رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رصاص في أجمل شوارع العالم


لاشك أن الاعتداء الإرهابى الذى حدث فى أجمل وأشهر شوارع العالم «الشانزليزيه» قد أحدث دويًا وانزعاجًا فى كل أنحاء الدنيا.. ولاشك أيضًا أن هناك مغزى من هذا الاعتداء الإرهابى على هذا المكان الأكثر جذبًا للسياحة والتسوق والجمال والتجارة والفنون والآثار فى العالم.. و«الشانزليزيه» على مقربة من قصر الإليزيه «مقر الرئاسة الفرنسية» ــ كما يعلم الجميع ــ واليوم هو الموعد المقرر للدورة الأولى فى انتخابات الرئاسة الفرنسية، فالرئيس المقبل لفرنسا سيكون هو الحادى عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة، إذن الحادث الإرهابى الأليم الذى شهدته فرنسا فى هذا التوقيت معناه ضرب رمز من رموز الحرية والتسامح والثقافة والديمقراطية على مستوى العالم.



إن العاصمة الفرنسية باريس.. معروفة بأنها مدينة النور، و«الشانزليزيه» تحديدًا يقع فى قلبها، كما أنه من أهم المزارات السياحية التى تعتمد عليها فى دخلها القومى، والإضاءة فيه على مدار الساعة بشكل مبهر، إذن الحادث الإرهابى الآثم الذى وقع فيه وأسفر عن مصرع رجل شرطة فرنسى وجرح اثنين برصاص الإرهاب الذى استهدف دورية شرطة كانت تقف بذات المكان، له معان ورسائل محددة، فهذا المكان من وجهة نظرى يجسد الهوية الفرنسية العريقة بحق.. بل ويعكس قيمًا فرنسية عريقة منحت هذه الدولة مميزات خاصة عن غيرها من الدول.

ولى ذكريات كثيرة فى مدينة باريس بشكل عام، وفى «الشانزليزيه» بشكل خاص مثل ملايين السائحين الذين يرتادونه.. فقد التحقت بمدرسة فرنسية بالقاهرة ودرست الأدب الفرنسى الذى اعتبره من أرقى الآداب والفنون فى العالم.. كما أمضيت بعضًا من أجمل ذكرياتى، كما أشرت، فى باريس التى زرتها كثيرًا.. وحضرت فيها فعاليات ثقافية وفنية دولية مهمة.. كما أن بها مهرجانات دولية متنوعة طوال العام، وقد كتبت خلال زياراتى لها العديد من أفضل القصص والمقالات التى تعكس الاهتمام الكبير بالثقافة والفنون والحريات.. كما حرصت على زيارة أهم متاحفها التاريخية ومعالمها التى يزورها أكثر من ٧٠ مليون سائح سنويًا من جميع أنحاء العالم. فلقد ارتدت عدة مرات مثلًا متحف اللوفر، وهو على مقربة من «الشانزليزيه»، وهو من أهم المتاحف الفنية فى العالم حيث يضم جناحًا مبهرًا رائعًا كبيرًا وشاسعًا للحضارة المصرية الفرعونية القديمة، وهى الحضارة التى تحظى بولع الشعب الفرنسى بشكل خاص، وقد صدرت كتب كثيرة تعكس هذا الولع الفرنسى الفريد بحضارتنا، ولا تفوتنى الإشارة إلى المسلة المصرية الفرعونية فى بداية «الشانزليزيه»، والتى أهدتها الحكومة المصرية فى عهد محمد على إلى فرنسا عام ١٨٣٣.

وفى نهاية «الشانزليزيه» أيضًا يوجد «قوس النصر»، الضخم، الذى بدأ العمل فيه بداية القرن الـ١٩بتعليمات من القائد الفرنسى نابليون بونابرت ليكون رمزًا لتخليد انتصارات جيشه، فى عام ١٨٣٦، ويعود تاريخ إنشاء هذا الشارع إلى عام ١٦١٦ بقرار من الملكة مارى دى ميديسى، عندما أمرت بتوسعته وإضافة الأشجار على جانبيه وتزيينه، وفى أواخر القرن الـ١٨ أصبح مكانًا مليئًا بالحيوية والحياة بعد أن تمت إضاءته وافتتاح المقاهى على جانبيه، وفى القرن الـ20 أصبح من أهم شوارع الموضة والأناقة والأزياء.

و«الشانزليزيه» ملتقى فريد وشهير لمحبى الفنون.. ففيه العديد من المسارح، أهمها: مسرح قصر الشانزليزيه.. وكذلك دور سينما وملاهى شهيرة ومطاعم.. كما يمتلئ بالفنادق الفاخرة نظرًا لكثافة السائحين والزائرين فيه ليلًا ونهارًا، وهذا ما جعله هدفًا للاعتداء الإرهابى ضمن سلسلة اعتداءات إرهابية شهدتها فرنسا، كما ذكرت ذلك أشهر الصحف الفرنسية «لوفيجارو» فى افتتاحيتها.. محذرة من مثل هذه الأعمال قبل وقوعها بأيام قليلة، وأضافت الصحيفة أن «فرنسا مستهدفة من قبل المتشددين الإسلاميين»، لافتة إلى أن «المتشددين الإسلاميين هم أعداء الديمقراطية والحضارة الغربية»، وخيرًا فعل الرئيس «هولاند» عندما أعلن عن عزم بلاده القضاء على الإرهاب، من خلال حزمة إجراءات أمنية أثناء فترة الانتخابات الرئاسية التى تشهدها بلاده فى الأيام القليلة المقبلة، وقد سبق هذا الإعلان حالة تأهب أمنى وبحث مكثف ومداهمات ومضاعفة إجراءات حماية المواطنين والسائحين فى الضواحى الباريسية، لكشف أبعاد هذا الاعتداء الآثم.

إن تلك الأحداث الآثمة ستصب فى النهاية لصالح أعداء الإسلام الذين يحاولون الخلط بين الأفعال الشاذة للمتأسلمين وبين الدين الإسلامى السمح، ومن المؤكد أيضًا أن هذا الاعتداء سيؤدى إلى مكاسب انتخابية لمرشحى اليمين، لمن سيُعلن فى برنامجه الانتخابى الرئاسى عن حرصه واهتمامه بحماية الناخب الفرنسى خلال الأيام المقبلة، فالمطلب الأمنى للناخب الفرنسى سيكون على رأس اهتمامات ساسة اليمين الأكثر قوة وكفاءة أمام مواطنيهم فى مواجهة الأخطار التى تواجه فرنسا، وفى مقدمتها الأخطار الأمنية.

جدير بالذكر، أن المنصب الرئاسى الفرنسى يتسابق عليه ١١مرشحًا فى مقدمتهم ــ حسب استطلاعات الرأى ــ إيمانويل ماكرون، ٣٩ عامًا، وزير الاقتصاد السابق، وهو ليبرالى اجتماعى يحظى بقبول فى استطلاعات الرأى الرئاسية.. كما أنه مرشح مستقل، وقد أعلن فور وقوع الاعتداء الإرهابى عن أن «مهمة الرئيس الأولى هى حماية مواطنيه»، وهذا التصريح يعكس رغبته الشديدة فى مكافحة هذا النوع من الإرهاب فى حالة فوزه بانتخابات الرئاسة.. ثم تأتى بعده مارين لوبان، رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية، وهى معروفة بتشددها ضد غير الفرنسيين.. وفى المرتبة الثالثة يأتى جان لوك ميلينشون، مؤسس حزب اليسار اليمينى، ثم فرانسوا فيون.. وملخص القول إن الفائز من الـ11 متسابقًا على كرسى الرئاسة الفرنسية.. ستكون مهمته الأولى هى محاربة الإرهاب وتشديد الإجراءات الأمنية لتوفير الحماية القصوى لشعبه.