رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: القتلة القدامى يحاولون إنقاذ القتلة الجدد


دون أن تدرى، كشفت الجماعة الإسلامية عبر جناحها السياسى، حزب البناء والتنمية، عن أنها تعيش خارج الزمن، وتعمل خارج إطار الأحداث التى يشهدها الوطن، وتتجاهل تمامًا ما يدور على أرض المعركة التى نخوضها جميعًا ضد قتلة وإرهابيين.

الجماعة أعلنت عما سمته «مبادرة»، على غرار مبادرتها لوقف العنف التى أعلنتها فى منتصف التسعينيات، ووضعت لها أربع مراحل تنتهى بما اسمته المصالحة الوطنية.

ووجهت مبادرتها إلى الجماعات المسلحة – هكذا سمتها – دون أن تصفها بأنها إرهابية، لأنها فى الغالب لا تراها كذلك، وإلى الدولة المصرية، وقالت نصًا: فى ظل تفاقم الأزمة، ينبغى أن يكون الهدف الأول هو منع مزيد من التدهور، وهو ما يتطلب إجراءات متوازية من الأطراف الرئيسية.

لقد أشارت الجماعة الإسلامية إلى أن إجراءات المبادرة التى تتبناها تتضمن إعلان المجموعات المسلحة بسيناء عن وقف العمليات اعتبارًا من 25 أبريل 2017، أى فى ذكرى عيد تحرير سيناء، وقيام الحكومة المصرية بوقف المداهمات والملاحقات اعتبارًا من ذلك التاريخ، كما تتم إعادة المهجرين من أهل سيناء - مسلمين ومسيحيين- إلى ديارهم، والدعوة لمؤتمر وطنى جامع يضم القبائل السيناوية، وجميع الأطراف المؤثرة للدخول فى حوار مفتوح، والإعلان عن إسقاط التهم عن كل من يلتزم بمخرجات هذا الحوار.

هل رأيتم بجاحة أكثر من هذه؟

هل رأيتم جهلًا أكثر من هذا؟

تُساوى الجماعة الإسلامية بين الدولة المصرية ومجموعات من الإرهابيين القتلة، لا ترى فيما تفعله إرهابًا تكتفى بأن تقول إنها مسلحة، تجعل منها أطرافًا رئيسية فى الأزمة التى تفاقمت، دون أن تدرك- الجماعة- أن المعركة بين دولة وجيشها وشعبها ومجموعة من الإرهابيين الخارجين على القانون.

سأترك الهزل الذى تقيأته الجماعة الإسلامية فى وجوهنا، وأتوقف قليلًا بملاحظات أعتقد أنها مهمة، لأنها على الأقل يمكن أن تكشف لنا موقعية الجماعة الإسلامية، وحزبها الذى لايزال الإرهابى الهارب إلى قطر طارق الزمر يرأسه حتى الآن، ولمن لا يتابعه، فهو أحد المحرضين الأساسيين على الجيش المصرى، لصالح الجماعة الإرهابية التى تحالف معها، وألقى بنفسه فى أحضانها فور خروجه من السجن.

الملاحظة الأولى: إذا كانت قيادات الجماعة الإسلامية تستطيع أن تتواصل مع قيادات الدولة المصرية لتعرض عليهم هذه المبادرة وتشرح لهم أهميتها، وتسعى إلى إقناعهم بقبولها، فهل هناك طريقة تتمكن من خلالها من التواصل مع قيادات الجماعات الإرهابية، وإقناعها بالمبادرة؟ وإذا كانت هذه الطريقة موجودة، فلابد أن نعرف كيف تكونت؟، وما العلاقة التى تربط بين قيادات الجماعة الإسلامية وقيادات الإرهاب فى سيناء؟

قد تعتبر أن هذا السؤال ساذج بشكل كامل، فطبيعى أن تكون هناك علاقة بين قيادات الجماعة الإسلامية وقيادات الجماعات الإرهابية، ليس فى سيناء فقط ولكن فى الدول المجاورة، فقد خرجوا جميعًا من جحر واحد، وليس معنى أن الذين خرجوا من السجن وأسسوا حزبًا سياسيًا وانخرطوا فى العمل العام وأعلنوا عن توبتهم، أصبحوا مواطنين صالحين، فهم لايزالون على خط الإرهابيين الكبار، يكنون لهم ودًا، ويخافون عليهم، ويحرصون على مصالحهم، بل لا يرون فيهم إرهابيين من الأساس.

الملاحظة الثانية: إذا سلمنا بقدرة الجماعة الإسلامية على إقناع الإرهابيين بوقف العمليات كما تدعى، فهل هناك ضمانة لهذا التعهد؟، هل لديها ما تجبر به قيادات الإرهابيين على أن يلتزموا بالتوقف عن العمليات الإرهابية؟، أم أنها ما أقدمت على تقديم هذه المبادرة إلا لإنقاذ هذه القيادات والحصول لها على مكاسب بعد أن أدرك الجميع أنهم سائرون إلى خسارة المعركة بالكامل؟

أغلب الظن أن الجماعة الإسلامية ما تحركت إلا للحفاظ على ما تبقى من قيادات الجماعات الإرهابية فى سيناء، وهو ما يجعلنا لا نرفض هذه المبادرة فقط، بل نطالب بمحاكمة من أطلقوها، والتهمة الواضحة أمامى بشكل كامل هى تعاونهم مع الإرهاب، ومساعدته فى أن يلتقط أنفاسه مرة أخرى، بعد أن تم حصاره بشكل كامل.

التعاون مع الإرهاب ليس التهمة الوحيدة لقيادات الجماعة الإسلامية، الذين اقترحوا هذه المبادرة التى تدخل فى حزام «الحرام السياسى والوطنى»، فهم متهمون أيضًا بالإساءة الكاملة للوطن، ولجيشه ولشعبه، إذ كيف يضعون الوطن كله وهذه الجماعات الإرهابية القاتلة فى كفة واحدة؟ كيف لأحد لديه ضمير أو عقل أو منطق أن يساوى بينهما؟.

لم يتغير شىء لدى هذه الجماعات، لا تعرف أى معنى للوطن، ولا يوجد حرص لديها عليه، إنها فقط تعتنق أفكارًا بالية، تريد أن تحكم العالم من خلالها، وهذا ما لن نسمح به، ولن نرضاه أبدًا، ويا قيادات الجماعة الإسلامية، كفوا عن هذا العبث، فقد تجاوزكم الزمن.. وأصبحتم مجرد عالة علينا، فالتزموا الصمت يرحمكم الله.