رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بيوت الأشباح».. 4 رؤساء حكموا مصر من هنا

صورة تعبيريه
صورة تعبيريه

من الجزيرة إلى منشية البكرى إلى مصر الجديدة إلى الجيزة ثم المقطم.. خمسة رؤساء، وخمسة مقار لحكم مصر، خلال ستة عقود. ذهب الرؤساء، لكن ماذا بقى فى دور الحكم؟.. «الدستور» استطلعت الأحوال فى خمسة منازل، كانت شاهدة على إدارة مصر، بدءا من مبنى مجلس قيادة الثورة، إلى مكتب إرشاد الجماعة الإرهابية، مرورا بمنزل الرؤساء جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسنى مبارك. رغم تباين مواقعها، إلا أن هذه المنازل الخمسة اشتركت فى مهمة ثقيلة، هى «حكم مصر»، مرت السنوات وبقى التاريخ راسخًا فى الأذهان وفى القلوب، لكن الأماكن لم تبق على سجيتها، فمنها ما جدد رونقه وعاد إلى تألقه مرة أخرى، ومنها مازال ينتظر عودة الروح إليه مرة أخرى كما كان فى الماضى، ومنها ما ذهب إلى الجحيم وظل فى حالته السيئة وكأن لعنة القدر أصابته ليصير بيت رعب فى نظر المواطنين، ومنها ما صار مكانا يلتقى فيه العشاق للبوح بمشاعرهم.


مبنى «قيادة الثورة».. كهف الملوك يتحول إلى «خرابة»

«مبنى مجلس قيادة الثورة».. المكان الذى شهد حقبا تاريخية متباينة حافلة بالأحداث، بدأت بنشأته على يد الملك فاروق عام 1949، حيث صُمم على الطراز المعمارى اليونانى القديم، ليصبح مبنى سكنيًا يضم 3 أدوار و40 غرفة، تم إعداده ليكون مرسى للسفن واليخوت الملكية، إلا أن قيام ثورة 52 قلب الأحداث رأسًا على عقب حين استولى عليه الضباط الأحرار يوم 23 يوليو.

فى منتصف الشارع المؤدى للمجلس، يقف «عم جمال»، على عربته، يُعد «الساندويتشات» لزبائنه الذين يمازحونه، بما يشير لأنهم اعتادوا عليه، واعتاد عليهم. عاصر الرجل الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، حيث مضى أكثر من 50 عاما على بقائه فى الشارع، كان يأتى كل يوم برفقة والده الذى ورث عنه عربة «الساندويتشات»، ومنها استطاع أن يتزوج ويُلحق أبناءه بالتعليم.

يقول الرجل السبعينى: «كنت بقف مع أبويا على العربية، وشوفت عبدالناصر والضباط الأحرار، وفاكر يوم الثورة كويس، أبويا كان فرحان وقتها وأنا مكنتش فاهم حاجة غير إن اللى بيحصل حاجة حلوة لمصر، وعبدالناصر كان دايمًا بيمشى فى الشارع وبيسلم على الناس ويحييهم، كنت بحبه أوى وكان عارفنى وكان بيفضل يبصّ لى ويبتسم، أما المبنى فكان أجمل ما يمكن، لكن دلوقتى اتغير وحتى مفيش ميزانية إنهم يكملوا الترميم بتاعه عشان يبقى مزار سياحى».

على الرصيف المواجه للشارع الذى يقع فيه مبنى قيادة الثورة، يجلس «خالد محمد» بائع الكتب الذى قضى 45 عامًا فى الشارع، ترسخت بذاكرته بعض الذكريات التى ارتبطت جميعها بالسادات، حيث يتذكر جيداً الموكب الذى كان يمر فيه، كما علقت بذهنه تفاصيل المكان قديمًا، حيث كان له رونقه الخاص، ويتذكر كوبرى قصل النيل الذى كان ممشى لقيادات مصر وطبقة الأغنياء، مؤكدًا أن شارع قيادة الثورة لم يرتبط برؤساء مصر فقط، بل كان يمر منه كبار الأدباء، أبرزهم الراحلان أنيس منصور ونجيب محفوظ، كما تردد عليه الفنان الراحل أحمد مظهر، وكانوا جميعًا يحبون شراء الكتب منه.


منزل عبدالناصر.. متحف قومى على اسم الزعيم
لحظات مصيرية كُتب لها أن تُحفر على جدرانه، وأجواء احتفالية لمعت فوق سمائه فى ليال سعيدة، حيث زاره العديد من رؤساء وزعماء العالم، وفيه أقيمت اجتماعات مجلس قيادة الثورة، ولمع فيه صوت العندليب الأسمر، الذى تسلل إلى أرجاء المنزل وظل يسكن فيه حتى اليوم، وصوت كوكب الشرق وهى تغنى «مبروك عليك يا معجبانى يا غالى» للفنانة شريفة فاضل.

إنه منزل الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، بمنطقة منشية البكرى، الذى كان يدير منه حكم مصر، تحول حديثَا إلى متحف قومى يحمل اسمه، تبدو الأجواء هادئة أمام المتحف، على باب المتحف يجلس رجل شرطة على مكتب صغير وإلى جواره رجل آخر يعمل بوزارة الثقافة، على جانبى الشارع عمارات عديدة يستكمل فيها العمال بعض أعمال البناء وسط ضجيج ومشاجرات لا يتوقفان، فى الشارع المؤدى إلى «متحف جمال عبدالناصر» والذى يبدأ من نهاية سور نادى «هليوبوليس»، يجلس «عم محمد البواب» صاحب الـ70 عامًا، والذى تهللت أساريره بمجرد الحديث عن منزل جمال عبدالناصر قديمًا.

يؤكد الرجل السبعينى أن جميع العمارات الموجودة فى الشارع حاليًا لم يكن لها أثر أيام عبدالناصر، باستثناء فيلا قديمة أمام المنزل على الجانب الأيسر، أما الجانب الأيمن فكان مبنى لحراسة الرئيس والسكرتارية.

بيت السادات تحت حصار «قبلات العشاق»
1 شارع كافور بالجيزة، من هنا حكمت مصر قرابة العشرة أعوام، حيث منزل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى اختاره بنفسه فى مطلع فترة السبعينيات على ضفاف النيل ليصبح فيما بعد لأسرته التى تتكون من زوجته وأبنائه وأحفاده.

يقع المنزل فى شارع جانبى يربط بين شارع النيل وشارع الجيزة، وهو عبارة عن فيلا تتكون من ثلاثة طوابق ويوجد أمامها مهبط طائرة الهليكوبتر الشهيرة الخاصة بالزعيم الراحل، ويلاحقه متحف الفنان محمود خليل، الذى فُتحت أبوابه للعامة عقب وفاة الرئيس السادات، حيث كان يتم إغلاق الشارع من الجانبين للاحتياطات الأمنية.

بمجرد المرور أمام المنزل وتحديدًا بشارع النيل، الذى يشتهر بين المواطنين بشارع «العشاق»، نجد تغيرا فى كل شىء بسبب اختلاف التركيبة السكانية فما كان محظورًا صار مباحًا، فالشارع الملىء بالكافيهات والبواخر النيلية، أصبح معروفا بأنه مكان مناسب للقاءات الغرامية وهو سبب شهرة الشارع الذى يطغى عليه طلبة المدارس والجامعات، حتى مهبط طائرات الزعيم الراحل لم يسلم منهم.

«ع. خ» سايس سيارات يقول: «زوجة الرئيس الراحل السيدة جيهان السادات وأبناؤها وأحفادهم لسه قاعدين فى البيت لحد دلوقتى، وبيتعاملوا معانا بكل ود واحترام وبالذات المهندس جمال السادات مش بيبخل أبدًا بمساعدة محتاج فى العيد أو أى مناسبة».

عمارة مبارك.. الوقوف «محظور» والتصوير «ممنوع»

سيارات شرطة تغمر المكان، تمنحه طابعا أمنيا خاصا، تبدو الشوارع فارغة للوهلة الأولى، إلى أن يأتى موعد انصراف مدرسة «الشهيد يحيى الرافعى» يكتظ الشارع بالطلاب.

لا يترك رجال الشرطة الفرصة لأحد بأن يطيل وجوده هناك، فإذا وقف أحدهم على الرصيف المجاور للمنزل لضرورة ما، يبادرون بقولهم «الوقفة هنا غلط يا أستاذ» ويطالبونه بالانصراف.

بالقرب من شارع العروبة بمنطقة مصر الجديدة يقع منزل «حسنى مبارك»، تلك المنطقة التى يقطن بها العديد من السياسيين والدبلوماسيين والوزراء وكبار رجال الدولة، ويبدو ذلك واضحًا فى الأجواء التى تغمرها، فالسكان إما فى منازلهم أو مكان عملهم، ونادرًا ما تجد أحدا يسير على قدميه، بينما يستقر البوابون أمام العمارات طوال الوقت.

يقول «سيد. م» ذو الـ69 عامًا، مؤكدًا أنه رأى سوزان مبارك منذ أسابيع قليلة تنقل بعض الأثاث من المنزل، وسط حراسة مشددة، ولم يستمر ظهورها طويلاً حيث لمحها صدفة.

مكتب الإرشاد.. من مقر للتآمر على البلاد إلى «بيت رعب»

«ارحل يا خروف، المتغطى بالأمريكان عريان، يسقط حكم المرشد» عبارات عديدة نُقشت على جدران مبنى متفحم ومهجور، هذا هو كل ما تبقى من مقر جماعة الإخوان المسلمين بشارع ١٠ بالمقطم بعد مرور أربعة أعوام على رحيلهم عقب ثورة ٣٠ يونيو، وبمجرد المرور من أمام هذا المبنى الذى أصبح فى حوزة النيابة العامة عقب صدور قرار التحفظ على أموال الجماعة، لن يصدق أحد أن حكم مصر كان يدار من هذا المكان.

جاءت ثورة ٢٥ يناير ليقوم أعضاء الجماعة الأرهابية بنقل المقر القديم لمكتب الإرشاد بمنطقة المنيل إلى هذا المقر الجديد بعد شرائه وتطويره من شخص يدعى المهندس مجدى، كان المكان عبارة عن فيلا سكنية ذات طابق أرضى قبل أن تقوم الجماعة بتطويرها وبناء مقر مكون من ٦ طوابق، لم يكن يتوقع أحد من سكان حى الرخاوى، والذى يعتبر من أرقى أحياء المقطم، أن هذا المكان سيكون مصدرًا للإزعاج، بسبب التظاهرات العديدة التى صاحبت فوز مرشح الجماعة محمد مرسى برئاسة مصر، مع عودته فى كل قراراته إلى المرشد العام ونائبه خيرت الشاطر، لكن بعد مرور أربعة أعوام على رحيل هذا النظام، بدا شارع ١٠ أكثر أمانًا وعاد الهدوء إلى جنباته مرة أخرى.

وبالحديث مع بعض سكان الشارع قالت «م. ر» إحدى القاطنات أمام المقر: «كنا عايشين فى جحيم على مدار عام كامل، وكل يوم أزمة جديدة»، مؤكدةً أن العديد من الجيران باعوا سكنهم بأسعار زهيدة حتى يتخلصوا من هذا الجحيم «التظاهرات لم تتوقف وكنا نخشى على أطفالنا من الخروج من المنزل بسبب الفوضى التى كانت تسيطر على الشارع خلال فترة حكمهم».

«ح. ن» حارس عقار يقول: «المكان ده من زمان كان عبارة عن فيلا مهجورة من طابق واحد كان ملكا للمهندس مجدى، وأيام الثورة سمعنا إنه باعها وسافر خارج مصر عشان الأحوال السيئة اللى سيطرت على البلد فى الوقت ده، وبعدين بدأت أعمال البناء والتطوير فى المبنى تظهر ولما روحنا عشان نسأل هو إيه اللى هيفتح جوه المبنى ده قالو لنا دى شركة استيراد وتصدير، وطبعا كل ده كان كدب، وفوجئنا فيما بعد أن المكان أصبح مقر جماعة الإخوان المسلمون لما بدأوا فى وضع شعارتهم الشهيرة: السيفين وكلمة وأعدوا».

فى البداية لم يبال سكان المنطقة بذلك الأمر، ولكن سرعان ما تحولت هذه الجيرة إلى كابوس بسبب التظاهرات المستمرة ضد الرئيس المعزول والاحتياطات الأمنية الشديدة، حيث بدأ الأهالى فى النزوح عن الشارع إلى أماكن أخرى بعيدًا عن هذه الجيرة المشئومة، يقول دكتور خالد، صاحب صيدلية العنان بالشارع: «مقر جماعة الإخوان المسلمين كان محول الشارع إلى ثكنة عسكرية، بسبب التظاهرات الدائمة المناهضة لحكم الجماعة من جهة وقيام بعض الدبلوماسيين من بعض البلدان بزيارة المرشد لأنه كان الحاكم الفعلى للبلاد، وطبعا ده كان أمر يعلمه القاصى والدانى».

قال «ع. م» سايس سيارات: «قعدنا سنة كاملة فى قلق ورعب بسبب المقر ده وكنا مش بننام والسكان كانوا بيركنوا عربياتهم فى أماكن بعيدة بسبب الخوف عليها، وأوقات كتيرة كنا بنعرف إن الرئيس المعزول بيجى يزور المقر فى وقت متأخر من الليل بعد الساعة واحدة صباحا بعيدا عن عيون سكان المنطقة وفى أيامه الأخيرة قبل ٣٠ يونيو سمعنا أن المرشد وكل الأعضاء نقلوا اجتماعاتهم لمنزل خيرت الشاطر بمدينة نصر عشان يبعدوا عن المظاهرات».