رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجربة صينية جديرة بالتأمل


تعلموا منا قديما.. واليوم منهم نتعلم.. إنهم الصينيون ولا أحد غيرهم.. الأمة التى صنعت مجدها وسط ظروف قاسية لا تحتمل التقاعس أو التراجع أو التراخى.. أمة قالت ففعلت.. خططت فنفذت.. أمة رفعت شعارها الرائع «التصدير أو الموت» منذ منتصف الثمانينيات، فكان لها ما أرادت.. استطاعت أن تنقذ نفسها من مستقبل مظلم بعد أن وصل عدد سكانها إلى مليار وربع المليار نسمة تقريباً.. غزت بتجارتها وصناعتها وسياستها وقوتها كل دول العالم.. أمة فرضت احترامها على غيرها بالعمل والإنتاج.. فهل يمكن لنا أن نحذو حذوها؟؟.

المنطق والتاريخ يقولان نعم ممكن.. نعم ممكن لأننا أهل حضارة استفادت منها البشرية جمعاء.. التاريخ لا يكذب أبداً.. لكنه ربما يُحرف لسبب أو لآخر.. فالتاريخ يؤكد أن مصر شهدت أول جامعة للعلوم الفلكية والطبية والهندسية عرفتها البشرية.. ولم لا وقد اعترف بذلك مشاهير الإغريقيين مثل: أفلاطون وسقراط وأرسطو وفيثاغورث وغيرهم.. ومن نافلة القول إن الفيلسوف اليونانى «أرسطو» قد أوصى تلميذه الإسكندر الأكبر «المقدونى» كل الخير بمصر عندما توجه إليها بنية «الغازى» فى فترة ضعفها.
وصية «أرسطو» لتلميذه لم تأت من فراغ.. وذلك لفضل مصر عليه أولا.. وعلى نهضة وحضارة بلاده ثانياً.. نضف إلى ما سبق- بحسب أساتذة الفلسفة- أن «أفلاطون» عندما حضر إلى مصر وقابل كهنة معبد «منف»- ميت رهينة حالياً- طالبا العلم على أيديهم قالوا له: «جئت من حضارة وضيعة»!!.. هذه هى مصر التى كانت.. والتى نريد لها أن تنهض من كبوتها.. وإن شاء الله ستنهض بإخلاص شرفائها فى شتى مناحى المعرفة.. ستنهض لأننا أهل حضارة وتقدم ورقى .. ستنهض وفى وقت قياسى إذا سلكنا نفس الطريق الذى سلكته الصين فى محاربة اللصوص وقضينا على الفساد، الذى استشرى بتوحش فى أكثر مؤسسات الدولة.
ما جعلنى أكتب عن نهضة الصين.. هو التصريح الذى نشره إعلامنا- منذ فترة- نقلاً عن صحيفة «تشاينا دايلى» أن «70 مسئولاً صينياً قاموا بزيارة مسئولين محكوم عليهم بالسجن فى قضايا فساد عبارة عن رشوة وسرقة وإساءة استخدام سلطة.. مع تعليق صور تحقيقات إدانتهم على جدران السجن.. الأمر الذى جعل من الزيارة تذكيراً واضحاً بعدم سلوكهم هذا الطريق».. لافتاً إلى أن «الزائرين قضوا يوماً كاملاً فى السجن على سبيل التعلم والعظة».
وتضمن التصريح أن «سبب تعليق صور التحقيقات مع الفاسدين الصينيين على جدران السجن لكى يراها الزائرون»، فيما أوضحت «اللجنة المركزية لبحث الانضباط الحكومى» أن «هذه الزيارة تم تنظيمها لتنبيه المسئولين بأن عليهم أن يكونوا مدركين لعواقب الأخطار المتعلقة بالفساد».. ده كلام جميل خاااااااااااااالص.. طيب يا ترى يا هل ترى: هل لدينا النية والعزيمة لتطبيق هذه التجربة فى مصر بعد أن يصدر رئيس الجمهورية من خلال خطته الطموحة فى القضاء على الفساد قراراً بتشكيل لجنة مماثلة لبحث الانضباط الحكومى؟؟.
طيب.. ولو تشكلت هذه اللجنة وأرادت أن تطبق التجربة الصينية على عدد من الوزراء والمحافظين والمسئولين الكبار وترسلهم لزيارة المحكوم عليهم فى قضايا فساد والإقامة معهم ولو يوماً واحداً كنوع من الردع لكل من تسول له نفسه أن يرتكب نفس الجُرم».. فهل سيقبلون؟؟.. أشك فى ذلك.. ليه ؟؟.. لأن أغلب مسئولينا من فئة وكيل وزارة وأنت طالع يتعاملون مع المنصب وكأنه «غنيمة» وفرصة لا تعوض للنهب والسرقة و«تمشية» الحال والانتقام.. وتصفية الحسابات من الخصوم فى بعض الأحيان.. ومن ثم يتعاملون مع المواطن وكأنه «شحاذ» وليس صاحب حق.. ينسون دائما أو يتناسون –ربما- أنهم جاءوا لمناصبهم من أجل خدمة المواطن وليس الاستعلاء عليه.. ويتجاهلون تماماً أن مرجعهم إلى من لا يغفل ولا ينام.. كما نلاحظ عليهم عدم الاكتراث أو الخشية من أى محاسبة.. ومن ثم فلا رقيب عليهم سوى ضمائرهم فقط!!.
ودعونا نتحدث بصراحة.. فالأجهزة الرقابية عندنا-باستثناء الرقابة الإدارية- مغلولة اليد.. وهذا يجعلنى وغيرى، ممن يخافون على هذا الوطن، أن نلفت انتباه السيد الرئيس إلى أنه إن «لم يتصد شخصياً - من خلال صلاحياته - لهذا الفساد الذى يفوق فى خطورته الإرهاب.. فلا أمل فى أى شىء.. فقديماً قالوا: «ضعف الحائط يُغرى اللصوص».
أخيراً.. لدى اقتراح متواضع عبارة عن: ضرورة وضع لوحة إرشادية فى مكتب كل موظف –صغر حجمه أو كبر- نذكره بحقوقه وواجباته وكيفية تعامله مع المواطن.. فضلاً عن العواقب التى يمكن أن تواجهه إذا أخل بواجبات عمله.. وكذلك وضع البيانات اللازمة للجهات التى يمكن أن يلجأ إليها المواطن إذا تعرض لظلم أو أى نوع من التعنت أو الابتزاز من الموظف.. على أن تكون هناك جهات مختصة للتحقيق الفورى فى مثل هذه الشكاوى لضمان جدية التجربة.. أتمنى أن تجد كلمتى هذه آذاناً صاغية من صُناع القرار حتى نخفف من ضجر وسخط المواطن الذى يقرأ ويسمع يومياً عن فساد مسئولينا فى أغلب المواقع؟!.. اللهم قد بلغت.