رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور تخترق مافيا بيع رسائل الماجستير والدكتوراه فى 4 جامعات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: إسلام الشرنوبي _ سمر مدحت _ هايدي حمدي _ رمضان حسن _ أميرة خالد _ ياسر السيد

ليس عليك إلا أن تدفع ما بين ٨ و٢٠ ألف جنيه إذا كنت مصريًا لتصبح حاملًا «رسالة علمية» يمكن أن تتقدم بها لنيل درجتى الماجستير أو الدكتوراه.. هذا ماتوصلت إليه «الدستور» عبر تحقيق ميدانى شمل مجموعة من الجامعات المصرية ومكتبات حولت الدرجات العلمية إلى «بيزنس» فى غياب أشكال الرقابة الحكومية.

 

وتكشف «الدستور» فى تحقيقها تورط أساتذة فى جامعات مصرية ومكتبات فى بيع رسائل ماجستير ودكتوراه لطلاب مصريين وأجانب، يحصلون بموجبها على الدرجة العلمية دون حق، ما يهدد سمعة الدرجات العلمية التى تمنحها تلك الجامعات.

 

وجاء توثيق هذه الحالات خلال جولات أجريناها فى 4 جامعات مصرية مختلفة للاتفاق على شراء رسائل ماجستير ودكتوراه، وتمكنا بالفعل من توثيق اتفاقيات فى جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر والمنوفية، وكان فريق التحقيق شاهدًا على اتفاقيات بين بعض الطلاب الخليجيين وأصحاب مكتبات لتجهيز رسائل الدكتوراه والماجستير المتفق عليها.

 

الماجستير بـ15 ألفًا والدكتوراه بـ20

البداية من جامعة القاهرة، وتحديدًا شارع «بين السرايات»، الذى يحوى بين جنباته عددًا كبيرًا من المكتبات، التى لن نبالغ إذا ما قلنا إن جميعها تتاجر فى الرسائل العلمية علناً، حتى إن بعضها يعلق لافتة مكتوبًا فيها: «يوجد لدينا إعداد الرسائل العلمية»، وهو ما رصدناه بالصور فى أكثر من مكتبة.

 

وعقدت محررة «الدستور» اتفاقًا مُسجلًا لشراء رسالة دكتوراه، بعدما ادعت أنها تخرجت فى كلية الآداب- قسم جغرافيا بجامعة القاهرة منذ عامين، وتريد أن تحصل على درجة الدكتوراه للالتحاق بعمل خارج البلاد.

 

وطبقاً للاتفاق، قال مسئول فى مكتبة نحتفظ باسمها ونكتفى بالأحرف الأولى «ب. أ» أمام الجامعة، إن تكلفة الرسائل العلمية تختلف من تخصص إلى آخر، وحسب «عمولة» الدكتور الذى سيعدها، مشيرًا إلى أن «الماجستير» يبدأ من 10 إلى 15 ألف جنيه، و«الدكتوراه» من 15 إلى 20 ألف جنيه.

 

وأرجع ارتفاع التكلفة إلى قصر الوقت الذى يعد فيه الدكتور الرسالة العلمية، الذى لن يتجاوز عامًا واحدًا، لأنه يكون متخصصًا فى المجال، بما يوفر الوقت والجهد والتكاليف على طالب الرسالة، مشيرًا إلى أن الدكتور الجامعى الذى يعدها لا يظهر نهائيًا، خوفًا على سمعته، وإمكانية فصله من الجامعة، خاصة أن العملية غير قانونية.

 

وبحسب المسئول فإن الدكتور مُعد الرسالة يقدم عنواناً لها مقابل 5 آلاف جنيه، يعرضها طالب الرسالة «محررة الدستور» على دكتور جامعى ثان هو «المشرف على الرسالة»، الذى لا يعرف الطريقة غير الشرعية التى جرى الحصول عليها من خلالها، ومن ثم يخبرها بأى تعديلات مطلوبة، التى يجرى نقلها إلى الكاتب الأصلى للرسالة، حتى الوصول للتعديل النهائى، وشرح الفصول الواجب مذاكرتها للطالبة، استعدادًا للمناقشة.

 

ورفض مسئول المكتبة فى البداية الإفصاح عن أسماء الأساتذة، بدعوى أن الأمر يجرى فى سرية، لكنه عرض على محررة «الدستور» أن يعدها دكتور يُدعى «م. ط».

 

وتدخل مسئول ثان بالمكتبة، فى الحديث الدائر للاتفاق مع «المحررة»، وقال إن «أغلب أساتذة جامعة القاهرة عملاء لدينا، وينفذون جميع الرسائل العلمية»، مشيرًا إلى أن بعض رؤساء الأقسام يتعاملون مع أبناء الخليج فقط، لأن أسعارهم مرتفعة للغاية تصل إلى 5 آلاف دولار.

 

ويتحايل أصحاب المكتبات على القانون بطرق عديدة، من بينها ما كشفه «ر»، أحد سماسرة بيع الرسائل العلمية بجامعة القاهرة، وقال: «نعلق لافتات مكتوبًا عليها: طباعة الرسائل العلمية، وليس بيع أو اعداد، باعتباره نشاطًا مشروعًا».

 

ومن «ب. أ» إلى مكتبة «و»، حيث التقت محررة «الدستور» بـ«ر. م»، والذى اتفقت معه على شراء رسالة ماجستير بـ8 آلاف جنيه، مدعية أن أهلها يضغطون عليها للحصول على «الماجستير» و«الدكتوراه»، لأن العائلة بالكامل حاصلة على درجات علمية.

 

واتفقت المحررة على أنها ستكون الممول فقط، فلن تقدم خطة أو موضوعًا، وهو ما عرض صاحب المكتب تقديمه لها بكل سرور، ويصبح دورها تقديم المبلغ المتفق عليه والإجراءات الرسمية فقط من تسجيل الرسالة، والمتابعة مع المشرف فقط.

 

وحاولت «الدستور» التواصل مع الدكتور جابر نصار، رئيس الجامعة، للحصول على رد منه، وإرسال رسالة نصية توضح له طبيعة التحقيق، إلا أنه رفض الرد.

 

من جانبه قال الدكتور عمرو عدلى، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، إن التقصير فى تلك الحالة يكون من الدكتور المُشرف على الرسالة؛ لأنه المنوط بمتابعة مقدم الرسالة بشكل دورى، والإشراف المباشر على فهمه كل ما فيها، وكيفية حصوله على المعلومات.

 

وأوضح «عدلى» لـ«الدستور»، أن لجنة الأمانة العلمية بالجامعة هى المنوط بها التصرف فى حال رصد مثل تلك الوقائع، التى قد تصل العقوبات فيها إلى حد فصل الدكتور المتورط فيها، وحرمانه من التدريس نهائيًا فى أى جامعة، وتحويل الطالب إلى لجنة تأديب وحرمانه من الدرجة العلمية التى كان يريدها.

 

وأشار إلى أن الجامعة لم ترصد وقائع تورط أساتذة من داخلها فى تلك العمليات، لكن لجنة الأمانة العلمية رصدت حالة أو اثنتين لطلاب ارتكبوها من الخارج، وجرى التعامل معهما وفقًا للقانون، رافضًا الإفصاح عن تفاصيل تلك الوقائع، بدعوى أنها ليست للنشر فى الإعلام.

 

«الأعلى للجامعات»: لم نرصد أى وقائع حتى الآن

أما المجلس الأعلى للجامعات، فشدد رئيسه الدكتور أشرف حاتم، على أن أى شخص يثبت تورطه فى عمليات تجارة الرسائل أو السرقة العلمية سيتم التعامل معه قانونيًا، ومن الممكن أن تصل عقوبته إلى حد فصله من الجامعة، ومنعه من مزاولة المهنة مرة ثانية.

 

وأشار إلى أن هناك مشروعا سيتم بالتعاون مع وزارة البحث العلمى وبنك المعرفة، عن طريق استخدام المستودع الرقمى لرسائل الماجستير والدكتوراه، للتأكد من قيام صاحبها بها، مؤكدًا أن المجلس لم يرصد إلى الآن مثل تلك الوقائع.

 

عين شمس.. الاستعانة بـ«رسائل الأموات» والورقة بـ5 جنيهات

تنتشر المكتبات المتخصصة فى بيع «ملخصات» المواد الدراسية بكليات جامعة عين شمس، فى واجهة الشارع المعروف بين الطلاب بـ«شارع آداب». بحثت بينها «الدستور» عن مراكز متخصصة فى كتابة الرسائل العلمية، حتى توصلنا لأحدها، ويدعى «ب»، وهو مختص بإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه.

 

أطلعنا أحد مسئولى المركز عن رغبتنا فى الحصول على رسالة دكتوراه جاهزة، ونيتنا دفع أى مبلغ مالى فى سبيل ذلك، فأعلن موافقته، وبدأ البحث فى جهاز كمبيوتر أمامه، قبل أن يشير إلينا قائلًا: «لدينا رسائل علمية جاهزة، تباع بالورقة، وسعر الورقة 5 جنيهات. تحصل عليها على صيغة ملف word»، مشيرًا إلى أن رسائل علمية جرت مناقشتها بالفعل، لكن فى جامعات بعيدة عن جامعة عين شمس، وأصحابها توفوا منذ زمن بعيد، مضيفاً: «نعطيك نسخة مطبوعة منها أيضا كهدية».

 

وشرح مسئول فى مكتبة طريقة الحصول على الرسائل، والمراحل التى تمر بها، بعد اتفاقنا معه على شراء واحدة، وقال: «البداية تكون بتسجيلك فى الكلية، والمشرف يشرح لك أكثر من موضوع، ويطلب منك شراء كتابه، وبعدها تأتى لى هنا لإجراء خطة البحث»، لافتاً إلى أن المحاسبة تكون وفق سعر طباعة الورقة العادية التى تصل 5 جنيهات، لافتًا إلى أنه «فى أماكن أخرى يتم استغلال الطلاب بطلب 50 أو 100 جنيه، وتجد فى النهاية أن خطة البحث ورقتان فقط».

 

سألناه عن ضمانة الحصول على درجة الماجستير دون الوقوع فى «عثرات» مع لجنة المناقشة، وقال: «دورك أن تكون وسيطاً بيننا وبين المشرف، فأى تعديل يطلبه منك تخبرنا به، وفى النهاية بعد الانتهاء من الدراسة بالكامل يعطيك تأشيرته تسمى الإجازة، وهى تعنى حصولك على الدرجة، مهما كانت نتيجة المناقشة، أو العثرات التى ستقابلها أثناء المناقشة».

 

وأرشدنا مسئول المكتبة إلى «أ»، وقال عنه: «محترف فى جلب الرسائل العلمية، ولا يتعامل سوى مع العرب، لأنهم يدفعون أكثر. لا أعتقد أنكم تستطيعون دفع ما يريده، فرسالة الماجستير عنده تصل إلى 20 ألف جنيه، والدكتوراه من 50 إلى 100 ألف»، لافتًا إلى أن دوره هو السمسرة فقط، وتصل عمولته إلى ما يقرب من 5 آلاف جنيه، وطالبنا بالبحث عنه فى إحدى المكتبات التى نحتفظ باسمها أيضًا.

 

بالوصول إلى «أ» فى مكتبته، والكشف عن رغبتنا فى الحصول على رسالة علمية، قال: «تحتاجون مبالغ كبيرة ممكن تصل 5 آلاف دولار».

 

وبالتواصل مع الدكتور عبدالوهاب عزت، رئيس جامعة عين شمس، للتعليق على تلك الوقائع، نفى وجودها فى الجامعة، وقال باقتضاب: «مجلناش حالات بالشكل ده، ولما يجيلنا شكاوى نبقى نتصرف». وبعد مواجهته بالاتفاقات التى عقدها فريق التحقيق، قال: «روحوا اشتكيهم».

 

الأزهر.. بيع رسائل لـ«خلايجة» لمناقشتها فى بلدانهم

من جامعتى القاهرة وعين شمس إلى جامعة الأزهر، حيث تقمصنا دور خريجين يريدون الحصول على رسالة الماجستير بإحدى كليات الجامعة، وقادنا أصحاب مكتبات هناك إلى مركز متخصص فى ذلك، الذى كشف أن الرسالة التى يمكنه الحصول عليها تستغرق عامين، وبرفضنا طول هذه المدة أرشدنا إلى مركز يختصر تلك المدة.

 

على مقربة من جامعة الأزهر يقع مركز «ت»، وبسؤال صاحبه «ر. ر» عن إمكانية الحصول على رسالة ماجستير بأحد تخصصات الإعلام، قال: «ممكن نصور لحضرتك رسالة ونجبهالك، الرسايل دى بتبقى قديمة من التسعينيات محدش هياخد باله، يعنى اللى ناقشوا الرسالة دى ماتوا من زمان، وأمين المكتبة بيجبلى رسايل قديمة من أرشيف الجامعة بصورها».

 

وأضاف: «اللى أنا متأكد منه إن أشخاصًا من دول الخليج بتيجى تعمل رسائل ويناقشوها هنا، وبيدفعوا مبلغ كبير مقابل الرسالة. منهم ناس بيشتروا رسائل جاهزة ويروحوا يناقشوها فى بلدهم».

 

وتمكنت «الدستور» من الوصول إلى «أحد أفضل معدى رسائل الماجستير والدكتوراه بجامعة الأزهر»، حسب ما أكد مسئولو المكتبات، واتفقنا معه على إعداد رسالة ماجستير، فى تخصص الإعلام، وقال مروجاً لنفسه عند الاتفاق: «بقدر أعمل الرسالة من الفكرة للتنفيذ، وممكن كمان أحضر رسالة قديمة، وأستعين بمضمونها وأعدلها لتتماشى مع عنوان الرسالة الجديدة»، مشيرًا إلى أنه يستعين بمصادر جديدة فى تلك الرسائل.

 

وعند سؤاله عن كيفية الدخول إلى مكتبات الجامعات للحصول على مصادر أبحاث جديدة، كشف أنه استخرج «كارنيه» جديدًا لدخول الجامعة.

 

وعن المقابل الذى سيحصل عليه بعد انتهاء الرسالة، قال: «لو أنا اللى هقوم بالليلة كلها مش هيقل عن 10 آلاف جنيه، وعلى حسب موضوع الرسالة، سهلة ولا صعبة»، ضاربًا المثل برسائل كلية التجارة: «كلية صعبة لعدم وجود مصادر داخلها».

 

وعلى بعد أمتار يقع مركز «هـ»، الذى قال مسئولوه والعاملون فيه إنهم أعدوا رسائل دكتوراه لطلاب من كليات الزراعة والطب البيطرى وطب الأسنان، مدعين أن «آخر رسالة أعدوها أخذت دكتوراه مع مرتبة الشرف».

 

سألناهم إذا ما كان باستطاعتهم إيصالنا بأحد أعضاء هيئة التدريس الحاصلين على تلك الرسائل فقال: «لا أستطيع.. الأمر سرى للغاية، وإذا كان لديك شك أو تخوف من النصب عليك يمكن تدفع بعد اتمام الرسالة»، لافتًا إلى أن الأسعار تختلف بحسب عدد العاملين على الرسالة، وتتراوح ما بين 8 آلاف و 25 ألف جنيه.

 

وأشار إلى أنه لن يجرى أى شىء فى الرسالة دون ابلاغنا اولاً، فمثلا لو البحث احتاج إحصاء سيخبرنا بذلك وبتكلفته.

 

وحول مدى إمكانية الحصول على تقدير مرتفع عن رسالة الماجستير والدكتوراه أجاب: «أعد دراسات ممتازة، لكن التقديرات تعتمد على اختيارك للمشرفين على الرسالة، لذلك يمكن سؤال أصدقائك عن أفضل المشرفين فى التقديرات».

 

وعلق الدكتور أحمد زارع، المتحدث الإعلامى بجامعة الأزهر، على تلك الوقائع بقوله: «الأزهر من أكثر الجامعات التى ينضبط فيها البحث العلمى، ويصل الأمر بها إلى حد التعسف، بعكس بعض الجامعات الأخرى».

 

وأشار إلى أنه يتم اكتشاف الأمر بسهولة، ومن ثم رفض الرسالة بصورة نهائية، مضيفًا: «لو تم ضبط أى مواد مسروقة دون الرجوع إلى مصادرها يكتب المشرف تقريرًا ويحول الباحث إلى التحقيق، وشطب الرسالة العلمية».

 

وتابع: «لو تم ضبط رسالة مر على مناقشتها أكثر من 20 عامًا، واتضح أنها مسروقة، سيجرى تشكيل لجنة متخصصة بخلاف لجنة المناقشة، لفحص الرسالة، وبناءً على قرارها يجرى شطب الرسالة حال ثبوت السرقة»، موضحًا أن هناك قانونًا فى الجامعة ينص على أنه «إذا كان الباحث معينًا فى الجامعة او الدكتور معينًا فى الجامعة ورقى إلى درجة أستاذ مساعد ورقى بأبحاث مسروقة تشطب منه الدرجة ويدفع جميع المبالغ التى دفعت له منذ ترقيته إلى أن تم شطب الدرجة».

 

ونوه إلى أن الجامعة طبقت القانون سابقا على أحد الاساتذة ثبت أنه سرق الدكتوراه التى رقى على أساسها فى إحدى كليات الأقاليم، وسحبت منه الدرجة العلمية، ودفع المقابل المادى الذى تلقاه من وقت ترقيته إلى وقت سحب الدرجة.

 

وذكر أن الباحثين من الدول الأخرى، الخليجية وغيرها، تتطبق عليهم نفس إجراءات الباحث المصرى، وأن قانون الجامعات يطبق على الكل، وقال: «ليس للجامعة أن تعرف إذا ما كان هذا الباحث هو معد الرسالة أم غيره. ما يهم هو الإطار العلمى لها».

 

في المنوفية البيع علنى.. وأصحاب المكتبات: «سيب الدكاترة علينا»

لا يختلف الحال كثيرًا فى جامعة المنوفية، التى تشهد أغلب كلياتها بيع رسائل الماجستير والدكتوراه، وتعلن أغلب المراكز والمكتبات الموجودة بجوار مجمع الكليات بالجامعة عن بيع رسائل الماجستير علانية تحت عنوان «إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه».

 

ويعلن مركز «ف. أ. ب»، عن تقديم خدمات المساعدة فى إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه فى الكليات الأدبية الموجودة بمجمع الكليات.

 

ويعتبر المركز من أكبر المراكز الموجودة بالمنوفية، وينوه مديره إلى وجود كادر عمل مؤهل من حملة شهادة الدكتوراه فى تقديم المساعدة، إما بتقديم اقتراحات فى اختيار عنوان البحث أو عمل ملخص للدراسات السابقة، أو المساعدة فى إعداد وكتابة الرسالة أو المشروع بمقابل مالى.

 

وعقد محرر «الدستور» اتفاقاً مع مسئولى مركز «م»، على شراء رسالة ماجستير فى القانون الجنائى، وقال «م. ص»، أحد العاملين هناك، إنه «المركز» ملك شخص يحمل درجة الدكتوراه. وعرض «صلاح» إعداد الرسالة، وتقديم الفكرة وإجراء جميع الأبحاث، مقابل 8 آلاف جنيه.

 

وذكر أن المركز يضمن النجاح والحصول على الدرجة، وعبر عن ذلك بقوله: «هتعدى ازاى ده بتاعتنا وبطريقتنا»، مضيفاً: «الدكاترة كلهم حبايبنا، وهشوف لك دكتور يخلصها بس هتكلفك شوية، لأن الدكتور لوحده بياخد 2000جنيه».

 

أما درجة الدكتوراه، فأكد أنها تختلف، بحسب الدكتور المشرف عليها، فهناك بعض الأساتذة يتعاملون بالرسالة والدكتوراه ككل، من بداية طرح الفكرة، وإجراء الأبحاث، إلى الحصول على شهادة الدكتوراه، مضيفاً: «لو انت عامل الماجستير، وهتعمل الدكتوراه، هنشوف الدكتور وهنتكلم معاه. إحنا نتواصل مع لجنة المناقشة، وبنعرف الأسئلة قبلها».

 

وتواصل محرر «الدستور» مع صاحب المركز، على أنه صديق لطالب كويتى يريد الحصول على رسالة الماجستير، والاتفاق معه على تكاليف وإجراءات الرسالة، فقال: «هتتكلف فى حدود ألف دينار كويتى.. هظبط له اللجنة فى امتحان الدبلومات وهينجح».

 

واتفقت «الدستور» كذلك مع مركز «ن» الموجود بنفس الشارع، وتحديدًا مع صاحبه، ويدعى دكتور «م. خ»، الذى جرى الاتفاق معه على رسالة الماجستير فى القانون الجنائى مقابل 17 ألف جنيه، إلى جانب «تكلفة الدكتور» مقابل قبول الرسالة والتساهل مع الطالب.

 

ويلقى سوق بيع رسائل الماجستير والدكتوراه لطلاب الخليج رواجا ملحوظا وكبيرا فى هذه المراكز، التى تضع قائمة واحدة لطلاب الخليج للحصول عليها مقابل 6 ألاف دولار.

 

من جانبه، استنكر الدكتور عبد الجواد ربيع، رئيس قسم الإعلام بكلية آداب المنوفية، عضو عدد من لجان مناقشة الدكتوراه فى جامعات عديدة، تصرفات هذه «المافيا التى تبيع العلم وتدمر البحث العلمى»، داعيًا الدولة للتدخل ووقف هذه الجرائم التى تعد «أمن قومى»، لافتًا إلى أن الجامعة ستنظم مؤتمراً فى أبريل لمناقشة هذا الملف الخطير.

 

فيما قالت الدكتورة نادية القاضى، أستاذ الصحافة بالقسم، المشرفة على العديد من رسائل الماجستير، إن هناك بعض الطلاب يقدمون رسائل مسروقة من بعض الكليات الأجنبية، ومعلومات غير موثقة، وهو ما جرى رفضه.

 

وأضافت: « من أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة، عدم وجود قاعدة بيانات ومعلومات للرسائل والبحوث التى نشرت فى الجامعات الأخرى أو للبحوث الأجنبية التى نشرت سابقا، والسماح للأساتذة المساعدين والمدرسين بالإشراف على الرسائل العلمية».

 

«التعليم العالى»: نحتاج لقانون يجرم السرقات العلمية

لم يبق أمام فريق التحقيق سوى مواجهة مسئولى وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بكل ما وثقناه من وقائع، وجاء الرد على لسان الدكتور عادل عبدالغفار، المتحدث الإعلامى باسمها، الذى قال: «الوزارة لم تضبط أى أساتذة متورطين فى ذلك».

 

وأوضح أن هناك فارقا كبيرا بين المساعدة العلمية والسرقة، فالباحث من الممكن أن يستعين بمراجع ورسائل سابقة فى تحضير رسالته الخاصة، لكن شراؤه رسالة علمية كاملة هى سرقة كاملة لمجهود آخر أيًا كانت هويته؛ نظرًا لأن هناك أمانة علمية تحتم عليه نسب المجهود لصاحبه.

 

وأشار إلى أن تلك التجارة غير شرعية ومُخالفة للوائح وليس للقانون، لأنه لا يوجد قانون مصرى خاص بالسرقة العلمية أو تجريم مثل هذه التجارة، وقال: «نحتاج قانونا يغلظ عقوبة السرقة العلمية، لأن المكاتب لا تتبع الجامعات بشكل رسمى».

 

وبمواجهته بالوقائع التى وثقها التحقيق وأسماء الأساتذة المتورطين، شدد على أنه فى حال وجود دليل مادى دامغ على تورط أسماء بعينها فى «بيزنس» الرسائل العلمية، ستكون للوزارة إجراءات رادعة تصل إلى فصل المتورط من الجامعة، حتى ولو كان رئيسها.

 

مراكز «أون لاين».. الاتفاق على «فيسبوك» والمقابل حسب التخصص

لم يكن البحث عن مكاتب بيع الرسائل أمرا صعبا عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، فبمجرد كتابة «رسائل ماجستير ودكتوراه» فى محرك البحث الخاص بالموقع ظهر العديد من الصفحات، كان أولاها صفحة «عمل رسائل وأبحاث ماجستير ودكتوراه كاملة فى كل التخصصات»، التى توفر حسب ما كتبه أدمن الصفحة جميع الخدمات الخاصة بالرسالة، بداية من العنوان أو الفكرة. وتحمل الصفحة عددًا من وسائل التواصل، كان منها رابط لموقع إلكترونى حمل اسم «مركز أبحاثنا» ويضم الموقع، عددا من الأقسام منها «عناوين رسائل ماجستير ودكتوراه جديدة».

 

ويعلن المركز استعداده لتقديم 5 عناوين لرسائل ماجستير ودكتوراه جديدة تماماً بمقابل مادى يتم الاتفاق عليه، دون تحديد هذا المقابل، ويجرى التنفيذ خلال 4 أيام من تاريخ سداد المبلغ فى مقر المركز بحى الدقى فى الجيزة.

 

ويضم الموقع قسمًا تحت عنوان «خطة البحث»، وفيه يضع المركز عددًا من الخطط البحثية كنماذج مبدئية، ويعرض على رواده خطة البحث بمقابل مادى غير محدد، على أن يجرى تسليم نصف المبلغ قبل العمل على الخطة وباقى المبلغ مع استلام العمل، على أن يتضمن العمل قائمة مراجع حديثة.

 

وداخل قسم «التعريف بخدمات الموقع»، يشير المركز إلى وجود تعاون مع نخبة متميزة من الباحثين والمتخصصين وأعضاء هيئة تدريس فى مصر وعدد من الأقطار العربية، ويؤكد سرية الخدمة المقدمة بجملة «شعارنا: الدقة- الالتزام- السرية».

 

ومن «أبحاثنا» إلى «الأفضل»، وهو مركز فى العاشر من رمضان وله فرع بجامعة القاهرة بجوار باب كلية تجارة طبقاً للإعلان المنشور على أحد المواقع الإعلانية، وبتتبع الإعلان وجد أن صاحبه يدعى «م. ع». وطبقاً للإعلان فإن المركز يقدم رسائل فى تخصصات: «مناهج وطرق تدريس، ونحو وصرف، وتاريخ، وهندسة مدنية، وهندسة الحاسب، وهندسة ميكانيكا، وهندسة سيارات، وفنون تطبيقية، وفنون جميلة، وفقه وشريعة، وإعلام، وقانون جنائى، وقانون بحرى، وقانون نووى، وقانون مدنى، وإدارة، ومحاسبة، وموارد بشرية، وطب أسنان، وجراحة، وصيدلة، وتمريض، وفلسفة، وعلم نفس، ودراسات اجتماعية، وكيمياء».

 

وفى اتصال مسجل قال «م. ع»، لمحررة «الدستور» التى طلبت المساعدة فى تسجيل رسالة بتخصص «طرق تدريس»: «سجلى فكرة الماجستير أولاً ثم أحضرى الفكرة لأعدها مقابل 8 آلاف جنيه»، وذلك دون تحديد مدى زمنى، وترك تحديد المدى الزمنى لحين تسجيل الفكرة ومعرفة مدى صعوبتها.