رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشكلة المخدرات في مصر الواقع وسبل المواجهة (1)

جريدة الدستور


المخدرات ذلك الخطر الأشد فتكا بحاضر المجتمعات الإنسانية ومستقبلها فى وقتنا الراهن، كونها تستهدف الشباب والنشء بصورة أساسية، مخلفة ورائها عديد الآثار السلبية سواء أكانت اجتماعية أو نفسية أو صحية أو اقتصادية. ونظرا لهذه الخطورة الشديدة لقضية المخدرات والتى تمثل أحد القضايا المحورية للأمن القومى لوطننا، إذ لا تقل خطورتها عن خطر مشكلة الإرهاب، تولى الدولة المصرية عظيم الاهتمام بها عبر اعتماد سياسات مواجهة تستند إلى رؤى علمية صيغت وفقاً لأسلوب منهجى رصين انطلاقا من الدراسات الميدانية والمعلومات والبيانات والاحصاءات، يرسم تدخلات متكاملة لمحاصرة الظاهرة، ويتبع أساليب متكاملة لتقييم الآداء وقياس الأثر لتحقيق تقدم فى سبل المواجهة.
وتقدر التقارير الدولية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعنى بالجريمة والمخدرات أن واحد من بين كل عشرين فرد، تترواح أعمارهم ما بين (15و64) عاما قد تعاطوا المخدرات مرة واحدة على الأقل خلال الاثنى عشرة شهرا السابقة لإجراء الدراسة، أى أن معدلات انتشار التعاطى العالمية تبلغ 5% من الأفراد البالغين، بينما تبلغ نسبة من يعانون من مرض الإدمان ( 0.6%) على مستوى العالم، فى حين يبلغ معدل انتشار تعاطى المخدرات في مصر في الفئة العمرية ما بين (15و64) عاماً، (10.4%) حسب المسوح القومية التي أجريت عام (2013)، وهو ما يعكس مدى خطورة المشكلة فى مجتمعنا المصرى إذ تبلغ معدلات التعاطى للمواد المخدرة فيه ضعف المعدلات العالمية. أما معدل إدمان المخدرات فى مصر في نفس الفئة العمرية فيبلغ 1.9%. وهو ما تؤكده إحصاءات منظمة الصحة العالمية والتى تشير إلى أن معدلات الإدمان في مصر تصل إلى 1.76% بين السكان أكبر من 15 سنة.
إن خطورة مشكلة المخدرات وتداعياتها التى تؤثر على السلم الاجتماعى والأمن القومى لمصر، لتفرض علينا تحركا غير تقليدي تجاه مواجهتها ينطلق من تضافر حقيقي للجهود والإبداعات ، تحركا يستوجب أن نمكن البحث العلمى والتخطيط المستند إليه من أن يكونا الموجه الأساسى للعمل ولتدخلات لا تقبل أبداً بأنصاف الحلول ولا تعرف الموائمات بل تتطلب المواجهة الجادة والحاسمة للمشكلة.
من أجل ذلك أطلقت الدولة فى مايو 2015 الخطة القومية لمكافحة المخدرات للتعامل مع المشكلة– جانب الطلب– بشقيها الوقائى والعلاجى، والذى يستهدف أيضاً بناء قدرات الكوادر المعنية بالمشكلة وتعزيز المشاركة المجتمعية والأنشطة التطوعية فى هذا الصدد. ليتم التعاون فى تنفيذها بين صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى؛ بوزارة التضامن الاجتماعى وأحد عشرة وزارة معنية. وهو ما ساعد فى إحراز تقدم على المستوى التنفيذى للخطة، حيث تم خلال الفترة الماضية تحقيق جُل الأهداف الإجرائية المقرة فى الخطة، ونبرز منها ما يلى:-
أولاً: على الصعيد الوقائي:
• تستند خطة الوقاية المبكرة على الأدلة العلمية الخاضعة لقياس الأثر في تنفيذ البرامج الوقائية التي تتبنى مكون المهارات الحياتية كآلية لتنمية قدرات النشء والشباب على مناهضة مشكلة تعاطي وإدمان المخدرات وتمكينهم من اتخاذ قرارات إيجابية بشأن صحتهم، وتطبيق هذه الأدلة على نطاق واسع في المؤسسات التعليمية والشبابية من خلال الكوادر التطوعية الشابة.
• كذلك اعتمدت الخطة الوطنية تطوير الأدوات التعليمية المناهضة لمشكلة المخدرات من خلال تضمين مناهج التعليم المختلفة في المرحلة قبل الجامعية مكوناً توعوياً مناهضاً لهذه المشكلة.
ثانياً: على الصعيد الإعلامي:
• تتبنى الخطة الوطنية حملات إعلامية متكاملة تتضمن مشاركة واسعة من الشخصيات العامة والكيانات الأكثر تأثيراً على الفئات الأكثر عرضة لخطر المشكلة.
• وكذلك التواصل مع صناع الدراما والسينما، وقد جرى إعداد ميثاق أخلاقى للتناول الإعلامي والدرامي للمشكلة مستنداً إلى نتائج أول مرصد إقليمي أنشأته مصر فى هذا المجال.
ثالثاً: على الصعيد العلاجي:
• تعتمد التجربة المصرية منهجا يؤكد على إتاحة خدمات العلاج وإعادة التأهيل ضمن منظومة علاجية تعتمد طواعية التقدم للخدمات العلاجية وسهولة الوصول إليها من خلال خط ساخن يعمل على مدار الساعة (16023)، وكذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وإتاحة الخدمات دون أي نوع من أنواع التمييز مع ضمان سرية البيانات، كما أن هذه المنظومة تعمد إلى توفير الخدمة العلاجية للمناطق المحرومة من خلال (19) مركز علاجي في (11) محافظة، وجاري إنشاء ثلاثة مراكز جديدة خلال هذا العام، هذا بالإضافة إلى إشراك أسر المرضى وذويهم في العملية العلاجية. كما عُنيت المنظومة بتنفيذ تدخلات علاجية للحد من العواقب الصحية والاجتماعية لتعاطي المخدرات، بما في ذلك تدابير الحد من انتقال فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (فيروسC) المرتبط بتعاطي المخدرات.
• كذلك يتطلب التعافي الكامل من وجهة نظر التجربة المصرية توفير مجموعة متنوعة من خيارات إعادة التأهيل والدمج المجتمعي، مثل التدريب المهني والتمكين الاقتصادي والتوظيف الذي تجسد في إطلاق مصر لمبادرة (بداية جديدة) لتمكين المتعافين اقتصادياً واجتماعياً التي تعني بتوفير برامج تدريبية وفرص تمويلية لمشروعات صغيرة ومتوسطة تضمن لهم فرص حقيقية للدمج المجتمعي. وكذلك برامج تعنى بدحض الوصمة الاجتماعية المرتبطة بمرض الإدمان والتى قد تعيق الدمج المجتمعى الفعال للمتعافين من هذا المرض.
ولقد جاء عرض التجربة المصرية ضمن فعاليات الدورة الستين للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة فى فيينا فى الأسبوع الماضى حدثا شديد الدلالة والأهمية، إذ قدمت معالى وزيرة التضامن الاجتماعى؛ الاستاذة غادة والى؛ فى حضور المدير التنفيذى لمكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة؛ السيد/ يورى فيدتوف، الخبرة المصرية فى مواجهة مشكلة المخدرات، كما بحثت سيادتها مع القيادات التنفيذية هناك سبل تدعيم وتعزيز آليات منظومة المواجهة للمشكلة فى مصر، ويمثل ذلك أيضا تتويجا للجهد المبذول، ومؤشرا على أننا نعمل فى الإتجاه الصحيح سعيا لتحقيق فعالية أكبر فى مواجهة أبرز التحديات التى تواجهها مصرنا الحبيبة فى بناء حاضرها ومستقبلها.