رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتاوى الشيخ حماصة

مصطفى حمدى
مصطفى حمدى

منذ سنوات ليست معدودة كان لنا صديق يدعى «حماصة»، ومن فرط استخدام هذه الكنية ظن كثيرون أنها اسمه، بينما قليلون جدا ينادونه باسمه الحقيقى «محمد».. مَن الله على حماصة ببسطة فى العلم والهداية بعد أن اختفى عن أعيننا عاما أو أكثر لينهل من العلوم الدينية، وما لبث أن عاد إلينا مرتديا ثوبا أبيض ومطلقا لحيته وكانت علامات التقوى تظهر فى وجهه على خلاف كثيرين ممن تعلقوا بعد الثورة بأطراف جلابيب الإخوان والسلفيين.

كان حماصة تاجرا شاطرا، ابن بلد خفيف الظل فى ثوب داعية شاب، خشوعه لا يمنعه من أن يفهمها «وهى طايرة»، كنت أزوره من حين لآخر فى محل الملابس الذى يملكه حتى جاء هذا اليوم.

التقطت عينا حماصة كتابا فى يدى وأنا مقبل عليه، كان نهما للقراءة فى مختلف المجالات، قال بلهفة: كتاب إيه ده يا حاج مصطفى؟

أجبته بتردد: دى رواية عمارة يعقوبيان.

صمت قليل قطع الحوار لثوان وكأنه يخشى أن يطلب استعارتها منى فتتحطم صورته فى عينى ولكننى لمحت الرغبة الملحة فى تصفحها تقفز من عينيه فمددت يدى بها له قائلا: لو عايز تقراها يا مولانا خد.. أهو برضه من باب المعرفة.

التقطها من يدى قائلا: أهو نبص فيها وقت الفراغ ميضرش.

بعد يومين عدت للشيخ حماصة لأسألة عن الرواية ولكننى وجدت شرارات الغضب تتقافز من عينيه ومحاولا كظم غيظه قال: إنت دفعت فى الرواية دى كام؟ فقلت له: 15 جنيه يا عمنا.. ليه.. عايز تاخدها؟ فقفز من فوق كرسيه صائحا: أخد إيه يا عم، أستغفر الله العظيم، ربنا يسامحك يا مصطفى خليت إيدى تمسك النجاسة دى، أعوذ بالله.. أعوذ بالله.

حاولت تهدئته متسائلا: نجاسة إيه يا مولانا؟ الله يكرمك اهدى بس.. فى إيه مش عاجبك؟

صاح صاحبى: يا راجل ده والعياذ بالله كاتب مشاهد فيها لواط بين اتنين رجالة ده غير مشاهد البلاوى اللى بين الحريم والرجالة.. أستغفر الله ده خلى دماغ الواحد تتخيل وتشت.

لم يدع لى فرصة للرد حينما قاطعنى فاتحا درج المكتب ليلقى بالرواية أمامى وهو يقول: امسك يا عم مصطفى الله يهديك.. إنت عايز تشيل وزر الحاجات دى براحتك حسابك عند الله، إنما ده محل أكل عيش، والحاجات دى بتقل بركة الرزق وبتطرد الملايكة.. كانت ضحكاتى المرتفعة تستفزه بينما يبحث هو عن مجلد القرآن الكريم بين ملفات الكمبيوتر ليشغل سورة تغسل ألسنتنا وقلوبنا من الحديث عن نجاسات الأدباء.

مرت الواقعة ولم تتأثر صداقتنا فإحقاقا للحق كان الرجل يحترم وجهات النظر ولا يكره أحدا فى الدين ولا يحاصرنا فى لحظات الاختلاف بعبارات التكفير والتحريم، ولكن حدث بعد ستة أشهر أن أصيبت تجارته بحالة من الكساد المر، ومع ارتفاع إيجار المحل ومشاكل الاستيراد قرر الشيخ حماصة إغلاق المحل والخروج بأقل خسائر ممكنة، ولكنه لم ينس أن يعلنها لى صراحة ولأول مرة: منك لله يا عم، كنا ماشيين زى الفل بس النجاسة اللى رمتهالنا فى المحل جابتنا ورا.. ومرت على القصة ثمانى سنوات وأكثر وما زال الشيخ حماصة مقتنعا بأن عمارة عقوبيان السبب، وما زلنا نتذكر الواقعة ونتجادل معا وننهى الجدل بالضحك.. خيبك الله يا شيخ حماصة.