رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبناء سيناء ومقاومة الاحتلال والإرهاب

 اللواء محمد عبد
اللواء محمد عبد العظيم كيوان

انتهجت بعض وسائل الإعلام خلال الفترة السابقة سياسة التشكيك فى ولاء وانتماء أبناء سيناء، بل واتجه البعض إلى اتهامهم بدعم ومساندة العناصر الإرهابية .. كما طالب بعض النواب بإخلاء سيناء وتهجير أهلها إلى محافظات الدلتا لحين قضاء قوات إنفاذ القانون على الإرهاب، أسوة بما حدث بسكان مدن محافظات القناة عقب نكسة 1967.

وأقول لمن يتبنون سياسة التشكيك والتهجير، كان لا بد لكم من قراءة التاريخ حتى تتعرفوا على عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وبطولاتهم قبل أن تسارعوا بإدانتهم واتهامهم بما ليس فيهم.. وما الدور الذى قام به أبناء سيناء على مر العصور للمحافظة على ترابها وما يقدمه أبناء سيناء حاليًا من دعم ومعاونة لإنجاح الحملة الأمنية للقضاء على الإرهاب، على الرغم من فرض العديد من القيود الأمنية عليهم، لذا لزم التنويه وإلقاء الضوء على بعض ما قدمه أبناء وعواقل وشيوخ سيناء خلال الفترة الماضية ليعلم الجميع دورهم البطولى فى المحافظة على تلك البقعة الغالية من أرض مصر.

خلال الاحتلال الإسرائيلى لسيناء قام أبناء سيناء من شباب وشيوخ، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المصرية فى مساعدة أفراد القوات المسلحة العائدين وإرشاد التائهين والشاردين بعد حرب 5 يونيو 1967 وإخفائهم عن أعين القوات الإسرائيلية، ونقلهم عبر الدروب والوديان حتى قناة السويس، وتجميع البطاقات الشخصية والعائلية الفارغة من مبنى السجل المدنى بالعريش وأختام شعار الجمهورية واستخدامها فى استخراج بطاقات شخصية وعائلية لأفراد القوات المسلحة المصرية، لإيهام السلطات الإسرائيلية أنهم من أبناء سيناء، كما ساعد شيوخ سيناء مجموعات الضباط المصريين العاملين خلف الخطوط الإسرائيلية فى استخراج هويات إسرائيلية لهم بكونهم من أبناء قبائل سيناء، كما قام مشايخ وعواقل سيناء فى احباط مخطط القيادات الإسرائيلية عام 1968، لتدويل سيناء عقب احتلالها وإفشال مؤتمر الحسنة بتاريخ 26/10/1968، والذى دعت إليه اسرائيل كل وسائل الإعلام المحلية العالمية بحضور القيادات العسكرية الإسرائيلية للإعلان عن انفصال سيناء عن مصر وتدويلها بموافقة أهالى سيناء، حيث صرحوا أمام وسائل الإعلام العالمية قائلين: إن هذه الأرض أرضنا مصرية ولن نقبل بانفصالها عن هويتها المصرية، وترتب عليه قيام السلطات الإسرائيلية باعتقال المئات من شيوخ وعواقل وأبناء سيناء لسنوات عديدة.

فى بداية عام 1968 شكل مجموعة من ضباط المخابرات الحربية منظمة سيناء العربية وانضم إليها العديد من أبناء وشيوخ وعواقل سيناء كفدائيين متطوعين وتم تكليفهم بأربعة مهام أساسية للجيش المصرى "جمع المعلومات عن جيش العدو- تصوير مراكز وارتكازات الجيش الإسرائيلى داخل سيناء - والقيام بالعمليات الاعتراضية خلف الخطوط والمواقع المتأخرة - رصد تحركات القوات الإسرائيلية وإبلاغ القيادة المصرية" مما كان له أبلغ الأثر فى نجاح خطة الهجوم المصرية وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين، واستمر تعاون أبناء سيناء مع القيادة المصرية حتى تحرير سيناء.

خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات تعاون شيوخ وعواقل وأبناء سيناء فى كشف العديد من العملاء وشبكات الجاسوسية التى نجح العدو الاسرائيلي فى تجنيدهم لجمع المعلومات الأمنية والاقتصادية عن البلاد، مما أدى إلى فرار العديد منهم داخل الأراضى الإسرائيلية خوفًا من فتك أبناء القبائل بهم.

فى أوائل عام 2002 نجح بعض عناصر النشاط المتطرف من أبناء الوادى من الهروب إلى سيناء، خوفا من الملاحقات الأمنية لهم، وتمكنت تلك العناصر بمساعدة بعض العناصر البدوية من تكوين تنظيم متطرف لم يتم رصده من قبل الأجهزة الأمنية خلال هذا التوقيت، نتيجة اتباع عناصر التنظيم أسلوب الخلايا العنقودية فى تجنيد العناصر المنتمية له وفى إصدار التكليفات لعدم كشف خلايا التنظيم، وأطلق عليه تنظيم التوحيد والجهاد والذى انتهج الفكر التكفيري متأثرًا بفكر تنظيم القاعدة، وقيامه بتنفيذ سلسلة من التفجيرات المتتابعة خلال أعوام 2004/2005/2006 لبعض المنشآت السياحية بجنوب سيناء، تعاون مشايخ وعواقل وأبناء سيناء مع الأجهزة الأمنية فى الكشف عن خلايا التنظيم، وتمكنت الأجهزة الأمنية من القضاء على قيادات التنظيم واعتقال العديد من أعضائه، وتمكن القليل من عناصر التنظيم من الهروب داخل الكهوف والوديان بصحراء سيناء هربًا من الملاحقات الأمنية.

عقب أحداث 25 يناير 2011، استغلت العناصر المتطرفة من بقايا تنظيم التوحيد والجهاد وبعض العناصر المعتنقة للفكر التكفيرى حالة الفراغ الأمنى، وأطلقت عدة موجات من الهجمات على المنشآت العسكرية والشرطية، وقد ساعدهم على ذلك هروب العديد من العناصر المتطرفة من السجون واتجاههم إلى منطقة سيناء، فضلاً عن توفير الأسلحة بكافة أشكالها وأنواعها على إثر أحداث 17 فبراير بدولة ليبيا، وما نتج عنها من تهريب أسلحة مختلفة للبلاد وقطاع غزة، مما دعم من قدرة العناصر الإرهابية فى مواجهاتها مع الأجهزة الأمنية، وزيادة أعدادهم بعد انضمام المئات من العناصر الإجرامية المطاردة جنائيًا لهم، وقد تعاون شيوخ وعواقل سيناء فى رصد تلك العناصر وتحديد هويتها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، ومع قيام الحملة الأمنية للقضاء على تلك العناصر سارع أبناء سيناء شبابها وشيوخها إلى مرافقة القوات أثناء المداهمات لضبط تلك العناصر والقضاء عليها لتجفيف منابع الإرهاب بسيناء.

على إثر تعاون أبناء سيناء مع عناصر القوات المسلحة والشرطة المدنية قامت العناصر المتطرفة بانتهاج سياسة جديدة تجاه أبناء سيناء، تمثلت فى استهداف بعض الرموز من المشايخ والعواقل وأبناء العائلات المتعاونة مع الأجهزة الأمنية وقتل المئات من أهالى سيناء، وحرقت ممتلكاتهم لتعاونهم مع الحملة الأمنية، وقامت الجماعة المتطرفة ببث وقائع تصفيتهم بأساليب عديدة عبر شبكات الإنترنت لإرهاب المواطنين، للحد من تعاونهم مع عناصر القوات المسلحة وعلى الرغم من ذلك ما زال أبناء سيناء يعملون فى خندق واحد مع قواتهم المسلحة.

واستمرارًا لدعم أبناء سيناء لجهود القوات المسلحة فى القضاء على العناصر الإرهابية، قام الأهالي بترك منازلهم وممتلكاتهم بمناطق الشيخ زويد والجورة ورفح والنزوح لمنطقة العريش، لإتاحة الفرصة كاملة لعناصر إنفاذ القانون لتنفيذ مهامهم، فضلاً عن قيام أكثر من 2000 أسرة بإخلاء منازلهم بالشريط الحدودى بمنطقة رفح فى إطار خطة القوات المسلحة للقضاء على الأنفاق مع قطاع غزة، وكذا إزالة آلاف الأفدنة المزروعة بالموالح والزيتون القريبة من الطرق الرئيسية والتى كانت تستغل من قبل العناصر الإرهابية فى الاختباء بها، وزراعة الألغام لاستهداف القوات المتحركة مما ترتب عليه فقد آلاف الأسر لمصدر الدخل خاصتها من جراء إزالة المزارع كونها المصدر الأساسى لإعالة الكثير من العائلات.

جدير بالذكر أنه على الرغم من المعاناة المادية والمعنوية والأمنية التى يلاقيها أبناء سيناء منذ بدء الحملة الأمنية بشمال سيناء وسقوط مئات الشهداء من أبنائهم خلال هذه الفترة، فإنهم حتى الآن يقفون صفًا واحدًا خلف قواتهم المسلحة فى سبيل القضاء على الإرهاب وعودة الاستقرار الامني بها.

إن أبناء سيناء لهم مواقف عديدة يشهد لها التاريخ فى المقاومة والفداء ودور حيوى واستراتيجى مع القوات المسلحة فى مقاومة الاحتلال والإرهابـ وقد نال المئات من أبناء سيناء (775 فردًا) نوط الامتياز من الطبقة الأولى من السيد رئيس الجمهورية، تقديرًا لأعمالهم البطولية، الأمر الذى يتطلب قيام وسائل الإعلام بالكف عن المهاترات الإعلامية والبعد عن سياسة التشكيك تجاه ولاء وانتماء أبناء سيناء، مع ضرورة عرض النماذج والبطولات المشرفة لهم إعلاميًا لتغيير الصورة التى أصبحت عالقة فى أذهان معظم المصريين.