رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفتاوى المضللة ضد «ست الحبايب»


حتى عيد الأم تعرض لهجوم من المتطرفين الظلاميين.. أعداء البهجة وحقوق النساء بما فيهن من أنجبنهم.. حتى عيد الأم لم يسلم من الفتاوى المضللة لمن يطلقون على أنفسهم «دُعاة الدين» وهم أبعد ما يكون عن تعاليم الدين الإسلامى الحنيف فيما يخص منزلة الأم.. مثل هؤلاء وجدناهم قبل عيد الأم ببضعة أيام يطلقون دعاوى باسم الدين الإسلامى يحذرون فيها الناس من الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة.. بل ينشرون التحذيرات على المواقع وعلى صفحات التواصل الاجتماعى.. فمرة يقول لنا أحدهم إن «الاحتفال بعيد الأم بدعة».. وثان يُفتى بأن «من يحتفل بعيد الأم مصيره النار»، وثالث يُفتى بأن «من يحتفل بعيد الأم كافر»!.

إن مثل هذه الفتاوى المضللة لا يصح أن تُترك هكذا لتقتحم حياتنا دون أن تجد ردًا من شيوخنا الأجلاء المستنيرين ليصدوا هذا السيل المنهمر من تحقير المرأة وتحريم البهجة وتحريف معانى ديننا السمح.. نريد من شيوخنا المستنيرين أن يردوا على هؤلاء بالأدلة والبراهين ليوضحوا لهم منزلة الأم فى الدين الإسلامى.. وعن تكريم الأم وبرها.. إن ديننا الإسلامى الذى نعرفه وتربينا عليه واتبعنا تعاليمه السمحة يحثنا على تكريم وتعظيم الأم.. كما أن القرآن الكريم اختص الأم بمنزلة عظيمة.. وكذلك سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وإذا عدنا إلى التاريخ.. فسنجد أنه ليس هناك دين كرم المرأة بشكل عام والأم خاصة كما فعل الدين الإسلامى.

فلقد اعتبر الإسلام- بالأدلة والبراهين- أن بر الأم من أعلى الفضائل.. كما جعل حقها فى رعاية الأبناء قبل غيرها نظرًا لما تحملته من مشقه أثناء الحمل والولادة والرعاية.. وكذلك لما تكبدته من تعب وآلام.. وهذا ما ذكره القرآن الكريم فى أكثر من سورة من باب التأكيد على منزلتها فى ذهن الأبناء.. وأسوق هنا الحديث النبوى الشريف الذى نعرفه جميعًا عن المكانة العظيمة للأم.. يُروى أن رجلًا جاء إلى النبى محمد- صلى الله عليه وسلم- ليسأله: من أحق الناس بصحبتى يا رسول الله؟.. فقال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال: أمك.. قال: ثم من؟.. قال أبوك. وفى قوله تعالى «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين» سورة لقمان.. وفِى قوله تعالى أيضا «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا».. سورة الإسراء.

وهكذا نجد أن بر الأم واجب فى ديننا الحنيف.. مما يعنى حُسن معاملتها واحترامها وخفض جناح الذل لها والتماس رضاها حتى فى الجهاد.. وفِى المقابل فإن عقوق الوالدين يعتبر من الكبائر.. وهكذا أجد نفسى أعيد مرة أخرى التأكيد على ضرورة احترامها وحسن معاملتها.. فهذا ما نشأنا وتربينا عليه.. نعم تربيت على أن أضع أمى فى أعلى مكانة بحكم دينى .. وهذا ما يجعلنى أدعو إلى ضرورة التمسك بالاحتفال بها كأبسط أنواع التكريم ورد الجميل لإسعادها فى هذا اليوم.

وبهذه المناسبة نطالب الأزهر الشريف ومفتى الديار المصرية بالتصدى للفتاوى المضللة من خلال تعاليم ديننا الراسخة.. وهذا مطلب هام وضرورى للرد على من يُنكرون الاحتفال بالأم.. وبهذه المناسبة السعيدة.. وجدت نفسى أردد أغنية شهيرة مازال صداها مؤثرًا فى أجواء مصر.. تلك التى شدت بها الفنانة الراحلة- ذات الصوت الشجى العذب-فايزة أحمد.. ومن ألحان موسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب: «ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلى من روحى ودمى.. يا حنينة وكلك طيبة.. يا رب يخليكى يا أمى».

ولأن شعبنا واع ويعرف جيدًا المغزى من وراء دعوات المتطرفين.. فإن البيوت المصرية استمرت فى الاحتفالات الأسرية بعيد الأم.. وهكذا فعلت المدارس وكل المواقع والقطاعات المهمة، احتفلت أيضا بالمناسبة السعيدة وكرمت الأمهات المثاليات كنماذج مُشرفة.. كما احتفلت أنا مع أمى ثم مع عضوات جمعية الكاتبات بعيد الأم.. ووجهنا التحية لأم الشهيد.. وكذلك احتفل به كثير من الأندية والجمعيات الأهلية.. ومن ثم تم تبادل التهانى ونشر صور الأمهات وتبادل كروت المعايدة الملونة على مواقع التواصل الاجتماعى على أوسع نطاق.

بقى لى القول إن فكرة الاحتفال بعيد الأم منتشرة فى معظم أنحاء العالم وإن اختلف شكل الاحتفال وموعده على مدار شهور السنة.. حيث ظهر فى بداية القرن العشرين فى أمريكا وأوروبا.. وفى ذات التوقيت تابعناه فى إفريقيا وكندا والمكسيك والصين واليابان والأرجنتين وغيرها من الدول.. وفى الدول العربية فقد بدأ فى مصر بدعوة كريمة من الكاتب الصحفى الراحل مصطفى أمين عام ١٩٤٣.. وبعدها بسنوات قليلة احتفلنا به رسميا فى ٢١ مارس ١٩٥.. وهكذا أصبح مناسبة عظيمة يحتفل بها شعبنا فى نفس اليوم من كل عام.. وطوال هذه الفترة لم تشهد مصر أى مظاهر لتكفير الأعياد إلا منذ بضع سنوات.. وتحديدًا مع ظهور تيار متطرف لا يمثل سوى أقلية منبوذة من المجتمع تستخدم الدين فى نشر فتاوى مضللة لتدمير العلاقات الإنسانية ونشر أفكار تشوه مكانة المرأة وتُحقر من شأنها.

أخيرًا أطالب الأبناء بأن يحتفلوا بأمهاتهم كل يوم.. وأن يحسنوا معاملهتن.. وتحية منى لأم الشهيد البطلة الصابرة.. وعيدك يا أمى أجمل أعيادى.. ودعونا فى مصر ننشر الحب والسلام.. لأن من يعرف قلبه الحب والسلام.. فلن تتملكه الكراهية.. ومن يعرف الحب والسلام فلن يُمارس العنف أو التطرّف.. ومن يُضئ قلبه بنور الحب والسلام فلن يقبل أبدا أن ينشر الظلام أو يناصر أعداء الإنسانية وأعداء الحياة.