والتى قدمت الكثير والكثير لهم، والتى كانت ملجأ وضيافة لهم.



صاحب كتاب «The Name of God Is Mercy» أو «اسم الله هو الرحمة»، يرى أن الرحمة هى «أهمّ رسالة للسيّد المسيح»، وأن يعى الـ1.2 مليار، أتباع الكنيسة الكاثوليكيّة فى العالم، أنّ كنيستهم لا تسعى إلى إدانة الناس وتجريمهم، بل تريد احتواءهم ونشر الرّحمة بينهم. ومنذ أن تسلّم قيادة الكنيسة، وهو يثير دهشة العالم ببساطته فى التعامل ونمط الحياة، وبتأكيده الدائم على أنه يريد كنيسة فقيرة تكون فى خدمة الفقراء ومن أجلهم، فى كل مؤسساتها: جامعات، مدارس، معاهد تربوية ومستشفيات. وبدأ بالفعل تنفيذ برنامج إصلاحى شامل داخل دوائر الفاتيكان، فكافح الفساد ولاحق المفسدين، وشدد على أن الكنيسة هى بمثابة مستشفى ميدانى لكل المرضى والباحثين عن العلاج والدواء، بالإمكانات المتاحة والمتوفرة له.

وعليه، كان طبيعيًا ألا يقبل الإقامة فى أحد القصور الرئاسية وأن يرفض الإجراءات الأمنية المشددة وألا يستخدم سيارة «ليموزين» مصفحة، تم تخصيصها لزيارته، ليتنقل فى سيارة «فيات» زرقاء، ترك زجاجها مفتوحًا ليثبت عمليًا أن مصر «أرض السلام» آمنة وأنه يترجم، على الأرض، كلماته: «لنكرر معا، من هذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العهود بين البشر وبين المؤمنين.. لنكرر «لا» قويّة وواضحة لأى شكلٍ من أشكال العنف، والثأر والكراهية يتم ارتكابه باسم الدين أو باسم الله».

هكذا، كان وصف الفاتيكان للزيارة بـ«بابا السلام فى مصر السلام»، مطابقًا للواقع. وهكذا، ومنذ لامست قدما قداسته تراب مصر، صباح، الجمعة، 28 أبريل 2017، أشاع حالة من البهجة والسعادة لم يشعر بها غير المصريين، المصريين بجد، الذين ترقبوا الزيارة منذ أعلنت عنها دولة الفاتيكان فى 11 من مارس الماضى، ووضعوا أياديهم على قلوبهم خشية أن تمنعها الحوادث الإرهابية التى استهدفت كنيستين. وجاءت الزيارة فى موعدها، لتؤكد تضامن البابا مع المصريين، وتعلن عن دعمها للقيادة السياسية المصرية فى حربها ضد الإرهاب والتطرف، وتقول بوضوح إن الإرهاب لن ينال من الحوار والتقارب بين الأديان.

«بابا السلام فى مصر السلام»، بعد 17 عامًا من زيارة البابا «جون بول» الثانى. وبعد لقائه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى 24 نوفمبر 2014، وبعد زيارة شيخ الأزهر له فى 24 مايو 2016 الماضى، التى اتفقا خلالها على تنسيق الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل ترسيخ قيم السلام، ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول. وهو ما تأكد فى الزيارة التى كان هدفها كما أعلن قداسة البابا (أو تمنى) فى مقطع الفيديو الذى سبقها هو «أن تكون بمثابة عناق تعزية وتشجيع لجميع مسيحيى الشرق الأوسط؛ ورسالة ‏صداقة وتقدير لجميع سكان مصر والمنطقة؛ ورسالة أخوَّة ومصالحة بين جميع أبناء إبراهيم، ‏وبصفة خاصة، مع العالم الإسلامى الذى تحتل مصر فيه مكانة رفيعة». وأن تضيف «إسهامًا مفيدًا فى حوار الأديان مع العالم الإسلامى، وفى الحوار ‏المسكونى مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العريقة والحبيبة».

وبين أهم ما حققته الزيارة، توقيع البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثانى ذلك الاتفاق التاريخى بشأن سر المعمودية، الذى تعترف بموجبه الكنيسة المصرية «الأرثوذكسية» بمعمودية الكنيسة الكاثوليكية، بعد 2000 سنة كانت تلزم خلالها المسيحى المتحول إليها من أى كنيسة أخرى بإعادة تعميده وفقًا لطقوسها والتعميد أو المعمودية لمن لا يعرف هو الاغتسال بالماء بطريقة أو بأخرى، وسر المعمودية هو أحد الأسرار السبعة المقدسة فى الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية وإحدى الفريضتين المقدستين فى الكنيسة البروتستانتية، وكنا نتمنى أن تتفق الكنيستان أيضًا على توحيد عيد الميلاد، لينتهى خلاف تاريخى آخر بين الكنيستين.

ولا أعتقد أن يكون البابا فرنسيس قد فاته أن يتفق مع الرئيس عبدالفتاح السيسى على القيام مع مصر، بالوساطة للوصول إلى حل عادل فى القضية الفلسطينية، وإنجاح عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومعروف أن البابا فرنسيس سبق أن توسط فى عدد من القضايا التاريخية الشائكة، أبرزها حل أزمة ذلك الخلاف الطويل بين كوبا والولايات المتحدة.

فى الساعة الخامسة عصر أمس السبت، كان البابا فى مطار القاهرة، تودّعه قلوب المصريين الذين نتمنى ألا يودّعوا كلماته وأن يتذكروا دائمًا أن «الإيمان الحقيقى هو ذلك الذى يجعلنا أكثر محبةً وصدقًا وإنسانيةً، وهو ذلك الذى ينعش القلوب ويدفعها إلى محبة الجميع دون تمييز. الإيمان الحقيقى، هو الذى يجعلنا ننشر ثقافة الحوار والأخوة وشجاعة المغفرة لمن يسيئ إلينا ومساعدة من يسقط وأن نكسو العريان ونطعم الجائع».