رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متفرجو البلكونة


«قالوا... يقولون.. يقال... قيل.. أكيد فى نيته حاجة... محدش بيعمل حاجة لله... إبقى قابلنى لو اتعمل حاجة... مافيش فايدة.. أكيد وراها حاجة.. أكيد بترسم على حاجة.. أكيد نيته حاجة.. مافيش حاجة لله.. كله فاشل.. و.. و...»!!

كم مرة سمعت هذه العبارات من أناس حولنا فى العمل، فى العيلة، فى الجامعة، فى القرية، يهاجمون، لا يجيدون المشاركة فى صنع الحدث.. فى تغيير واقع.. فى المضى قدمًا نحو المستقبل.. فى تنفيذ حلم... يقفون بعيداً.. ينتقدون ولا يشاركون.. هؤلاء هم «متفرجو البلكونة»!!.. فهم لا يعجبهم أى شىء.. أى أحد.. أى موقف..أى كلمة.. أى تغيير!!.

«متفرجو البلكونة» جالسون على النت.. المقاهى.. النوادى.. مكاتب العمل.. أمام التليفزيون.. مع العيلة... فى البلكونة دون عمل.. فى كل وزارة.. داخل كل بيت.. داخل كل قرية.. داخل كل محافظة.. دون إيجابية دون عمل إلا النقد والتجريح.. ينتقدون كل شىء وأى شىء حتى من يعملون، يجاهدون ويجتهدون لحل مشكلة.. أزمة.. تقديم مساعدة.. خدمة بدلًا من الجلوس معهم فى البلكونة!!.

«متفرجو البلكونة» لا يعرفون المنطق، العقل، الخبرة أو رقى الكلمات.. فهم ينتقدون بعبارات لاذعة وجارحة بلا مبرر أو سبب أو منطق!!.. فهم من عشاق النقد من أجل الإعلان عن وجودهم «أنا أنقد إذن أنا موجود».. «أنا أستهزئ إذن أنا موجود».. «أنا أسخر من الآخر إذن أنا موجود!!».. «متفرجو البلكونة» لا يجيدون «فن الإنصات».. ولا «فن الحوار».. شديدو الإعجاب بأنفسهم، لا يرون ولا يسمعون إلا أنفسهم ولا يسمعون رأيًا مخالفًا أو وجهة النظر الأخرى!!.

«متفرجو البلكونة» هم من يعتقدون أنهم الأصلح والأذكى وغيرهم دون ذاك دون أن يتقدموا بأى فكرة أو مبادرة لتغيير الواقع الاقتصادى أو الاجتماعى أو الأخلاقى الُمر والقاسى الذى نعيشه!!.. «متفرجو البلكونة» لا يسلم الإنسان من لسانهم اللاذع.. مع أن المسلم الصحيح هو «من سلم المسلمون من لسانه ويده».. «متفرجو البلكونة» لا يتقنون عملهم ولا يطورون خبراتهم ولا يكتشفون قدراتهم الذاتية ولا يعملون على تنميتها لأنهم مشغولون بمراقبة الآخرين ونقدهم والاستهزاء بهم، منشغلون بعيوب وأخطاء غيرهم والتى قد تكون أقل وأصغر بكثير من عيوبهم وأخطائهم هم.. بدلا من العمل على منافسة أنفسهم وإصلاح عيوبهم وأخطائهم والعمل على نجاح خطواتهم فى الحياة.. يتجاهلون أن «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».. لذا تراهم يعرقلون خطوات النجاح لغيرهم.. كما يلصقون التهم لكل من لا يروق لهم!!.

«متفرجو البلكونة» هؤلاء هم منتقدو جحا عندما ركب مع ابنه الحمار قالوا: «ليس فى قلبه رحمة ولا يرفق بالحيوان»!!.. وعندما ترجل من على ظهر الحمار دون ابنه قالوا: «هذا الولد عاق، يركب على الحمار ووالده يمشى على قدميه»!!.. وعندما أنزل ابنه وركب هو الحمار.. قالوا: «هذا الأب قاسى القلب، يركب الحمار تاركًا ابنه الصغير يسير على قدميه وليس فى قلبه رحمة»!!.. وعندما ترجل جحا هو وابنه وأمسك الحمار بيديه.. قالوا: «انظروا إلى جحا يملك حمارًا و لا يركب عليه ولا يستفيد منه، فإما أن يركب هو أو أن يركب ابنه»!!.. وعندما ضاق جحا بكلام الناس.. حمل الحمار على ظهره ومشى بالسوق، فسخر الناس منه.. وقالوا: «جحا اشترى حمارا ليكون له حماراً» !!.

«متفرجو البلكونة» هم دائما المشككون فى النوايا... هم لا يرون الصورة أو المشهد إلا من وجهة نظرهم الضيقة.. لذا يضيع منهم جمال الصورة لأنهم لا يشاركون فى صنعها.. بل ينظرون عليها من البلكونة.. فلا يستمتعون بالمشاركة أو بالتفاصيل أو برؤية الأحلام على أرض الواقع!!.. والآن.. انظر حولك وتأمل كم عدد «متفرجى البلكونة»؟.. والأهم أن تطرح على نفسك هذا السؤال: هل أنا من صنُاع التغيير والواقع.. أم أنا من متفرجى البلكونة؟.. موعدنا الاثنين المقبل إن شاء الله.