رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه حب الحياة


عندما تسمع حديث رسول الله «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟» تقف عند قوله: «إن الدنيا حلوة خضرة».. وتتساءل: هل الدنيا مقدرة أم محتقرة فى الإسلام؟ هل علينا أن نكره الدنيا أم نحبها؟ هل حب الحياة جزء من ديننا أم أن حب الموت هو المطلوب؟



كثير من المتشددين يكرهون الحياة وبالتالى يختارون الموت لأنهم تربوا على كراهية الحياة وكراهية الدنيا.

كل هذا خطأ.. والصحيح أن الدين يحب الحياة، وأن الدنيا مقدرة فى الإسلام.

■ القرآن أنصف الدنيا

القرآن فرق بين الدنيا وبين الحياة الدنيا: جاءت الدنيا فى القرآن «115» مرة. ليس فيها مرة واحدة ذم لها؛ بل على العكس هناك التأكيد على تقديرها وهذه نماذج من الآيات: «فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، «رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً»، «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ».

هذه الآيات ليس فيها ذم، بل على العكس كلها تقدير للدنيا.. الذم كان فقط للحياة الدنيا.. هناك فرق فى القرآن بين الدنيا وبين الحياة الدنيا.

■ فما الحياة الدنيا إذن؟

«الحياة الدنيا» شىء آخر.. إنها طريقة حياة خاطئة.. طريقة حياة لا تركز إلا على ما هو شىء من القيم ومن الأخلاق ومن الشهوات.. الذم ليس للدنيا المقدرة ولكن لنمط حياة مرفوضة .

«اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ»،

«وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ».. إذًا المشكلة ليست فى الدنيا.. بل فى استخدامك لها.

الدنيا مكرمة فى ديننا.. نريد فقه حب الحياة.

يقول النبى صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَلا آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُمَا جَمِيعًا».

وهذا المفهوم «حلوة خضرة» يجعلنا ننظر للأرض بتفاؤل على أنها نعمة تستحق العمل والتعمير تقديرًا لها.. «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ».

يمكن لك أن تجعل خضرة هذه الدنيا وسيلة لإنهاء الجوع فى العالم، تزرعها قمحًا وشعيرًا ونباتات ومزروعات يُستخرج منها الغذاء والدواء، وتكون المرعى لما يحقق الفوائد للإنسان.. نريد فقه حب الحياة.