رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تعيش رحلة «عَدّ المصريين» مع مندوب التعبئة والإحصاء

جهاز التعبئة العامة
جهاز التعبئة العامة والإحصاء

قبل نحو شهر تقريبًا، دشن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حملة إعلانية استعدادا للمرحلة الأولى من التعداد العام للسكان. 

ربما كانت الإعلانات أهم من خطوة التعداد نفسها، بسبب المشاكل التى تواجه مندوبى الجهاز، وتتعلق بامتناع المواطنين عن الإدلاء بأى معلومات، لأسباب مختلفة، أبرزها خوفهم من استغلال تلك البيانات لأغراض أخرى غير التعداد، لكن يبدو أن تلك الحملة لم تُؤتِ ثمارها.

 بيانات عديدة يطلبها مندوب التعداد من المواطنين فى منازلهم، مثل عدد طوابق كل مبنى وتاريخ إنشائه، واسم صاحب كل شقة على حدة، وعدد أفراد كل أسرة إجماليًا مع تحديد عدد الرجال والسيدات بها، إضافة إلى اسم صاحب العقار واسم مُدلِى البيانات، وأخيرًا يسجل رقم الهاتف والرقم القومى لكل صاحب منزل.

 «الدستور» أجرت جولتين مع اثنين من مندوبى التعداد أثناء عملهما، إحداهما فى مدينة نصر بالقاهرة، والأخرى فى قرية العجزية التابعة لمدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، رصدت فيهما المصاعب التى تواجه المندوبين أثناء جمع المعلومات، وتعرفت على طريقة تعامل المواطنين معهم.

سكان القرى: تعداد إيه؟.. إحنا لسه ماركّبناش عداد الكهربا

جولة مدتها 4 ساعات فى قرية صغيرة، ومثلها فى منطقة راقية، كانت كافية لنقل خوف المواطنين من الإدلاء بمعلوماتهم، باختلاف مستوياتهم الاقتصادية والمعرفية.. «الضرائب، النصب والسرقة».. كلمات تفسر عدم تعاون العديد من المواطنين مع مندوبى التعداد السكانى، فالمحافظات باختلافها تشهد امتناعًا عن الإدلاء بالمعلومات الشخصية، ما بين خوف سكان القرى من فرض الضرائب عليهم، أو أن يكون المندوب تابعًا لشركة الكهرباء، وجاء من أجل توقيع الغرامات عليهم، وبين رعب سكان المدن من عمليات النصب والسرقة تحت ستار التعداد السكانى.


«هما بيعملو إيه دول؟ أنا عارفة ياختى أهو بيقولوا عدد سكان.. فيه حاجة يابنى ولا إيه؟.. تعداد إيه إحنا لسه مركبناش عداد كهربا».. تعليقات كوميدية ممزوجة بالخوف تصدر عن سكان القرية البسيطة، فهم لا يتابعون الإنترنت والتلفاز كثيرًا، بل يعمل رجالهم طوال النهار، فيما تصنع النساء الطعام ويرعين الأطفال، وبالتالى يعانى مندوبو التعداد فى إقناعهم بوجود تعداد للسكان يحدث كل عشر سنوات، لا علاقة له بالضرائب أو الكهرباء.


خلال جولة مندوبى «الإحصاء» فى قرية «العجزية» التابعة لمركز البدرشين بالجيزة، تعدّدت الأسئلة حول تعلق الأمر بالضرائب، حتى إن بعض المواطنين أبدوا قلقًا حين تم سؤالهم عن هوية صاحب العقار، بل وصل الأمر إلى محاولة إملاء بيانات خاطئة حول مالك العقار، خوفًا من دفع أى ضرائب، ومنهم من قال: «إنتو بتعملوا كده عشان تفرضوا علينا ضرايب على كل اللى عندنا، وساعتها مش هانقدر ننكر لأننا إحنا اللى قلنالكم على كل أملاكنا من الأول».


أما شباب القرية فكانوا يتوجسون خيفة من المندوب، ورفضوا الإفصاح عن معلوماتهم إلا بعد إقناعهم بأهمية التعداد السكانى فى التعرف على مشكلات المجتمع، لكن برغم ذلك كانوا يقللون من أهميته بجُمل على غرار: «مهو الحكومة بتعمل كده كل شوية ومبنشوفش حاجة فى الآخر».


فى الحى الراقى.. بابا وماما فى الشغل

فى جولة «مدينة نصر» كان الأمر مختلفًا، فبرغم معرفة غالبية المواطنين عن التعداد السكانى، إلا أن الخوف من عمليات النصب، السرقة والاختطاف، تسبب فى امتناع المواطنين عن الإدلاء ببياناتهم إلى المندوبين، خاصة بعد انتشار طرق النصب وانتحال الشخصية، ويزداد الخوف كلما كان المكان مدنيًا أكثر، خاصة المناطق التى تقلّ فيها الروابط الاجتماعية. يوضح خالد طه، أحد المواطنين: «إحنا عايشين فى برج، الناس متعرفش بعضها إلا قليل، عشان كده ممنوع إن مراتى تفتح الباب لحد غريب لأى سبب، حتى لو مندوب أو محصل غاز أو كهربا، لأن ممكن أى واحد يقول أنا مندوب ويسرق أو يخطف ومحدش من الجيران حاسس بالتانى، إحنا ممكن نسجل إلكترونى».


مشكلة الخوف من عمليات النصب دعّمتها شكاوى من قِبَل بعض المواطنين من حوادث نصب باسم مندوبى التعداد، فبعض المحتالين استغلوا التعداد ونصبوا على المواطنين من خلال تقاضى 100 جنيه مقابل ملء استمارة التعداد السكانى، وهو ما صعّب من مهمة المندوبين الحقيقيين مع المواطنين، لانتشار مخاوف استغلال المعلومات فى أى عمليات احتيال أخرى، سواء الخطف أو كتابة عقود بيع أملاك خاصة بهم.


لكن فى بعض الحالات الأخرى، كان الخوف مصدره جهل بمسألة التعداد نفسها، وعدم وصول الدعاية الإعلانية إلى المواطنين، فمنهم من رفض الإدلاء بالبيانات لعدم معرفتهم بالأمر.


وبرغم ذلك، فالتجاوب فى المنطقة الراقية كان أكبر مع مندوبى التعداد، لكن بعد التأكد جيدًا من هوية الشاب، لأنهم شاهدوا الحملات التوعوية عن تعداد 2017 عبر وسائل الإعلام المختلفة أو من الإنترنت، وبرغم ذلك ظهر العديد من الممتنعين عن الإدلاء بمعلوماتهم.


الظاهرة الأكثر وضوحًا خلال الجولة كانت معاملة مندوب التعداد بطريقة غير لائقة برغم كونها منطقة راقية، فالعديد من المواطنين يتعاملون مع الشاب أو الفتاة وكأنه أحد مندوبى المبيعات الذين يبيعون البضاعة المغشوشة، إضافة إلى وجود الكثير من السكان المستأجرين، الذين يخشون التعامل مع شاب التعداد.


 «بابا وماما فى الشغل».. جملة واجهت المندوب فى مرات عديدة، ففترة العمل الصباحية للمندوبين فى المدن تصطدم بوجود كثير من الآباء والأمهات فى أعمالهم، تاركين أبناءهم فى المنازل، ليضطر المندوب إلى الذهاب والعودة فى وقت آخر، وهو ما يجعله يعمل لساعات إضافية فوق موعد عمله الأصلى. فئة أخرى تتسبب فى مشكلات لمندوب التعداد، وهى فئة سكان الإيجار، فمنهم من يرفض الإدلاء بمعلومات عن أنفسهم، متعللين بأنهم ليسوا أصحاب المنزل.


مندوبو التعداد: لا شبكة ولا كارنيهات ولا مرتب.. بنغزل برجل حمار

خلال جولة «الدستور» مع أحد مندوبى التعداد، بدأت بعض المتاعب التقنية تواجه المندوب، فبعض الأماكن لا تكون مغطاة بشكل كاف من قبل شركة فودافون، التى يعمل من خلالها الجهاز اللوحى المخصص للتعداد، مما يتسبب فى تأخير العمل بشكل كبير، ويضطر أحيانًا إلى كتابة البيانات على ورقة، على أن يكتبها لاحقًا عندما تتوافر الشبكة. 


الجهاز اللوحى يتأخر فى الاستجابة فى بعض الأوقات، حيث يحتاج المندوب إلى الانتظار فترة طويلة حتى يستجيب الجهاز لأوامر تسجيل البيانات أو فتح استمارة جديدة، بل يضطر إلى إعادة تشغيله من آن إلى آخر، وهى عملية تحتاج إلى وقت ما بين 10 – 15 دقيقة.


«فيه مشكلة فى السيستم».. إحدى أشهر جمل مندوب التعداد، فهناك بطء يحدث من وقت لآخر، بسبب ضغط ملء الاستمارات من قبل المندوبين فى أنحاء الجمهورية، مع عدم وجود حل من قبل الدعم الفنى، فيضطر المندوب إلى حل «الورقة»، ومن ثم يملأ الاستمارات فى أوقات يكون «السيستم» فيه يعمل جيدًا.


المشكلات تتواصل، فلم يحصل المندوب بعد على «كارنيه» يثبت شخصيته كفرد تابع للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، برغم مرور حوالى شهر على بدء العمل، بل يمتلك الجهاز اللوحى و«كاب» للرأس فقط، لكن ذلك لا يمنع المواطنين من السؤال عن هويته، وردّه الوحيد يكون «التابلت أهو اللى مفيش منه غير اللى مع مندوبى التعداد»، ولم يكن ذلك كافيًا لإقناع العديد من المواطنين، رافضين الإدلاء بأى معلومات إلا بعد رؤية «الكارنيه» الخاص بالمندوب.


وإضافة إلى ذلك تعددت الشكاوى المتعلقة بالرواتب الشهرية من قِبَل مندوبى التعداد، وعبروا عن مشكلاتهم عبر الصفحة الرسمية لتعداد السكان على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، فالعديد منهم لم يتحصل بعد على راتب تدريب الشهر الأول «يناير»، على الرغم من اقتراب الشهر الثانى من نهايته، لكن الصفحة الرسمية كانت تطلب منهم التواصل مع الإدارة عبر البريد الإلكترونى الرسمى.


التحرّش اللفظى والاعتداء يلاحقان المندوبات

مندوب التعداد، وظيفة لا تقتصر على الشباب من الذكور فقط، بل للفتيات نصيب فى تلك الوظيفة المؤقتة، لكن نتائج دخول الفتيات إليها جاءت عكسية، نظرًا للمشكلات العديدة التى واجهت المندوبات أثناء جمع المعلومات من المواطنين، بدءًا من التعرض للمعاكسات والتحرش اللفظى من قبل بعض الشباب، مرورًا بإهانة البعض لهن، وانتهاء بوقوع حوادث تعدًّ بالضرب على بعضهن.


تقول إحدى مندوبات التعداد، طلبت عدم نشر اسمها، إنه لا يمر يوم دون التعرض للإهانة من قبل المواطنين: «بيعاملونى كأنى بشحت منهم، أو كأنى مندوبة مبيعات عايزة أبيعلهم حاجة، أو إنى واحدة عايزة تخطفهم أو تسرقهم، وتزداد حدة تلك المعاملات السيئة من قبل السيدات، لأنى بنزل مناطق فقيرة محدش فيهم بيقرا جرائد أو بيفتح الإنترنت، وقرفانين من عيشتهم وبيطلعوا ده عليا كمندوبة تعداد».


تعرّضت الفتاة للعديد من حالات التحرش اللفظى، أثناء جمعها بيانات المواطنين، وحدث ذلك من قبل بعض الشباب الذين يعيشون بمفردهم فى المنازل، أو فى بعض شقق الطلبة الجامعيين العُزّاب.


الأمر لا يقتصر على ذلك، بل وصل إلى التعدى بالضرب على فتيات كُنّ يجمعن المعلومات، إحداهن تعرضت للاعتداء بعدما رفض مواطن الإدلاء بمعلوماته، فهددت الفتاة بتصعيد الأمر وتحرير محضر ضده، فضربها.