رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نيرمين حمزة تكتب.. كم أنت جميلة كم أنت فاتن

نيرمين حمزة
نيرمين حمزة

كم أنتي جميلة و كم فاتن أنت

أنتي بدينة و أنت لا تشبه نجوم التيليفزيون. شعرك مجعد و جسدك غير متناسق. إتبعي نظاما غذائيا و لتذهب أنت لجراح تجميل. هذا الطفل يعاني من السمنة و تخجل والدته من شكله في ملابس البحر و الآخر عاد الي منزله باكيا من سخرية و سوء معاملة الأقران له فهرعت به الأم الي أخصائي سمنة حتي يتوقف زملاء المدرسة عن إيذاؤه و السخرية من جسده او شكله. دائرة مفرغة محزنة بات الكل يجري و يفقد توازنه و تصالحه مع نفسه بداخلها. Body image problems و الترجمة الحرفية للجملة هي مشاكل شكل الجسد باتت من أقسي المشاكل اللتي تواجه الأفراد و أصبح الشكل الخارجي نوع من الهوس الذي ينتشر رأسيا و افقيا بين كل المستويات و الاعمار. فلم يسلم الاطفال الصغار من حالة الهوس التي باتت معدية كإنتشار الفيروسات المهلكة بين الناس.

فماذا حدث؟! و ما الذي يساعد هذا الهوس علي الانتشار و ما مدي فداحة المشكلة و ما مدي عمقها؟ بدأت المشكلة عندما تحول شكل الإنسان الخارجي الي صناعة مربحة. ففي البداية كان اصلاح الشكل الخارجي لتلبية حاجة بدنية أو عاطفية حقيقية. ففي بداية العهد بالجراحات التجميلية علي سبيل المثال، كان هذا العلم مقتصرا علي تعديل عيب معين او تصحيح مشكلة تؤرق صاحبها. و حين باتت صناعة مربحة أظهر التسويق وجهه القبيح- فهو كأي علم إذا سيء إستخدامه أصبح سلاحا ذو حدين- عبر المسوقون الخط الأخلاقي الفاصل ما بين استخدام جراحات التجميل ككونها ضرورة لتصحيح عيب الي ضرورة لا غني عنها في كل الاحوال. و في هذا السياق انساق الجمهور المستهدف وراء الحملات المكثفة من قبل المستفيدين ناسين او متناسين ان كل انسان خلق جميلا متفردا بشكله كما هو، و وجد نوع من النمطية في الشكل و الملامح و تفاصيل الجسد يطمح الجميع إلي الوصول اليه. و الاخطر من ذلك ان العامة او نسبة كبيرة منهم اقتنعوا تماما ان قبولهم في المجتمع يتوقف علي تاشيرة دخول تعتمد فقط علي الشكل الخارجي بل و ان تلك الموافقة هي جواز مرورهم للحصول علي منحة القبول بين الناس.

و من جراحات التجميل الي مافيا خسارة الوزن، استغل المسوقون للأكل الصحي و ممارسة الرياضة الوضع و اصبح الجانب التجاري من هذه الصناعات حافزا جنونيا يزيد من حملاتهم للتوعية المكثفة ضد السمنة و باتوا يدسون السم في العسل للحصول علي مكاسب طائلة. و من ثم زاد الضغط علي المستهلك عصبيا و نفسيا للانسياق وراء دعوات النحافة و مقاييس الجسد المثالي حتي انك تجد اطفالا صغارا بساقون الي عيادات التجميل و خسارة الوزن بينما تاه الاهل وسط الرسائل المختلطة و المغلوطة مع غياب الارشاد الصحيح من ما أدي إلي تحويلهم الي ادوات لدفع اولادهم لاتباع انظمة غذائية قاسية حتي يحصلوا بدورهم علي قبول ذويهم لهم و الكف عن ايذائهم اذا ما إنحرفوا خطوات قليلة عن الشكل المرسوم للاطفال في الملصقات و المواد الدعائية.

و رسالتي اليوم موجهة لعدة فآت؛ اولا لكل انسان يحيا و يتنفس أود ان ادعوه الي ان يحب نفسه و يتقبلها و يعتز بها و يقتنع وجدانه بأن الحياة التي وهبها له الخالق هي في حد ذاتها هبة و معجزة لابد من تقديرها و الإعتزاز بها. و أن يؤمن بأنه تكوين نادر بكل ما فيه من تفاصيل داخلية و خارجية و أن يؤمن ايضا بان جواز مروره للحصول علي القبول في مجتمعه الصغير و الكبير هي ما إستحقه من العمل علي ذاته الداخلية من علم و خلق و قلب سليم. اما اذا وجد من حوله يشترطون شكلا خارجيا لقبوله زوجا كان او حبيبا او صديقا فعليه اولا مراجعة افراد هذه الدائرة و غربلتهم و طرد الأفراد السامة اللذين يمنحون قبولهم فقط بناء علي الشكل الخارجي من دون النظر و الإعتزاز به كإنسان.

الرسالة الأخري موجهة الي الآباء اللذين بقصد او بدون قصد عن جهل او عن حيرة او عن علم مغلوط يضعون أولادهم تحت ضغط نفسي مدمر ان يحبوا اولادهم و يتقبلونهم كما هم. أن يأخذوا بأيديهم للتعرف علي و تنمية قدراتهم. عليهم أن يعلموهم أن من يقوم بإيذائهم و السخرية منهم هم من يحتاجون إلي وقفة و نأنيبا و تهذيبا . فإذا لم يتقبل الأهل اولادهم فكيف عسي للأطفال ان يتقبلوا انفسهم و يحبونها و لا يقعوا فريسة محاولات الحصول علي القبول الشكلي من مجتمعاتهم الصغيرة. علي صعيد آخر علموا اولادكم مبادئ الإنسانية و اغرسوا فيهم تقبل الآخر و عدم العنصرية.

الرسالة الاخري الي كل من يعمل في مجال من المجالات المذكورة من تسويق و تجميل و طب، أطلب بل أتوسل إليهم ان يعملوا ضمائرهم اولا و ان يلتزموا بميثاق شرف المهنة و أقول لهم رأفة بالإنسانية و رأفة بالأطفال و رأفة بالمجتمعات.