رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاثير النفسي للسخرية السياسية

السخرية السياسية
السخرية السياسية

تعد السخرية السياسية وسيلة من وسائل المعارضة أو الاحتجاج، وربما لا تحمل بالضرورة أجندة وأيديولوجية خاصة، ولا تسعى للتأثير على السلطة، ولكنها فقط توفر حالة ترفيهية بحتة، ويمكن استخدامها بنية تخريبية، وفي كل الأحوال تضع خطوطا على الأخطاء السياسية، وتبالغ في إظاهرها بشكل ساخر ولا تقدم حلولا في النهاية.

ولم تكن السخرية السياسية وليدة العصر الحديث أو مع انتشار واسع للتكنولوجيا أو مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" أو "تويتر"، ولكنها أداة تم استخدامها على مر التاريخ في أي ثقافة أو حضارة أو فئة اجتماعية، وربما يكون "أريستوفانيوس" الكاتب الكوميدي أقدم مثال، والذي عاش في اليونان القديمة قبل الميلاد، وكتب للمسرح بطريقة المبالغات والنقد السياسي اللاذع والنكات العزلية بطريقة ماهرة، رغم أنه كان ينتمي إلى أسرة مثقفة غنية من طبقة ملاك الأراضي في أثينا، وعندما تولى كليو السلطة عام 429 قبل الميلاد قدم عدة أعمال للسخرية من أساليبه السياسية، ومنها مسرحية "البابليون" وقدّم على إثرها للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى وخرج بغرامة.

الحضارات القديمة لم تشهد حرية سياسية، ولذلك كانت عادة السخرية سرية، وأحيانا استعارية، بعكس القرنين العشرين والواحد والعشرين، اللذان شهدا عددا متزايدا من السخرية السياسية في وسائل الإعلام وحتى في الكارتون والرسوم الكاريكاتورية السياسية الثقيلة والمبالغة


البدايات الحديثة للسخرية السياسية في دول العالم

- فرنسا
في القرن التاسع عشر ربما كان المحامي والصحفي الفرنسي "موريس جولي"، من الذين تفننوا في استخدام الهجاء السياسي، ومنه كتابه "حوار في الجحيم بين ميكافيللي ومونتسكيو" وكان يهاجم الطموحات السياسية لنابليون الثالث.

- ألمانيا
كان الفيلسوف الألماني الشهير "نيتشه" أكثر الساخرين اللاذعين، وعاش في القرن التاسع عشر

- انجلترا
المملكة المتحدة لديها تقليد طويل في عملية السخرية السياسية، ويعود تاريخها إلى السنوات الأولى من الأدب الإنجليزي، وفي بعض القراءات، يمكن رؤية عدد من المسرحيات لويليام شكسبير تتسم بتلك الحالة ومنها ريتشارد الثالث وتاجر البندقية، وكان الأديب والسياسي الأيرلندي جوناثان سويفت الذي عاش بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، أكثر صراحة في طبيعته الساخرة من السلطة الإنجليزية في أيرلند وأشهر كتاباته "اقتراح متواضع" عام 1729، وكانت تتسم بسخرية سياسية حادة تتناول المجاعة في أيرلندا، حيث يقترح على السلطات البريطانية تشجيع الإيرلنديين على أكل أطفالهم لمكافحة المجاعة، وفي العصر الحديث، شملت السخرية السياسية في إنجلترا مقالات في الصحف، وبرامج تليفزيونية منها "بيت من ورق".

- الولايات المتحدة
أصبحت السخرية السياسية أكثر وضوحا على شاشة التلفزيون الأمريكي خلال فترة الستينات، وكان ليني بروس المقدم الساخر قد لفت الانتباه في الخمسينات والستينات بأسلوبه الجرئ في السخرية السياسية، وبحث مواضيع محرمة في ذلك الوقت مثل المخاوف العنصرية والتخيلات الجنسية، والتوترات بين اليهود والمسيحيين والرؤساء، وكان مبدعا ومدافعا عن حرية التعبير لدرجة أوصلته إلى توجيه تهمة الفحش مرات متعددة، وألقى البوليس القبض عليه مرة واحدة.

وخلال الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية عام 1968، تداول المقدمين الساخرين النكات عن ريتشارد نيكسون في كثير من البرامج التلفزيونية الساخرة، ومن أشهر الساخرين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية "بو برنهام وديف تشابيل وديفيد كروس وساشا بارون كوهين وجاي لينو، وستيفن كولبير ودوجلاس كوبلاند، وسكوت ديكرز، وبريت ايستون ايليس، ومايك جدج، وليني بروس، وبيل ماهر ولويس بلاك وجورج كارلين وجيسيكا هولمز"، وكلهم مؤدين موهوبين أدائهم الفني يقترب من نجوم هوليوود، ويتخذون من النقد السياسي مهنة وتوجه عام.

وكانت بداية المقدم الساخر "جورج كارلين" في الستينات، ولكن في 1970 استطاع "كارلين" توسيع هامش حرية التعبير في الإعلام الامريكي، وتحدث عن كل شيء بداية من الدين إلى السياسة إلى الجنس، و"جاي لينو" من أشهر الإعلاميين الساخرين في برنامج "ذا تونيت شو" على قناة "إن بي سي" الأمريكية منذ عام 1992.


أشهر وسائل السخرية السياسية في الوقت الحالي
- الكاريكاتير أبرز طرق السخرية السياسية رغم قلة الرسامين، ورغم أنها كانت طريقة متداولة، حيث كان في الصحف الأمريكية حوالي ألفين رسام كاريكاتير، يواظبون على رسم افتتاحية تلك الصحف، وذلك قبل قرن من الزمان، إلا أنه وبحلول عام 2010 لم يبق سوى 40 رسام كاريكاتير، ومنهم من يعرضون أعمالهم على المواقع الخاصة بهم أو الرسم على البضائع مثل الأكواب والقمصان، والـ"تي شيرتات" بها رسومات ساخرة عن السياسيين.

ومن السياسيين الذين يتم تداول رسوم كاريكاتيرية ساخرة لبعض تصريحاتهم السياسية أو توجهاتهم جورج بوش والآن دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

- برامج السخرية السياسية الأمريكية الحالية
في العصر الحديث كان جون ستيوارت الإعلامي الساخر والكاتب والممثل، والذي بدأ في تقديم برنامج "ذا ديلي شو" على قناة كوميدي سنترال، أوائل عام 1999، واكتسب البرنامج شعبية كبيرة، حيث أشاد به كثير من النقاد، وسخر فيه من الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أكثر من حلقة وعدد من الممارسات السياسية سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، ونفى ستيوارت كثيرا من أن لديه أي أجندة سياسية متعمدة.

وقال إن الهدف الأساسي لديه هو الترفيه والكوميديا، ووفقا لقائمة مجلة فوربس للمشاهير، فإن ستيوارت يكسب 14 مليون دولار في السنة، ونتيجة لمواقفه السياسية البارزة، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن ستيوارت يعد قوة سياسية، بدلا من مجرد مقدم برامج كوميدي ساخر، وتوقف ستيوارت عن تقديم البرنامج أغسطس المنقضي، وجاء بدلا منه المذيع "تريفور نوا"، وظهر أوباما شخصيا مع ستيوارت في برنامجه أكثر من 7 مرات.

وسخر "ستيوارت" من السياسة الخارجية والرعاية الصحية، وفي حلقة من الحلقات التي ظهر معه أوباما العام الماضي، سأله: "لأي فريق نحن منتمون في الشرق الأوسط، لأنني أعرف أننا في العراق نحارب مع العراقيين لهزيمة تنظيم داعش، بالتعاون مع إيران، ولكن في اليمن نحن نحارب إيران بالتعاون مع العراق والسعودية، فرد أوباما ضاحكا، ليس ما تقوله صحيحا تماما، فقاطعه ستيوارت ساخرا قصدي، من الذي نقصفه حاليا، ورغم متابعة ستيوارت لهجوم أوباما حلقات كثيرة إلا أنه صرح بأنه معجب ببرنامجه".

وأيضا من أهم البرامج التي تتناول القضايا السياسية بطريقة ساخرة برنامج "ساترداي نايت لايف" أو "ليلة السبت مباشر"، والذي عرض لأول مرة في 1975، حيث بدأت تظهر فيه تغيير الطريقة التي يسخر بها مقدمي البرنامج من الرئيس على شاشات التلفزيون، حتى أنهم سخروا من تلعثم الرئيس الأمريكي الراحل جيرالد فورد، ومن وجيمي كارتر وجورج اتش دبليو بوش، وداريل هاموند إلى بيل كلينتون، وكاناخر الفريد أرميزن أول من تقمص شخصية باراك أوباما.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2008، اكتسب" ساترداي نايت لايف" اهتماما واسعا، خاصة في أثناء السخرية على المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس سارة بالين.

السخرية السياسية ما بين مؤيد ومعارض
وبحسب مجلة "ذا اتلانتيك" فإن ارتفاع وسائل السخرية السياسية وتصاعد شعبيتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة، أدى إلى تزايد أصوات المسئولين أو المواطنين العادين المشككين في الأجندة لأولئك الساخرين سواء عن طريق الكتابة والمقالات والتعليقات الصحفية أو البرامج الإذاعية أو التلفزيونية أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر من النقاد يرون أنها جعلت السياسة أكثر سهولة، ما يؤدي إلى كون المواطنين أكثر استنارة ولديهم القدرة على تكوين آراء ومناقشة تلك الآراء مع الآخرين.

وبحسب باحثين في جامعة نورث كارولينا، فإن عملية السخرية السياسية وسيلة متاحة في البلاد التي يتم فيها تقييد حرية التعبير، وهي متنفس جيد للشعوب في منطقة الشرق الأوسط والربيع العربي، ووفقا لأندريه ريختر المحلل في معهد القانون والسياسة بموسكو فإن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت السياسيين أكثر اعتيادا على السخرية، وأقل احتمالا لتوجيه اتهامات ضد الساخرين، ومع ذلك، فإن عدد من الساخرين في دول مثل أذربيجان وزيمبابوي، يجدون صعوبة في التعبير عن أنفسهم فهم يسجنون بشكل روتيني، وتحت التهديد الدائم.