رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى أوراق التمويل الأجنبى«1»


القضية التى أثارتها وسائل الإعلام عام 2013 عن سفر الأمريكان المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى بدت لى فى ذلك الوقت وكأنها قضية العصر، ولم يسبقها فى الاهتمام سوى قضية محاكمة مبارك. والحق أن كمية التعبيرات المستخدمة وقتها ودلالاتها العميقة، لم تستخدم أثناء محاكمة مبارك، فقد سمعنا كلمات من عينات، ركوع، انبطاح، استسلام، اختراق، امتهان، تطهير، إقالة الحكومة، تشكيل حكومة جديدة، فتح تحقيق، ولن نركع ثانيا، وكلها كلمات وتعبيرات لها دلالات لا تشرف أحدا، وكلها موجهة إلى كرامتنا وعزتنا، وكأننا هانت علينا كرامتنا فقررنا امتهانها.

وقتها اعتبر البعض أن تلك القضية بمثابة قضية قومية، واعتبرها البعض الآخر قضية كرامة ومبدأ. وبدا لى وقتها أن كرامتنا بالغة الهشاشة، يجرحها مسئول أمريكى بتصريح أرعن، ويفتتها مسئول مصرى مارس مهام وظيفته برعونة.. بل الغريب فى الأمر أن تداعيات تلك القضية، جعلت كل مسئول مصرى يحجم عن اتخاذ أى قرار، بل عليه أن يفكر فيه آلاف المرات، ثم عليه أن يبرره أمام وسائل الإعلام أولا، حتى لا يتهم بالخيانة أو الانبطاح، ولم تعد مسألة أمن الدولة ومصالحها العليا السرية، تشكل أى تحفظات أمام وسائل الإعلام المصرية التى ابتلعت جرعة من الحرية أكبر من طاقتها، فلم تعر مصالح الدولة العليا اهتمامًا يذكر!.
والواقع أنه من الوهلة الأولى عندما أثيرت تلك القضية فى ذلك الوقت منذ أربع سنوات ، بدا أنها قضية سياسية من الدرجة الأولى، وأنها من تلك الأنواع من القضايا التى تفتعلها الحكومات والدول من أجل استغلالها لأهداف معروفة، أو الحصول على مكاسب معينة، وما كان لتلك الأهداف أن تتحقق إلا بتلك الوسيلة الجنائية فى ظاهرها، السياسية فى باطنها.
فى تلك القضية، ربما لا يعرف البعض أن المشرع أعطى لرئيس الدولة الحق فى ذلك، فله العفو عن العقوبة بعد الحكم، والغريب أن القانون لا يسأل رئيس الدولة عن دواعى استخدامه لهذا الحق، وليس له أن يقدم الأسباب التى دفعته لاتخاذ القرار.وللنائب العام أيضا أن يأمر بحفظ الدعوى قبل أن تحال إلى المحكمة، ولكنه مع ذكر الأسباب.
الحق أن أول من أشار إلى فكرة التمويل الأجنبى بطريقة رسمية، كان المجلس العسكرى، فى أثناء أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء فى أكتوبر 2012، عند محاولة البعض من الثوار اقتحام وزارة الداخلية، وقتها لم نعرف السبب فى إصرار الثوار على اقتحام وزارة الداخلية، وقتها قام أحد أعضاء المجلس العسكرى بالإشارة إلى هذا الأمر تلميحًا.. وقد سبق للمجلس العسكرى فى بيان له، أن أشار بتلميحات إلى تقاضى بعض أعضاء جمعيات حقوق الإنسان وبعض الجمعيات الدينية تمويلات أجنبية من الخارج.
الغريب أن أحدًا لم ينكر هذا، ولعل خبراء الاقتصاد يتفقون معى فى أن التمويلات الأجنبية سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة، هى التى ساعدت على استقرار سعر صرف الدولار وقتها نوعا ما، منذ قيام الثورة، وعلى مدى أربعة عشر شهرا، ولم يحدث للدولار ولا العملات الأجنبية الأخرى أن قفزت بالجنون الذى كان يحدث خلال الفترات التى تلتها.
وقبل ذلك كانت بعض أجهزة الإعلام قد ألمحت إلى وجود تمويلات وتدخلات أجنبية لبعض الجمعيات الحقوقية، وقد قام إعلامى شهير وإعلامية أشهر منه، بالإشارة إلى هذا الأمر فى أحد برامج الفضائيات، باستضافة إحدى الصحفيات العاملات فى مجال حقوق الإنسان، فى الأيام الأولى للثورة المصرية، وما إن أعلنت الضيفة أنها تلقت نقودًا ومعها آخرون، حتى تم التعتيم عليها، ولم تظهر بصورتها الحقيقية، حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وتنكر الإعلامى والإعلامية لها، وقام رجال الثورة بتوجيه اللوم لهما، ومعاتبتهما، واتهامهما بمعاداة الثورة علنا، واختفى الإعلامى والإعلامية من وسائل الإعلام، ثم عاد الإعلامى بفجاجة فى الفضائيات، بعد أن استوعب الدرس جيدًا، وظهر لاعنًا كل من يؤيد المجلس العسكرى والشرطة ولا يساند الثورة والثوار، بينما اختفت الإعلامية الشهيرة خفوتًا أبديًا، ولم تظهر حتى الآن، ويقال إنها احترمت نفسها ورأيها، واكتفت بما حققته فى الفترة السابقة.