رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نسيت الحكومة البرلمان؟


أبرمت الحكومة المصرية اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولى، وهذا حقها، وفقا للدستور. ووفقا لبرنامج الحكومة- تختلف أو تتفق معه- فقد تم عرضه على البرلمان ووافق الأخير عليه بأغلبية كاسحة، إذن تريد الحكومة المصرية الاقتراض من صندوق النقد.

ونحن هنا لا نناقش السؤال الاقتصادى فى هذا الملف، وهل القرض أفضل أم أن هناك وسائل أخرى أفضل لحل الأزمة، لكننا سنذهب إلى الطريقة التى أدارت بها الحكومة ملف الاقتراض، حيث عقدت الاتفاق واستلمت الحكومة الدفعة الأولى من القرض فعلا، وكأنه لا يوجد برلمان فى مصر يجب أن تلتزم الحكومة بعرض الاتفاقية عليه وموافقته عليها، وفقا لنصوص المادتين 127، و151 من الدستور!، وحين أصبح الحرج بالغا، وبعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، سارعت الحكومة، وفى أداء مسرحى غريب، بعرض الأمر على البرلمان، وانعقدت اللجنة التشريعية والدستورية بصورة متسرعة، ووافقت على عجل وبحضور رئيس البرلمان نفسه الدكتور على عبدالعال على الاتفاقية التى بدأت الحكومة تنفيذها فعلا قبل هذه الجلسة!!.

قد يرى البعض أن الحكومة ربما تؤمن بضرورة هذا الاتفاق مع صندوق النقد، وأنها متعجلة عليه لأسباب تخص رؤيتها الاقتصادية المبنية على توافر هذا القدر من العملة الصعبة، ونحن لا نناقش ذلك الآن، لكن ما كان الداعى لتجاهل البرلمان تماما، هل كانت تخشى الحكومة مثلا رفض البرلمان لاتفاقية القرض؟!، بكل تأكيد الإجابة لا، فتركيبة البرلمان الحالى فى أغلبيتها الساحقة مؤيدة لكل قرارات الحكومة، وقوانينها، وبرنامجها الاقتصادى، ولم تضبط الأغلبية الساحقة من السادة النواب بمحاولة استجواب أى وزير، رغم حدوث العديد من المشاكل التى كانت تستحق استخدام الاستجواب معها، كأداة برلمانية فعالة للرقابة، وهى حق دستورى أصيل للنائب، فلماذا إذا تم تجاهل الدستور وتجاهل البرلمان، وتصرفت الحكومة منفردة، وكأننا فى دولة من جمهوريات الموز التى لا تعترف بدساتير ولا إطار قانونى للدولة؟!

وفى نفس موضوع عدم احترام الدستور وآليات الفصل بين السلطات، وفى سياق آخر، فقد وافق البرلمان على قانون للجمعيات الأهلية، ورغم تحفظاتنا على بعض مواده، لكنه حتى هذه اللحظة لم يدخل حيز التنفيذ أو يجرى اعتماده، ورغم حصوله على أغلبية كبيرة فى التصويت النهائى عليه!!، فإذا رأت الحكومة أن القانون به بعض المشاكل، فيمكن وفقا للآلية الدستورية أن يرفضه السيد رئيس الجمهورية ويعيد إحالته للبرلمان مرة أخرى، ويأخذ دورة جديدة من النقاش الهادئ، لكن أن يتم الموافقة عليه، ويدخل بعدها ثلاجة غير مفهوم آلياتها الدستورية أمر يثير الريبة ويسىء لصورة دولة القانون والدستور!.

إذا كانت الحكومة تريد تشجيع الاستثمار، فإن إحدى أهم الخطوات ستكون شعور المستثمر بأنه سيدخل منظومة قانونية ودستورية لها قواعد واضحة، أما هذا الكم من التخبط والعشوائية فلا يفيد أحدا، وتجاهل الحكومة أن هناك برلمانا دوره الرقابة والتشريع، والموافقة أو الرفض لكل ما تبرمه الحكومة من اتفاقيات، لن يؤدى إلا إلى استمرار تضرر صورة الدولة المصرية أمام العالم، فقوة الدولة الحديثة تنبع من احترامها للدستور، والفصل بين السلطات. ووجود برلمان قوى، يعنى بكل تأكيد أن هناك حكومة قوية، وعدم الاكتراث بالبرلمان ليس دليل قوة الحكومة، بقدر ما هو دليل واضح للضعف والتخبط!.. اللهم بلغنا.