رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمر نجم.. شاعر ربابة يسير بين الفخاخ


«ظبطت نفسى مرة سعيد

متلبسة بميلاد ضحكة

بصيت لنفسى لقيتنى سعيد

فـ مراية كنت شاريها جديد

أحلف لكم وأنا مش كداب

على القزاز نبتت تجاعيد

مكرمشة زى الأصحاب

متبعترين فوق السكة»

كلما تذكرت عمر نجم تداهمنى صورة «سلامة» ذلك الشيخ الضرير فى فيلم «وا إسلاماه».. «سلامة» أهدر سنوات من عمره طواعيةً جوالًا بين الأمصار يحذر من خطر التتار، ومن اقتراب طوفانهم إلى مصر، ببصيرة لم تكن لدى المبصرين أنفسهم، وظل برغم شيخوخته واعتلاله كمن يبحث عن إبرة فى كومة من القش.. تلك كانت قضية «سلامة».. و«سلامة» دون أن يرجو أحدًا جزاءً ولا شكورًا جاهد من أجل قضيته الأسمى حتى عثر على مخلّصه.. هكذا بالضبط كانت صورة عمر نجم الشاعر.. هى صورة تشبه إلى حد بعيد ذلك المنادى الرائى فى الأسواق والأزقة يحذر ويشحذ الهمم:

«تعالى وقرّب بسرعة تعالى

هدايا لجنابك تمنها رخيص

ماتدفعش حاجة.. ولا أى حاجة

صحابها اللى دفعوا وراحوا فطيس

عندى صوابع

تمشى زراير وتنفع طوابع

يمكن تعوزها لحتّة جواب

كتبته لحبيبتك برقة وعذاب

فزقطط وهيص».


ذهب «عمر» بقصيدته إلى القضايا الأكثر إلحاحًا: رصد الأحداث والتعليق عليها.. كشف الفوارق بين الطبقات منتصرًا للبسطاء.. إلى أن وجد ضالته فى القضية الفلسطينية بوصفها جوهر الصراع، فاستغرق فيها وغلّبها على معظم كتاباته، محذرًا من خطر النزعة التوسعية لليهود، ومن استهانة الأنظمة العربية بشعوبها، واستنامتها لحياة الترف واللامبالاة:

«يا فلسطين الرجال ما بقوش رجالى

العدو مغروز فى جوفى

بل ريقه من حروفى

وامتلك نطفة عيالى

ومين هيسأل!

والجواب م الهم أتقل

الطيور نسيت جناحها

والشكوك غلبت يقينى

لسّه فيه شعره بتفصل

بين جنونى وبين جنونى».


قبلاً.. ينبغى أن نرى إلى المشهد الشعرى وقتها.. فـ «عمر نجم» قُدِّر له أن يأتى بعد جيل العظماء فى قصيدة العامية المصرية، ومن ثم لم يكن أمام ابن جيل السبعينيات من مفر سوى أن ينحت طريقه بين الفخاخ، من أجل اقتناص شعريته الخاصة «فلا هو حداد ولا جاهين ولا حتى الأبنودى»، ربما وجه الشبه الوحيد هو أن هذا الثالوث الشعرى أعطى الأولوية القصوى للموضوع على حساب المجاز مثلاً.. وشاعر «الموضوع» ببساطة «قوَّال» يمتلك الشفافية، ولديه حس شاعر الربابة فى القرى والساحات الشعبية، فضلاً عن امتلاكه جرأة الخطيب على المنبر.. وهو بذلك يقف على ضفة النهر التى تجذب الشريحة الكبرى من جمهور «المستمعين».. فى حين يقف على الضفة الأخرى شاعر يعمد إلى المجاز مثلاً.

وهكذا استراح «عمر نجم» الشاعر للمنطقة الآمنة التى سبقه إليها هذا الثالوث، بوصفها منطقة لا تتسبب فى إزعاج مستمعين اعتادوا البساطة ــ لا تعقيدات الصور الشعرية المركبة ــ وتربت آذانهم على الموسيقى المنضبطة ــ لا النثر ــ وتغذى وجدانهم على التحنان والشجن، مفضلاً الإبقاء على منجز السلف بوصفه ــ من وجهة نظره ــ الأنجح لحمل رسالته.

«الكلمة جمرة يا عم فؤاد

وصبية من حور الجنة

تتقل عليك حبَّة وساعات

يضمها فـ قلبه وريدك

الكلمة تحبل م النبضات

ويتولد منها وليدك

ألاقى فـ ملامحه وطنّا

المادنة اللى صوتها أنين

حارتنا والنيل والحنة

وقلب أمى اللى تمنى

يعود لنا قلب فلسطين».


رحم الله «عمر نجم» أستاذًا وصديقًا وإنسانًا، وحسبه أنه حقق منجزه الشعرى والنقدى وهو بعد لم يصل إلى الأربعين من عمره.