رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أول مقال للبابا تواضروس عن أزمة خروج «أقباط العريش»

البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني

سيناء أرض الفيروز جزء غالٍ من الوطن مصر، ولها خصائص طبيعية وجغرافية، بالإضافة إلى التاريخ الحافل على أرضها.

ونحن خلال هذا العام نتذكر مرور خمسين عامًا على حرب يونيو ١٩٦٧ «حرب النكسة»، التى فيه احتُلت سيناء وكل مدنها ومناطقها، إلى أن استطاع الجندى المصرى الباسل أن يحررها فى حرب ١٩٧٣، واستُكمل تحريرها بالجهود الدبلوماسية التى انتهت بعودتها كاملة إلى أحضان الوطن بعد ذلك بعدة سنوات.



وعاشت سيناء بعد عودتها فى شبه عزلة عن الوطن، ولم تكن جهود التنمية بالقدر الكافى بتاريخها وأهميتها، وبدأ يتوافد عليها بعض المصريين، بالإضافة إلى القبائل المصرية الموجودة على أرضها، ونشأت محافظتان شمالاً وجنوبًا، وعندما احتاج الأقباط فيها إلى الرعاية الكنسية، أقام المتنيح البابا شنودة الثالث أسقفًا جليلًا هو المتنيح الأنبا مكارى، لرعاية أقباط سيناء وذلك عام ١٩٩٦م، وقد بذل مجهودًا كبيرًا وخدم خدمة طيبة، ولكن عام ٢٠٠٠م لقى حتفه فى حادث سيارة، وتمت الصلاة عليه فى مدينة العريش، وقام بها المتنيح البابا شنودة الثالث، وكنت أحد الأساقفة الذين شاركوا فى الجنازة.

ولكن نظرًا لاتساع سيناء، وتزايد عدد الأقباط الذين يساهمون مع إخوتهم المصريين فى جهود التعمير والتنمية، صار فيها إيبارشيتان: نيافة الأنبا أبوللو لجنوب سيناء، ونيافة الأنبا قزمان لشمال سيناء.

واستقر الحال هناك مع التنمية والسياحة والتعمير، إلى أن دخلت مصر ثورتى ٢٠١١م ثم ٢٠١٣م، حيث تعرض الوطن لعدم استقرار على جميع الأصعدة، وأهملت سيناء وتعرضت لأهل الشر والعنف، وصارت محلًا لعشرات أو مئات من الجماعات الإرهابية، وتمادى العنف الشديد الذى طال جنودنا البواسل فى القوات المسلحة المصرية وفى الشرطة الوطنية وبعض رموز المجتمع.

كما سقط اثنان من الآباء الكهنة ضحايا لهذا العنف غير المبرر، مع عدد ليس بقليل من المصريين مسلمين ومسيحيين بسبب الهجمات الإرهابية الخسيسة، وأصيب العشرات من جراء هذا الشر.

ورغم كل هذا كان صمود الأبطال فى الجيش والشرطة وأبناء القبائل والمواطنين نموذجًا رفيعًا فى كيفية الحفاظ على الوطن وتأمين المصريين، ومازالت هذه الحرب مستمرة.

أما العريش - عاصمة سيناء الشمالية - فهى أقدم المدن، وعندما جاءت العائلة المقدسة إلى مصر فى أوائل القرن الأول الميلادى مرت عليها، حيث سارت من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرائيق «الفلوسيات» غرب العريش بـ٢٧ كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما «بلوزيوم» الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد.

ومؤخرًا بدأ ضغط جماعات العنف كإحدى صور الإجرام ضد وجود الأقباط، ليس لكونهم مصريين فقط، ولكن لكونهم مسيحيين أيضًا. وصار الوضع متأزمًا بشكل خطير، جعلهم تحت الخطر والاعتداء على حياة البعض، مما جعلهم يتركون أماكنهم ومنازلهم وأعمالهم هربًا من العنف الذى لم تعتده بلادنا، وغادر المدينة وضواحيها العشرات من الأسر ومعظمهم من الأقباط، ووصلوا إلى المحافظات المجاورة فى الإسماعيلية وبورسعيد، وبعض محافظات مصر الأخرى، ومكتوب فى الإنجيل «طوبى للمطرودين من أجل البر (الإيمان) لأن لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى، كاذبين افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم فى السماوات» (متى ٥: ١٠-١٢).

لقد قامت الدولة بتوجيهات السيد الرئيس والحكومة والوزراء المعنيين، بمتابعة الأزمة وتوفير ما يلزم لتخفيف آثارها وآلامها من إعداد مساكن وأماكن إقامة، ومدارس وكليات، وأعمال، وغيرها.

وكذلك شاركت الكنيسة وجهات عديدة فى احتواء هذه الأزمة الطارئة، التى نرجو أن تنتهى سريعا بفضل ما نقرأه فى الأخبار الواردة عن اقتحام أوكار الإرهابيين فى الجبال والمغائر والمناطق الوعرة، لتجنيب الوطن شرورهم وما يسببونه من رعب وهلع لدى الآمنين فى أى مكان.

وجدير بالذكر أنه فى عام ١٩٦٧ وعندما وقعت الحرب، تم تهجير الآلاف من الأسر من سيناء ومحافظات القناة إلى داخل مصر، تقريبًا فى كل المحافظات... وبعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، بدأت عودتهم إلى مدنهم وقراهم رويدًا رويدًا، وتعمرت بهم كل هذه المناطق.

أما ما نحن بصدده حاليًا فهو «أزمة خطيرة»، تقف الدولة ممثلة بكل أجهزتها فى التصدى لها والتخفيف من آثارها، إلى أن يتم تطهير البلاد من هذا الإرهاب الذى طال الجميع، وهو ضد المصريين بقصد كسر وحدتهم ومحبتهم وعملهم من أجل المستقبل.

وإذ نعزى فى أبناء الوطن، فإننا نصلى من أجل المضارين الذين تعرضوا لهذه المتاعب والضيقات، ونثق فى المسيح الذى يحرس بلادنا، وقد جاءها لاجئًا فى بداية القرن الأول الميلادى ووجد فيها ملاذًا آمنًا.. ونثق فى قدرة المصريين على تحدى الصعاب وتحقيق الأهداف التى نصبوا إليها، ونسعى جميعًا إلى بناء مصرنا العزيزة، وسعادة وأمان كل المصريين والشعوب المحبة للسلام.

«فى العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم» (يوحنا ١٦: ٣٣).
نقلا عن مجلة الكرازة