رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من وحي التاريخ العربي " قصص وفاء الكلاب عند العرب "

كلب
كلب

تجد من الشائع عند ضرب المثل عن "الصبر" تذكر "أيوب" وعندما نقول "النجاة" تذكر "سفينة نوح" وعندما يأتي الحديث عن "الوفاء" نذكر "الكلاب"

لم تكن القصص عن وفاء الكلاب بالشيئ المستحدث علي المجتمعات والبيئة العرابية، فهذه القصص تضرب بجذورها في عمق التاريخ العربي، من الجاهلية وإنتشار الإسلام في شبه الجزيرة وصولاً للخلافات الإسلامية المتعاقبة والتاريخ الحديث حتي صفحات الفيس بوك لازالت تحدثنا كل يوم عن قصص لوفاء الكلاب.

وسواء انتشرت قصة الكلب "بوتشيكو"، او حتي النصب التذكاري لكلب ما في مدينة "تولياتي" داخل روسيا يظل التاريخ العربي هو واحد من أقدم النصوص التي سجلت قصص عن وفاء الكلاب، إليك بعض منها :

يذكر إبن المرزبان المحولي في كتابه " تفضيل الكلاب علي كثير ممن لبس الثياب"
العديد من القصص التي تحدث عن فضل الكلاب علي أصحابها، الوفاء للمنتهي، وغيرها من القصص المليئة بالعبر عن الخير في مصادقة الكلاب وتربيتها فمن بين القصص قام بذكر قصة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فيها:

روي عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قتيلاً، فقال عليه الصلاة والسلام: ما شأن هذا الرجل قتيلاً؟!
فقالوا: يا رسول الله، إنه وثب على غنم بني زهرة، فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله.

فقال (ص) "قتل نفسه، وأضاع دينه، وعصى ربه عز وجل، وخان أخاه، وكان الكلب خيراً من هذا الغادر
ثم قال (ص) "أيعجز أحدكم أن يحفظ أخاه المسلم في نفسه وأهله، كحفظ هذا الكلب ماشية أربابه".

ثم يسطرد " المحولي " في كتابه ويذكر لنا عن أبو بكر الصديق قال " إن الرجل في البادية إذا ضل الطريق وهاله اللليل نبح نباح الكلاب، لتنبح كلابُ الحي، فيتبع أصواتها حتي يصير إلي الحي".

وعلي صعيد أخر هناك بيت شعر قد أنشده " أبو عبيد" يقول فيه :

يعرج عنه جاره و شقيقه ... ويرغب فيه كلبه وهو ضاربه

فلما سُأل "أبو عبيد" عن قصة هذا البيت قال:

أن رجل ذهب إلي موضع مهجور ينتظر ركوبة وكان معه أخوه وجاره، وعندما رآه كلبه يهم بالرحيل أثر أن يتبعه فلما أبي صاحبه أن يأتي كلبه معه قام بضربه وطرده حتي أدماه، ولكن الكلب رفض أن يتركه.. وأثناء سير صاحب الكلب هجم عليه بعض الأشخاص كانت له حاجة عندهم، فلما رأي هذا أخوه وجاره الذين رافقاه لاذوا بالفرار، أما كلبه فظل يزود عن صاحبه، لكن دون فائدة.

وقام المهاجمين بجرحه كثيراً ثم قاموا بدفنه داخل بئر وتركوه، أما الكلب فظل يعوي كثيراً في المكان الذي دفن فيه صاحبه ويحفر بقدمه أعلي البئر، حتي ظهرت رأس صاحبه وهو " بيطلع في الروح" ، فلما رآوا الناس موضع الكلب شكوا في أمره وقاموا ثم ذهبوا فوجدوا رأس إنسان بالكاد تخرج من بين الرمال، فقاموا بالحفر حتي أخرجوا الرجل المسكين وهنا أنشد البيت السابق، وعندها زعم " أبو عبيد" أن هذا المكان أسمه "بئر الكلب" تخليداً لقصة الوفاء العظيمة.


وهناك قصة أيضاً مشهور الذكر وقوية السند قد رواها "أبو بكر بن أبي الدنيا " قال فيها
أن الطاعون قد أتي علي أهل دار وأهلك من فيها ولما لم يكن هناك مجال للشك أن أحداً قد نجا من أهل هذه الدار، قاموا بسد باب الدار ولكن لم يدركوا أن هناك طفل رضيع بالداخل ونسوا أمره، وعندما فاتت الشهور جاء ورثة هذا الدار حتي يفتحوه، فوجدوا صبي يلعب مع جرو كلبة كانت لأصحاب الدار القدامي، وحينها تبينوا حقيقة نجاة الطفل وعدم هلاكه من الجوع؛ فقد قامت الكلبة بإرضاع الطفل من لبنها مثله مثل باقي الجراء.


أما "الأصمعي" فله هو الأخر حكاية، فيذكر حكاية وقعت لـ"مالك ابن الوليد"

قال فيها أن "مالك" كان له أصدقاء لا يفارقهم وكانوا يجالسونه دائماً ولا يقوي علي فراقهم، وقام أحد هؤلاء الأصدقاء بغواية زوجته، واستجابت زوجته لتلك الغواية، ففي أحد الأيام جاء هذا الصديق الي بيت " مالك " وقد قام بالأختفاء داخل المنزل ومالك لم يكن يفيق من السكر ابداً؛ فلما جاء الليل ذهب صديق مالك إلي فراش زوجة الأخير، وعندها هجم عليهما كلب مالك فقتلهما، وعندما فاق مالك من سكره في اليوم التالي ورأي منظر صديقه وزوجته في الفراش أنشد هذا البيت.

كل كلب حفظته لك راعي ... ما بقي، لو بقي ليوم تنادِ
من خليل يخون في النفس والمال ... وفي العرس بعد صفو الودادِ