رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جوائز للثوار.. للثوار.. وهدايا للأبطال.. للأبطال!


ما أعرفه أنا شخصيًا أن الأندال فقط يحصلون على مقابل لبيع أسرار صديق أو تدبير مؤامرة لرئيس شركة، أو لتسريب معلومات تفيد الطرف الآخر الذى يدفع هذا المقابل، ولكن جوائز للثوار! هذا ما لم أعرفه من قبل، مقابل للنضال، هذا ما لم أعرفه، فرصة للثروة والشهرة والتجارة بمواقف سياسية أو حتى جنسية، هذا أيضًا ما لا أتخيل حدوثه مع من يظنون أنفسهم «شرفاء ونبلاء».

خلال السنوات القليلة التى أعقبت ثورة يناير عرفت الكثير من هذه الأنواع والأشكال والأساليب التى تجعل أعظم وأنبل عمل فى الوجود يتحول إلى «سبوبة» وفرصة للحاق بركب الثروات والشهرة الرخيصة، رأيتُ ورأيتم معى عجائب وغرائب كان من شأنها إهانة ثورة يناير بهؤلاء المنتسبين إليها، والذين تحولوا إلى نجوم يحصلون على الجوائز والفلوس دونما خجل أو شعور بالخسة والندالة، بل رأيناهم يعتبرون «المقابل» تكريمًا، ويسحبون مؤيدين وجماهير غفيرة من المغفلين الذين صدقوا أن هناك «نضال بفلوس» ومواقف سياسية بجوائز!

سقط عشرات فى هذا الفخ من الخسة والرخص، ولكن صدمتى الشخصية فى الكاتب جمال الجمل جددت الأحزان، فالرجل الذى ملأ الدنيا ضجيجًا عندما تلقى اتصالًا من الرئيس السيسى، الرجل الذى طرح نفسه بديلًا للمنافقين فى مساندة النظام المصرى، والذى اختار أن يكون متحالفًا مع النظام وليس معارضًا فجًا، وسعى ليكون نموذجًا للمعارض المشاكس وكتب مقالات فى صحف رجال الأعمال، قرر فجأة أن يتحول إلى «غول» بعين حمراء، وظن متابعوه أن ذلك موقف سياسى لكاتب يمتلك وجهة نظر ويتعرض لمضايقات تحول بينه وبين وصول صوته للجماهير، فساندوه وكنتُ معهم، وهتفوا له باعتباره صاحب «موقف»، وفجأة سقط كل ذلك وتحولت العين الحمراء إلى «مؤخرة» عندما عرض بضاعته لأعلى سعر، وراح يجود فى البضاعة ويضيف إليها الحواشى والمتون سعيًا وراء سعر أعلى، وقد جاء السعر وجاء الثمن وباع للجزيرة، وأصبح واحدًا من فريق سابق تلقى «المقابل» ومازال يتلقاه!!.

بعدها بأيام كانت فتاة صغيرة اسمها آية حجازى تنتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى طائرة عسكرية وتجلس مع الرئيس «ترامب»!، وكانت «آية» قبل تلك الواقعة نموذجًا على السوشيال ميديا للفتاة المصرية المؤمنة بحقوق الإنسان والتى احتضنت أطفال الشوارع فكان جزاءها الحبس والاعتقال، وظلت تلك الصورة تترسخ يومًا بعد يوم دونما أن نعرف تفاصيل أكثر عن هؤلاء الأطفال الذين أخذتهم «آية» فى حضنها، ولم نعرف ماذا كانت تلقنهم، ولم نسأل: أين هم هؤلاء الأطفال الذين أنقذتهم ملاك الرحمة آية حجازى؟!، وكان سقوطها فى فخ «المقابل» أو الثمن المدفوع تفسيرًا لكل التساؤلات المؤجلة، فالذين يؤمنون بحقوق الإنسان لا يحصلون على «جوائز» من أوطان تقتل البشر كل يوم وتفتك بالملايين فى كل مكان، كما أنهم لا يقبلون مساومات رخيصة من المفترض أن ضمائرهم لا تقبل بها.

تصرفات جمال الجمل وسفر «آية حجازى» جزء من منظومة تفشت واتسعت بين المتاجرين بالنضال والمواقف السياسية أو الإنسانية، ويذكرنى موقفهما بما حدث مع مناضل سبقهم بسنوات وهو علاء عبدالفتاح الذى لم أكن أجد مبررًا لحبسه خاصة بعد التدافع الإخوانى للمتاجرة باعتقاله، وما أن قرأتُ خبر الإفراج عنه، حتى شاهدته بعدها بساعات يقدم وصلة من البذاءة لا تليق بـ«معتقل سياسى» خرج للتو وتتابعه فضائيات العالم ووكالاتها!، كان الولد يتحدث ويضحك ويشتم ويتلوى بصورة هستيرية لدرجة أننى تصورته سيختم فقرة البذاءة بحركة قبيحة من منخاره! هل هذا هو سليل عائلة النضال ونموذج الحرية المنشود! يا حسرة علينا نحن الذين تصورناه غير ذلك!، عمومًا فإن الدهشة الأكبر وقتها جاءت بعد ساعات أقل من بث الفقرة البذيئة على «يوتيوب»، فقد أعلن البرلمان الأوروبى فى بروكسل صباح السبت 20 سبتمبر 2013 اختيار الأستاذ علاء عبدالفتاح ضمن لائحة المرشحين للفوز بجائزة «سخاروف» لحرية الفكر والتعبير!، أى نعم «الفكر والتعبير»، وتبلغ قيمتها أعزك الله 50 ألف يورو لكل فائز من أربع شخصيات تختارهم الجائزة من بين النشطاء فى مجال حقوق الإنسان لامؤاخذة، وكانت حسناء الثورة أسماء محفوظ قد سبقت «علاء» وحصلت على نفس الجائزة، وأندريه سخاروف فيزيائى روسى أثيرت حوله شبهات كثيرة، لا يهم إن كانت صحيحة أو غير ذلك فليست تلك هى القضية، لكن القضية فى فكرة «البيع» والتجارة بمواقف من المفترض أنها «نبيلة» ومحصنة بقوانين الإنسانية وضميرها الحى، ولم يكن حصول الناشطة «ماهينور المصرى» على جائزة إيطالية بعيدًا عن هذا الإطار الفج والمقزز لمن يلطخون سمعة النضال ويشوهون فكرة «الثورة» كعمل حر لا يقبل القسمة على اثنين.

قد أكون مخطئًا فى كل تقديراتى، لكننى أسألك يا صديقى: هل سمعت من قبل عن جوائز للثوار؟! هل يعقل أن تحصل على مقابل، أى مقابل، لمواقفك وثوابتك التى تؤمن بها؟! أليست المعانى الكبرى مثل الشجاعة والنبل والكرم والشهامة مجردة من الأهواء والمطالب ؟!، لا أعرف.