رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«العلاج بالرقص» في مهرجان «دي كاف» للفنون المعاصرة

جريدة الدستور

الصورة السائدة للمعاق الذهني على شاشة السينما يعوزها الابتكار، فعبر أكثر من قرن ونصف، عالجت السينما فكرة الإعاقة بشتى أنواعها، واجتمعت فيما بينها تقريبا على تقديم صورة واحدة ونمطية لحالة الإعاقة الذهنية، تحيلك على الفور إلى شخصٍ يجري في الشارع بملابس مهترئة ولعابٍ يسيل، محاولًا تفادي رجمه بالحجارة من عيال الطريق!

وتمثل نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في العموم ما يقرب من 16% من عدد السكان الكُلي، يتقاسمون فيما بينهم نسبة الـ 5% لذوي الإعاقة بالتعيين في الوظائف الحكومية– أو المحظوظون منهم تحديدا- نظرا لأن بقيتهم يعيشون في كنف أب أو أخ أو أحد الأقارب، والبقية الباقية مصيرها في الشارع إما متسولا أو مجذوبا... ولا يوجد تفسير منطقي حتى الآن لملاحقة هذا المجذوب بالعبيط أهو.. العبيط أهو، لاسيما وأن المادة 81 من الدستور تنص علي: (تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.

وعلى مدار ثلاث أسابيع من 17 مارس وحتى 8 أبريل؛ تُقام فاعليات مهرجان دي كاف، للفنون المعاصرة بوسط البلد، في دورته السادسة... التي يُكمل فيها مشروع إلقاء الضوء علي فنون مُتحدي الإعاقة بعروض تُطبق تجارب أجنبية، أسهمت في دمجهم مع المجتمع.

في عام 1993 تأسست فكرة مسرح "هورا" بسويسرا للمسرحي مايكل ايلبر، التي ورد في تقديمها أنها تهدف إلى تعزيز التنمية الفنية للأشخاص الذي يواجهون صعوبات في التعلم، واعطائهم الفرصة للتعبير عن قدراتهم المذهلة أمام جمهور واسع، بالتعاون مع القنصلية السويسرية بالقاهرة ومؤسسة زي زيك؛ تكرر عرض أحد نتاجات مسرح هورا بعرض، تفاعلي راقص (إلى البرية)، وهو يطرح من خلال رقصات تكاد تكون ارتجالية وعفوية إمكانية التواصل الحتمية بين المعاق والشخص العادي؛ حال توفر الرغبة أولا، تليها المفردات الجديدة التي ستخلق هي الأخرى لغة مغايرة.

في العرض المشترك، أيرلندا/ مصر (مربع البداية)؛ يتم الأداء داخل الفضاء المسرحي بواسطة أربعة راقصين؛ اثنان طبيعيان والآخران معاقان، في محاولة لاستكشاف العلاقات في الممارسات اليومية العادية بالإيقاع والرقص والأداء الجسدي، مرتكزين على فكرة ريتشارد تيتل المُسماة بنقطة الصفر.. (وهي النقطة التي تصبح عندها الحياة والفن شيئا واحدا).

كما تشارك مصر بعرضين انتاج مشترك؛ (مكعبات) هولندا/مصر، وفيه يتم التعاون في الأداء – بمستويات مختلفة – بين الراقصين والممثلين والجمهور ومتحدي الاعاقة، في ذكر روح المدينة الحديثة المتغيرة باستمرار... أما (زقزقة العصافير) المملكة المتحدة/مصر، وهو رقص في الهواء الطلق، فيطرح هذا السؤال البديهي: ما الذي يجعل الطيور تتحرك وترقص؟ حيث زقزقة العصافير...هل (هي احتفال بمتعة أن نتحرك كما تملي طبيعتنا، وكما نشعر، وكما نحب) .

تنوعت أماكن العروض داخل المباني المغلقة وفي الهواء الطلق: مسرح الفلكي، المعهد الثقافي المجري، الجريك كامبس، ومقعد السلطان قايتباي وشارع الشواربي... كما تعددت أنواع الفنون داخل المهرجان: موسيقي وفنون أدائية وبصرية وبرنامج للأدب والأفلام.

مهرجان دي كاف؛ هو أحد المبادرات المستقلة من المجتمع المدني الثقافي وقد بدأت دورته الأولي عقب ثورة يناير بتقديم فاعليات متنوعة بين المسرح، والسينما، والرقص وبعض الفنون الاخرى.. بعيداً عن مظلات الثقافة الرسمية أو الحكومية.

ومن اللافت للانتباه أن العلاج بالفن والمسرح تعد طريقة علمية وطبية تتبناها بعض المدارس الأوروبية الحديثة، وهذه الطريقة قوبلت بحفاوة هائلةمن المرضى، الذين خضعوا للعلاج وفقا لآلياتها، وأسفرت عن نتائج مذهلة لكثير من الحالات... وعلى الجانب الآخر، تأتي احتفالية هذه الدورة من المهرجان باستضافة المنشد ياسين التهامي، أيقونة الإنشاد الصوفي الحديث، في تفاعل وإدماج لعدة ثقافات مختلفة لا يجمعهم سوى الفن.