رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى اليوم العالمى للشعر.. 5 قصائد جديدة للشاعرة رضا أحمد

الشاعرة رضا أحمد
الشاعرة رضا أحمد

يحتفل العالم اليوم، بأحد أقدم أنواع الفنون على مدار التاريخ، وهو «الشعر»، من خلال اليوم العالمي لهذا الفن العريق.

وبمناسبة اليوم العالمي للشعر، ننشر 5 قصائد للشاعرة رضا أحمد، أحد أبرز الأصوات الشعرية الشابة، والتي قدمت ديوانها الأول «لهم ماليس لآذار»،  الصادر عن دار نشر«نبض» لعام 2016، والذي جاء كبداية لانطلاق صوت مغاير ومختلف فى المشهد الشعري المصرى والعربي.

القصيدة الأولي.. إعادة تأهيل
أحتاج أن أعود إلى نفسي
أو أدعو صورتي الطيفية باسم جديد
أنا ماكينة لجز الشعر والشوائب العالقة بالبشرة
لي كرتونتي الزهرية
مع مجموعة أخرى تنتظم فوق الدولاب
في انتظار عرس فتاة تبلغ الخمسين
وأحيانا راديو يبث أخبارا عن حروق قديمة
لا تعمل بالماس الكهربائي كما صارت العادة
لتبرير سرقات المخازن
ولا ألتزم بحصتها في تعاطي الغاز
أو سلق الفحم
مع قليل من البنزين
ومضغهم طوال الليل بجوار حائط محكمة ابتدائية
الوقت وغد كبير يرصف أحذيته البدينة
في مواجهة أنفي
كيف أتنفس وأنا ابتلع الورق لأعيش؟!
أعتزلت الغناء منذ فترة
كان اقتراف الجرائم الصغيرة أسلوبي المحبب
في تلقي الكلمات الملهمة
والتعبير عن غضبي من البعوض والبق
الآن وبعد أن حشوا مقعدي الخيرزان الوحيد بالمسامير
ليجلس الملك الجديد على أريكتي الناعمة
في بيتي الصفيح
لم يعد لدي ما أقصه على صحفي نحيف
يعتقد أن الخرابة التي تعج بالقتلى
تحت نافذتي
ظاهرة جديدة سيتعايش معها هو والذباب
كحافز شهري.

 القصيدة الثانية.. بدائل محتملة
أضع يدي في يدك
لا بأس أن تكتب عني
لا عقوبات محتملة للمصافحة
ولا للهجاء في القصائد.
أضع قلبي في صدرك
وأعرف أن الإضاءة شحيحة،
كن قويا
الأقمار والنجوم تسقط حولنا،
والجوع بلطجي فاجر
آه لو أننا امتلكنا المشرط المناسب!
أضع فستاني على مشجبك
لتشعر أن ثمة شيئا ينقصك
قد اكتمل بي
وأن لهبوب النسيم على جسدي العاري أثرا
لا يطفئه غبار غرفتك القاتم،
وحدي
أعدك برواية ملفقة
بديلة عن الحزن العالق في نظرتك،
أعطني قميصك
الشتاء آمن
وضحكتك
لتمر كل كذباتي الأخرى؛
أنت لست المشرد المثالي
ولا أنا أصاب بأمراض الفقراء.
أضع تفاحتك في جيبي
وسرك في خزينتي السرية
ينمو
ويطفو
دونما حاجة لعناق آخر.
أضع وردتك في صدري
التقينا في الخريف الفائت
ولم تتغير طريقتك في تهجي الحصى،
شرب العصائر المعلبة
وتخبطك بين السيارات؛
المشي في الظل
جعلنا ننهب الشمس والقبلات
بروية
وسوانا يشترك في جريمة لفت الأنظار
وتعنفه وثائق النقاد.
أضع قدمي في طريقك
ألعاب الفقد لم تأخذنا من سذاجة طفولتنا؛
مازلت أحجب عيني بكفيك
وأخمن مستقبلنا بمذاق شفتيك،
تعال
يمكننا أن نسحب الورقة الخاسرة بهدوء
ونحتفل
دون حاشية باكية،
حسبنا أن بداية السمع لطم الجدران
ونهاية النظر
ثغرة في جبين السجان.

القصيدة الثالثة.. سجون أخرى
وجد أنها مازالت بارعة في الحب
تنفق على جسده المعتل القبلات
وتباغته بالهدايا،
ملابس جديدة وعطور
وخرزات تحصنه من الحسد والنظر لغيرها.
لم يقو على سؤال صديقه الحكيم
عن أعشاب لداء الكذب،
حتى يعالج غيبوبتها الدافئة حين تراه.
وقف بجوار صورته على صفحة الماء،
يحرك جزءًا من غيابه
بالحجارة مرة
وبغلق جفنيه عنها مرات.
واظب على جولاته الليلية
يزج رأسه في ممرات المخدر،
يطحن حشيشة الوقت،
ويلهث خلف توأمه في الحانات
ليورثه بيته وأدوات حرفته
وزوجته الحسناء،
يزجر أنفاسه المرتعدة من "أبو رجل مسلوخة"
والأشباح التي تؤنس وحدة العتمة
إلى أن يسأله صديق قديم:
من أنت؟
وماذا تفعل هنا؟!
مذعورا يهرب لسجنه الرحب،
مستوطنة مرضى الجذام،
يمد عينيه داخلها
ويتطلع لبقاياه أن تزوره
خلف السياج.
وجد أنها مازالت بارعة في الكذب
تستضيفه على سريرها،
تطهر جروحه النتنة
وترصف نعاسه بالورود،
تتقرب من صدره كأنها أحراش من الأفكار الباردة،
تتمنى له موتا هادئا
ولا تنام.
ماذا فعل به التجول فى الذكريات؟
يتفقد كفنه على مضض،
تحت شحمه النافز
روح غاضبة/ فئران ترقص،
قوارب تبتعد بأطرافه
وأسماك تقضم أعضاءه بتؤدة.
الأبراج حوله تعتلي جفاف الحجارة
والحشرات تهرب مبتعدة
كتلك الأبخرة الكريهة
التي تأتي في الغالب من العشاق فوق التل.
يربط حذاءه على قدم تتفتت،
يغطي وجهه بالتحديق في الإسفلت،
يسير
والشمس تطلي جسدها بقطع الخيار والليمون،
تبقى بجمالها الأشيب
بسيرتها الحلوة
والتبجح الصارم بتاجها المضيء فوق الحوائط.
الحب لا يعمل في قلبه كما يجب،
الإيمان طائر خرافي
لم يحط على كتابه
والشمس نفسها لا تقوى على النظر إليه.

القصية الرابعة.. ذاكرة مجمدة
كان ﻋﻠﻲّ أن أتخطى الصور القديمة
والملامح الناعمة المرتبة بين درجات الرمادي
أن أكون أكثر حرصًا حين تنزلق أصابعي
على قشور الطلاء؛
هناك لمسات ونظرات هشة تسقط
وأصوات تنكمش على نفسها
خائفة
تحدق في الرضوض الملونة
التي تنساب على جسدي.
في زيارة غير متوقعة إلى ذاكرتي
بعثرث خلفي
أجزاء منفية من قلبي
تركتها عالقة في هدوء بين الظلام والغبار؛
كنت رسامة ماهرة
أستعير ملامح أصدقائي بعض الوقت،
أترك ستراتهم الخفيفة تتمطى فوق ثلج الورق
وأجسادهم تتعرى حين يحفها قلم الشمع،
أتفقدهم وهم ينصهرون أمامي ببطء
في هوامش كتاب قواعد اللغة
كعادة نصوصي الجيدة
التي تصيبها أخطاء النحو والصرف.
كنت طاهية جريئة
يعوزني هلع أن يجرح يدي السكين؛
بدأت أولى وصفاتي
بتشكيلات شهية للحظات قصيرة مع معارفي،
فوق أطباق بحواف فضية
علقتها على الحوائط حولي
وحدقت إليها طويلًا
كنت وحيدة وسجينة إنجازي البسيط،
بمرور الأسى
غفرت للبكتريا لطختها الزرقاء
وللعفن أصابعه البرية،
رأيت ابتسامتي تنتفض هاربة
وشفتي تتقلص لعود ثقاب رفيع
وتركت المطبخ على حاله
مع يقيني أنني سمعت خلفي
جلبة عند الجيران
ورأيت اسمي يتقافز بين الدخان
وشجرة عائلتي تحترق.
أصبحت فيما بعد ثرثارة أنيقة
أتمتع بحواس العجائز الخبيرة
في صياغة المصائب من أقل حبكة،
أحصد نهاية الحكايات عند بدايتها
ولا أجالس المسنين الآخرين
حتى لا نتجادل على زبائن الوصايا
والكلمات الحكيمة الباردة
أو نتبادل مسكنات الكدمات،
فوائد الالتهاب السحائي،
لفائف التعازي الحارة كل مساء
ووظائف المرضى التي توفرها المقاهي.
صرت مفتاحًا رديء الصنع
تناوبت عليه الأيدي
إلى أن سقطت أسنانه تباعًا
ولم يعد يصلح لفتح الأبواب،
أضعت ضمير "أنت" في رسائلي
منذ زمن طويل
وبت أقبل ساعي البريد كحبيب غائب
وأنا أتسلم قطعة من قلبي
كل صباح في طرد،
أعطي الأطفال مصاصات لعقها تراب المقابر
ولمراهق يتودد إلى مؤخرتي
كعكًا منزليًا
مصنوعًا من الشمع والفلفل برائحة القرفة
ولفتاة تصفف شعرها الغجري
قبالة مرآتي كلما استيقظت
صورتي العشرينية خالية من عيوب التكنولوجيا.
لا أعتل بحزني خلال خطاب طويل
في حفلات التقاعد
الناس صاروا مهووسين بالقصائد
وشذى الأكسجين المعلب في نوبات الربو،
لا يكتفون بالوصفات الصحية لوجبات العشاء؛
يتنصتون على مقبلات المطاعم البعيدة
ويطلبون من الهاتف غلامًا صغيرًا
بوجبة ساخنة،
ركلوا بحماقة بالغة
مفاتن الغانيات خلال التواصل الافتراضي.
الزمن ليس حقيقيًا
الأضواء الآن سخية على وجهي،
جسدي ينحف في فستاني الضيق
ويتمسح بغنج في ضبابية نظارتي الطبية،
شقوق تجاعيدي تمتلئ بالمساحيق الجافة،
جيوبي تستغيث وهي تعب النقود
والإسفلت دائما ما كان يعكس
بريق جواهري
وهي تثقل خطى ظل
يسبقني إلى المقابر
ليترك برقيات معايدة إلى الأصدقاء.

القصيدة الخامسة.. خروج مبكر
ﻟﻤّﺎ ابتسم لي المهرج
قررت أن أحتاط لساعة معصمي
وهاتفي النقال
أن أراقبه بنصف عين
وأن احتمي بسكين خلف ظهري.
تزعجني لمساته الودودة
ونظراته الممتلئة بي
كأن الرجل يعرفني
يفهم كل ما أحمله في جيوبي
مطلع على ثقوب ملابسي الداخلية
والرعشة التي تلهو بغنيمتها في أطرافي.
يحدق في عيني بصبر
كي تلحق به
رأيت شقًا رفيعًا صنعه في صدري
مبضعه الصغير يتحسس أوردتي
ودعامات هائلة يحلق فوقها قلبي.
على مضض
أمسك بدمي الجفاف
تهدلت أنفاسي
رأيت إبرًا خفيفة يرشها الهواء
في وجهي
حاولت أن أسترخي بدوري
ولكني
تملصت هلعًا من قيودي
حين رأيت قلبي في علبة الأشعة
يخرج منه الناس مثل حبوب لامعة
تتحرر من ثمرة صنوبر
قبل أن تسقط
في قفص ساعة الحصاد.