رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا لو فكرنا قليلًا؟


ستون يومًا ويأتى شهر رمضان الكريم.. ورمضان بالنسبة للمصريين ليس شهر عبادة فقط.. ولكنه يهرب فيه الكثيرون من العمل وتتفرغ فيه سيدات مصر لإعداد الموائد وتقديم أفضل وأغلى الوجبات.. وهو شهر تستعد له الأسرة المصرية فى كل الطبقات بمحاولة تدبير مصروفاته قبل الشهر بفترة طويلة.. هذا ما يحدث مع الأسرة ولكن ما يحدث مع الحكومة شىء آخر.. فعادة ما يستيقظ المسئولون على قدوم شهر رمضان وفى ظل ظروف صعبة تمر بها الأسر المصرية حاليا: فهل فكرت الحكومة جديًا كيف تواجه الأسرة المصرية شهر رمضان وتعبره إلى عيد الفطر.. باحتياجاته أيضا.. مع عودة الدولار إلى السيطرة على السوق وهى عودة طبيعية بعد انتهاء المسكنات، التى قدمتها الحكومة والبنك المركزى ومع الحاجة لاستيراد مواد تموينية وأخرى ترفيهية لفترة رمضان والأعياد.



هل أعدت الحكومة خطة لمواجهة كل ذلك.. أعتقد أن هناك كمًا من التصريحات سيكون فى انتظارنا طوال الأسابيع القادمة ثم تحدث المفاجأة السنوية ليستيقظ المواطن على ارتفاع جديد فى الأسعار.. خاصة السلع الأساسية.. لماذا لا يتم من الآن الإعلان بوضوح عن وضع السلع فى رمضان؟.. وما هو الموجود فى مخازن الشركات والمؤسسات؟.. وما الاحتياجات؟.. لدينا وزير تموين مخضرم وله تجربة حكومية وأخرى سياسية وإن كان بدأ عهده بصدام.. ولكن المطلوب منه الآن، وهو المسئول الأول أو الذى سيتحمل المسئولية الأولى أمام الشعب، مطلوب منه خطط واضحة ومعلنة حتى لو كانت صعبة.. حتى لو كانت الإجراءات قاسية فوضع القضية أمام الشعب من الآن أفضل كثيرا من مفاجأته كعادة الحكومة.

سيقبل الصيام لو حققنا العبادة ولن يفسد أبدًا لو تركنا الياميش.. فسوريا التى كنا نستورد منها ياميش رمضان تبحث عن رغيف خبز أو مسكن آمن.. أطفالها لن يسهروا أمام المسلسللات الرمضانية المتعددة ولن تقدم الدراما السورية أكثر من المسلسلات اليومية فى إدلب والرقة والباب وريف حلب.. هناك شعب أو شعوب عربية وإسلامية تبحث عن كوب ماء نظيف ورغيف خبز وتحلم بوجبة ساخنة، فلا يوجد سبب ونحن نعانى من أزمة الدولار لاستيراد أطنان من الياميش الرمضانى بأنواعه المختلفة.. لن يستجيب البعض لهذه الدعوة، ولكن بإمكان الدولة فرض ذلك أولًا لتوفير الدولار لسلع أهم.. وثانيا لعبور أزمة لابد من عبورها لاستكمال طريق بدأناه ولا آخر أمامنا غيره.

المكاشفة بين الحكومة والشعب هى أساس استمرار هذه الحكومة فى عملها.. ولا يجب أن تحول قراراتها إلى خصم من رصيد الرئيس الذى أتى به الشعب ليقود البلاد فى ظروف صعبة بعد محاولات هدم الدولة وإسقاطها.. والتى مازالت مستمرة حتى الآن.. الرصيد الشعبى للرئيس يتعرض بالفعل للخصم نتيجة تصرفات حكومية تعتمد على الجباية وفرض الرسوم أو الاتجاه إلى الاقتراض.. لدينا حوالى 4000 مصنع مغلق أو فى طريقه للإغلاق، ونتحدث عن إنشاء مصانع جديدة.. ماذا لو وجهنا جزءًا كبيرًا من الموازنة لإصلاح هذه المصانع المتعثرة أو المتوقفة والتى تحتاج غالبا إلى ملايين قليلة لاستئناف عملها.. هناك الملايين من القروض توجه إلى بناء الكمباوندات الفاخرة أو مشروعات ترفيهية أخرى لا نطالب بوقفها.. ولكن نطالب بإعطاء الأولوية للمشروعات.. ففى مدينة المحلة الكبرى مثلا لدينا حوالى 400 مصنع صغير أو متوسط متوقفة أو فى طريقه لذلك.

مدينة المحلة التى أطلق منها طلعت حرب نهضة مصر فى السابق تتعرض الصناعة الأساسية فيها إلى الانهيار ونحن نوجه الملايين لاستيراد الملابس وحتى الغزول من الصين ودول أخرى.. الدولة الأولى- كانت- فى إنتاج القطن طويل التيلة بسمعته العالمية تلبس إنتاجًا صينيًا صناعيا.. مصانع كثيرة صغيرة لو فكرنا قليلا واتجهنا إلى دعمها سنبدأ بالفعل نهضة كبيرة.. مشروعات أخرى عندما أعطيناها قبلة الحياة مثل: قها- تحولت إلى عضو نشط: ماذا لو نظرنا إلى مصانع طنطا للكتان والزيوت والمحلة وكفر الدوار وكفر الزيات، وللأسف لحق بها مصانع فى العاشر واكتوبر تعانى من صعوبات قد تحيل بينها وبين الاستمرار.

لدينا مشروعات شبابية بالآلاف تعقد من أجلها المؤتمرات فى الفنادق الفخمة والتى لو توجهت تكاليفها لإنجاز هذه المشروعات لكان أفضل كثيرًا.. لن تتعب كثيرًا فى أى صحيفة عن البحث عن مؤتمرات لتنمية الصناعة وحوارات رائعة وتغطية إعلامية مكثفة وصفحات إعلانية فى كل الصحف: ماذا لو توقفنا قليلا عن الكلام واتجهنا للعمل؟.. المطلوب اليوم فقط هو العمل ولمدة عام أو عامين على الأكثر ستتغير أمور كثيرة.. ستدور ماكينات المصانع وستعود المزارع للإنتاج وربما نعود مرة أخرى للتصدير ويعود المنتج المصرى ليجد مكانه فى المعارض والأسواق الخارجية.

يجب ألا ننسى مرة ثانية ما نحن مقبلون عليه، وعلينا أن نتذكر أن المواطن المصرى بعد هزيمة يونيو خرج لينادى ببقاء عبدالناصر لأنه كان على الأقل يجد طعامه وشرابه وعلاجه موجودًا وميسرًا، وبعد انتصار أكتوبر خرج لينادى بسقوط السادات لأن الأسعار ارتفعت ووصلت إلى كيلو اللحمة بجنيه فماذا لو عرفوا أنه سيأتى اليوم الذى يصبح ثمنه مائة جنيه.. لقد مر وضع الأسعار فى بعض الخدمات والسلع بسلام ولكن علينا ألا نعتبر أن ذلك شىء طبيعى.. على الحكومة أن تنتبه، وعلى البرلمان أن يضع مشاجراته وتوجهات أعضائه جانبا ليتفرغ ولو قليلا لما انتخبناه من أجله.