رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الغربان».. و«جاسوس» كفر الشيخ!


الغربان، جمع «غراب»، ولو صدّقنا أن «النسر»، الذى أسقطه قطيع منها، جاسوس، يكون علينا أن نصدّق أيضًا أن تلك الغربان تعمل لحساب المخابرات العامة المصرية! و«لسه ياما نشوف وياما.. الغراب يا واقعة سودا جوّزوه أحلى يمامة»!

النسر، سيئ الحظ، هاجمه قطيع غربان، فاحتمى بديوان عام المحافظة، فـ«أمر اللواء السيد نصر، محافظ كفر الشيخ، بإخطار الجهات المعنية، وتشكيل فريق من الطب البيطرى لتوقيع الكشف على النسر، وعرض تقرير بذلك، وسرعة إيداعه مكانه المناسب، وتحرير المحضر اللازم عن الواقعة وعرضه على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات»، عرض المحضر طبعًا، لا عرض النسر!

وبالفعل، تم تشكيل اللجنة برئاسة الدكتور نشأت عبدالبارى، مدير عام مديرية الطب البيطرى بكفر الشيخ، الذى أعلن أن النسر كان فى حالة إعياء نتيجة إصابته فى جناحيه وخلف رأسه، وأن عمره 3 سنوات، من نوع ثمين، ينتمى إلى فصيلة العُقاب التى لا توجد إلا فى الغابات الاستوائية. والأهم، هو تأكيده أن أعضاء لجنة الطب البيطرى اكتشفوا حافظة مراسلات فى قدمه، كما اكتشفوا أيضًا أنه تم تدريبه على التنقل بين أماكن محددة.

ومع أن كلام عبدالبارى جاء رصينًا ومحددًا ومنضبطًا، إلا أن صحفًا ومواقع إلكترونية لم تكن كذلك وهى تخرج من ذلك الكلام بعناوين من عينة «جاسوس بكفر الشيخ.. الطب البيطرى: كشفنا حافظة مراسلات بمخلب نسر المحافظة»!

اتهام «نسر» بالتجسس ليس جديدًا، ومنذ 2011 ووقائع إلقاء القبض على نسور تتكرر فى دول عربية عديدة. وما اختلف فقط، هذه المرة، هو عدم تحديد الجهة التى يعمل النسر «الجاسوس» لحسابها، والتى كانت فى الحالات السابقة هى «الموساد» أو جهاز المخابرات الإسرائيلى!

حدث، مثلًا، فى يناير 2011، أن ذكرت وسائل إعلام سعودية أن السلطات هناك ألقت القبض على نسر كان يحوم فى فضاء المملكة، ونقلت صحف سعودية عمن وصفتهم بأنهم خبراء أن النسر «جزء من مؤامرة صهيونية»، قبل أن تتهكم صحف إسرائيلية وتعلّق صحف أمريكية وبريطانية، بينها جريدة الـ«ديلى تليجراف»، التى نشرت، فى 5 يناير 2012، أن السلطات السعودية ألقت القبض على «نسر» إسرائيلى كان يحمل جهاز «GPS»، وأن النسر سجين منذ أسبوع «على ذمة التحقيق».

وقتها، لم ينف الإسرائيليون علاقتهم بذلك النسر، لكنهم فسروا ذلك بأنه كان يقوم بمهمة علمية تتعلق بدراسة أنماط هجرة الطيور. وأعلن أوهاد حازوف، عالم البيئة فى هيئة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية، أن الطائر كان واحدًا من مائة نسر تم تزويدها بأجهزة «GPS» لأخذ قراءات المسافات والارتفاعات، وليس من أجل التجسس أو التصوير.

ومن سوء حظنا، نحن المصريين، أن تلك الواقعة جاءت بعد حوالى شهر من نشر أخبار فى مصر مفادها أن أسماك القرش فى شرم الشيخ مؤامرة «من الموساد الإسرائيلى»، الأمر الذى جعل جريدة «معاريف» الإسرائيلية تتهكم علينا، بالمرة، وهى تشير إلى أن اتهام السعوديين للنسر بالتجسس «دليل آخر على خصوبة خيال قوات الأمن فى الدول العربية، النابعة من الخوف من الأذرع الطويلة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية»!

والغريب، أنه منذ ذلك الوقت يجرى استخدام تلك الواقعة والاستشهاد بها، لإثبات استخدام النسور فى التجسس، مع أن مسئولين سعوديين نفوا التهمة عن النسر وانتقدوا وسائل الإعلام واتهموها بأنها قفزت إلى استنتاجات غير صحيحة، وأكدوا أن الطائر كان جزءًا من دراسة عن هجرة الطيور. بل وعقد بندر بن سعود، الأمين العام للهيئة الوطنية للحياة الفطرية السعودية، مؤتمرًا صحفًيا أوضح فيه أن الموضوع ليس أكثر من «نسر» اصطاده مواطن سعودى فى منطقة حائل، وأن الدراسة التى أجرتها الهيئة أثبتت أن الجهاز المثبت على قدميه يستخدم لتتبع الطيور المهاجرة عبر الأقمار الصناعية. وأعلن أن النسر تم إطلاق سراحه بعد التأكد من الأجهزة المثبتة عليه وهويتها.

كلام كهذا، كان يكفى وزيادة، لحسم الموضوع، لكن، فى ديسمبر 2012 أعلنت السلطات الأمنية السودانية عن أنها ألقت القبض على نسر كان يحلق فوق منطقة «كرينك»، غرب دارفور، قالت إنه كان يحمل على جناحيه أجهزة تجسس إسرائيلية متقدمة صغيرة الحجم تعمل بالطاقة الشمسية، ومكتوبًا عليه باللغة العبرية «الهيئة الإسرائيلية لحماية الطبيعة» الجامعة العبرية القدس، وأن تلك الأجهزة يتم التحكم بها عن طريق الأقمار الصناعية وتقوم بنقل معلومات وصور فورية إلى إسرائيل. وتكرر الأمر فى 2013، بإعلان قناة «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله، خبر إلقاء القبض على نسر يحمل علامات إسرائيلية وأجهزة بث على ظهره، وزعمت أنه كان يقوم بعمليات تجسس إسرائيلية.

أما آخر الوقائع، فكانت قبل سنة ونصف السنة تقريبًا، تحديدًا فى يناير 2016 توسطت الأمم المتحدة لإعادة نسر إلى الإسرائيليين بعد أن أمسكه لبنانيون، فى مدينة بنت جبيل، وأعلنوا أنهم ألقوا القبض على جاسوس ونشروا صورًا للنسر وهو مقيد بالحبال، وبالفعل، تمكنت السلطات الإسرائيلية من استعادة النسر فى عملية جرت بعيدًا عن الأضواء وبإشراف قوات الأمم المتحدة المنتشرة فى جنوب لبنان.

ونعود إلى نسر كفر الشيخ، الذى تم الإعلان عن إيداعه حديقة الحيوان، بينما لم نعرف شيئًا عن مصير «الغربان» الشجاعة التى قامت بإسقاطه! فهل يرجع ذلك إلى سوء سمعة الغراب واعتباره رمزًا للتشاؤم والنحس؟! صحيح، هل تعرف لماذا استنكر بديع خيرى وعزيز عثمان زواجه «زواج الغراب» من أحلى يمامة؟!