رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جاء عبدالمحسن وذهب يحيي.. والباقي هو الشعب

عبد الوهاب داود
عبد الوهاب داود

انتهت معركة انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين، وظن البعض أنهم الفائزون، فيما صب البعض الآخر جام غضبه على الجمعية العمومية التي لم تنصف مرشحيه، كلهم أو بعضهم.

والمدهش في الأمر أن كلا الفريقين، ممثل حقيقي لأوضاع الصحافة في مصر، وإن شئنا يمكننا أن نقول أنهما نموذج حي لطبيعة الحياة السياسية والحقوقية في مصر، من حيث الانسياق وراء القطيع المشابه، وتخوين المختلف أو المخالف، والصراخ "على الفاضية والمليانة"، وشخصنة المعارك، أو المواقف، ودون أدنى وعي بأنها معركة بلا منتصر، أو مهزوم.. معركة بلا خصوم، أو أعداء، بل زملاء مهنة واحدة، ومصير واحد.
والحقيقة أنني حتى هذه اللحظة لا أعرف لماذا لابد أن تتعارض الوعود الخدمية، مع الحريات، والمواقف السياسية؟

في كل انتخابات، هناك نقيب يأتي وفي يده وعود خدمية، ومالية، إسكان على مواصلات على زيادة في بدل التكنولوجيا، وآخر بلا خدمات، ولا وعود، اللهم إلا الحديث عن الكرامة، والمهنية، والقانون، وهي بلا شك وعود شديدة الأهمية في بلد مثل مصر، ولا تقل بحال من الأحوال عن غيرها، وقد حسمت المعركة الانتخابية من قبل لصالح نقباء سابقين، لعل أبرزهم جلال عارف، ويحيي قلاش نفسه.
لماذا لا تتصالح الحريات مع الخدمات؟ خصوصا وأنه من المعروف لدى الجميع أنه طوال تاريخ النقابة كانت، وستظل، الكلمة العليا في أي موقف، أو أزمة، للجمعية العمومية وحدها دون غيرها، رضي النقيب أم لم يرضى، جاءت على هواه، أم عاكسته. وستظل قرارتها، بعيدة عن حشد الحكومة، أو المعارضة، وبلا أدنى علاقة بالتكتلات السياسية، حكومية أو غير حكومية.
ومن الطريف أنه فيما كانت عملية التصويت تجري عند مدخل شارع عبدالخالق ثروت، كتب الصديق أشرف الصباغ، على صفحته بموقع "فيسبوك" قصة ملخصها أن الفنانة عفاف راضي كانت قد وقعت مع الموسيقار بليغ حمدي، عقد احتكار لمدة خمس سنوات، لصالح شركة "صوت الفن" لصاحبيها عبدالوهاب، وعبدالحليم، ولكنها بعد نحو عامين، تلقت اتصالا من الموسيقار كمال الطويل يطلب منها الحضور إلى الاستديو لتغني إحدى الأغنيات من ألحانه، فذهبت على الفور، دون أن تعرف أي شيء عن الأغنية، التي حفظها لها الطويل أثناء البروفات، وكانت هي الأغنية التي تراجع عن غنائها عبدالحليم، لمعرفته أنها لا تناسب طبيعة المرحلة التي كانت تمر بها البلاد، ولم تبثها الإذاعة المصرية وقتها سوى مرتين، ثم تم ركنها لسنوات طويلة، وهي الأغنية التي خسرها عبدالحليم، وفازت بها عفاف "والباقي هو الشعب".

والحقيقة أنني لم أقرأ "البوست" باعتباره مجرد قصة يحكيها صديق، فقد كان الرابط بينها وبين انتخابات النقابة حاضر في ذهني، ويأبى أن يغادر دون أن يطرح عددا لا بأس به من علامات الاستفهام، حول طبيعة تلك "النخبة" التي يقسمها التصويت في نفس اللحظة، وآليات الحشد المستخدمة لدى الفريقين، وخصوصا الفريق الداعي للزميل يحيي قلاش، الذي يعلم الجميع أنني كنت، ولا زالت، من المؤيدين له على مقعد النقيب.. لماذا يربطون بين شاغل المقعد، وبين الحريات السياسية للعاملين بالمهنة؟ وكيف يمكن لعبدالمحسن سلامة أن يسلم النقابة إلى وزارة الداخلية؟ ماذا تعني هذه الدعاية الساذجة؟! ومن يمكن أن يصدقها؟! أصلا.. لماذا ينبغي أن تعادي الصحافة، "كمهنة"، إحدى وزارات الحكومة، أيا كانت؟! وكيف تقوم بدورها إذا كانت طرفا في خصومة؟!
وإذا حدث ما حدث، ألا تستطيع الجمعية العمومية للصحفيين أن تسحب الثقة من النقيب ومجلسه كاملا إذا لم يستجب لقراراتها؟ ألا تملك مهنة الرأي والتعبير عن الجماهير القدرة الكافية لتنفيذ ما تريد في حدود جدرانها؟!.. ألم يحدث أن أملت الجمعية العمومية إرادتها على إبراهيم نافع في أزمة القانون 93، وامتثل لها؟ أيظن هؤلاء أن موقف يحيي قلاش من أزمة اقتحام المبنى لم يكن استجابة لإرادة الجمعية العمومية؟ وامتثالا لما أراده الصحفيون؟

على الجانب الآخر، من أين تأتي لأنصار سلامة الجرأة على اتهام يحيي بأنه هو من أدخل النقابة في صراع مع "الداخلية"؟ أو أنه كان صاحب قرارات التصعيد؟ لماذا يتجاهل الجميع أن هناك كيان هائل وضاغط اسمه "جموع الصحفيين"، أو "الجمعية العمومية"، وأنها وحدها صاحبة القول الفصل في كل ما يمس العمل النقابي، وحرية النقابة، وتعبيرها عن الجماهير؟ وأنها هي من طالبت بالتصعيد في أزمة اقتحام المبنى، وصولا إلى رئاسة الجمهورية.
أيضا.. لماذا يربط البعض بين فوز الزميل عبدالمحسن سلامة بموقع نقيب الصحفيين، وبين موقع "سلم النقابة" من الحياة السياسية، رغم أنه من الثابت أن السلم قد أصبح هو المقصد الأول لكل راغب في تسجيل موقفه المعارض للحكومة، منذ أن تسلم النقيب إبراهيم نافع المبنى من الشركة المنفذة، وحتى الأمس القريب، لم يتغير الموقع، ولم يصبه التجميد، لا في ظل شغل الزميل مكرم محمد أحمد للموقع، ولا غيره، منذ إنشائه وهو مساحة محررة للتظاهر، والاعتراض، ولا يملك أي نقيب أن يمنع الناس من اللجوء إليه، ولو أراد أي مواطن أن يذهب إليه اليوم أو غدا، ما استطاع أحد أن يمنعه، ولا حتى سيادة النقيب الجديد.

نقيب الصحفيين أيها السادة، كأي نقيب آخر، مجرد موظف لدى الجمعية العمومية لنقابته، لا يملك الحديث بلسانه كشخص، ولا يعبر عن توجهه السياسي، إذا ما تعلق الأمر بالنقابة، بل إنه لا يستطيع الحديث لوسائل الإعلام "متبنيا لرؤية سياسية" طوال وجوده في مقعد النقيب، لا كموالٍ للحكومة، ولا كمعارض..
لم يكن يحيي قلاش معارضا للنظام، ولا سلامة موالٍ له.
لم يكن يحيي قلاش في خصومة مع "الداخلية" أو "العدل"، ولا سلامة موالٍ لهما.
أدى يحيي دوره كنقيب على أكمل وجه، وبه ما به من خدمات، وإصلاحات، ومساهمات فاعلة في دعم الحرية المهنية، وكنا جميعا معه، فساندناه عندما كان معبرا عن رغباتنا وآمالنا وطموحاتنا للمهنة، وللعاملين بها، وصوبناه عندما أخطأ التقدير.

وجاء سلامة بما لديه من وعود خدمية، واقتصادية، ونحن معه، نسانده إن أصاب، ونصوبه إن أخطأ.
لم يعمل يحيي قلاش وفقا لتياره أو ميوله السياسية، وما كان له.. ولن يعمل سلامة، ولن يكون له.
فهناك أولا وأخيرا.. جمعية عمومية، بيدها الأمر، وبيدها الفصل.. هي الشعب، والباقي دائما، هو الشعب. هكذا يكون العمل النقابي، وهكذا تكون النقابات.
استقيموا يرحمكم الله.