رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أجراس الموت».. «الدستور» تنشر شهادات 10 أقباط هاربين من العريش

جريدة الدستور

بعدما تواصل فرار الأسر القبطية بالعريش من تهديدات الإرهاب التى لاحقتهم طوال الشهر الجارى واستقبلتهم محافظات الإسماعيلية والقاهرة والقليوبية وأسيوط لإيوائهم حتى تطهير سيناء من الجماعات التى فرضت حولهم أسوارًا من الرعب.
التقت «الدستور» عددًا من أفراد تلك الأسر، الذين رووا تفاصيل وقائع استهداف الأقباط على يد الإرهابيين فى «العريش»، مشيرين إلى أن عناصر مسلحة أحرقت مواطنًا قبطيًا ونجله، بعد أن ربطته فى أحد أعمدة الإنارة، فضلًا عن تحرشهم بالسيدات وضربهن فى الشوارع، ووضع علامات «X» على منازل الأقباط، حتى يسهل استهدافهم.


يوستينا.م
تقول «يوستينا»: إن العمليات الإرهابية الأخيرة خرجت عن نطاق الإنسانية، وشهدت صورًا دموية ووحشية لا يصدقها أى شخص، لافتة إلى أن الإرهابيين أحرقوا قبطيًا بعد أن ربطوه فى عمود إنارة، وقتلوا نجله.
وأضافت: «نمأ إلى علمنا أن الجماعات الإرهابية فى سيناء وضعت قائمة تحوى أسماء 40 قبطيًا مطلوب تصفيتهم».
وأشارت إلى أنه «للأسف الأمن يصل عقب الحادثة بعدة ساعات ولا يحبطها قبل أن تحدث». وتابعت: «ما يؤلمنا جميعا هو توقف كل الأنشطة الكنسية، واقتصار الكنائس جميعها على قداسات وصلوات فقط.. حتى فى الأعياد نصلى ونحن خائفون ومترقبون تصفيتنا فى أى لحظة». وروت أن أحد الإرهابيين تعدى عليها بالضرب على مرأى ومسمع من الجميع فى «السوق الكبير» بـ«العريش»، لافتة إلى أن حضور محاضراتها فى الجامعة يعرضها للعديد من المخاطر.

سهام

«سهام.ج»، من ضمن العائلات النازحة إلى الإسماعيلية، قالت إنهم «ذاقوا ويلات عديدة من الإرهاب، وكانوا يشاهدون يوميا حوادث اعتداءات أمامهم من قبل عناصر الجماعات التكفيرية، من إشعال نيران فى متاجر الأقباط، إلى التحرش بالسيدات وضربهن فى الشوارع العامة، دون أن يجرأ أحد على التدخل وحمايتهن».

وأوضحت أن الكنيسة الإنجيلية أدت دورًا وطنيًا كبيرًا معهم، واستقبلتهم فى ضيافتها بالإسماعيلية، وقدمت لهم المعونات اللازمة والضرورية، حتى يتمكنوا من إيجاد شقق سكنية للمبيت فيها بشكل مؤقت.

ميخائيل

ميخائيل شفيق، من الأسر النازحة قال: «الأوضاع فى سيناء تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، والمنطقة أصبحت مرتعًا للإرهابيين ممن يستحلون دماء الأقباط وأعراضهم، ولا يتوانون عن ذبح وقتل كل من يعترض طريقهم أو يرفض الانصياع لأوامرهم».

ويتابع: «سبق منذ فترة أن وضعوا علامات X حمراء على منازل بعض الأسر القبطية، فى إطار مخططهم لإخلاء المحافظة من كل الأقباط، وبالفعل استهدفوا القس مينا عبود والقس روفائيل، والعديد من الموظفين الأقباط وصفّوهم».

سفير

بدموع لم يستطع تمالكها، قال النازح الثمانينى «سفير مرقص»: «12 عامًا احتلت إسرائيل سيناء، ولم أترك العريش»، لافتًا إلى أنه موظف سابق فى التربية والتعليم بـ«العريش» منذ 55 عامًا، ورغم أنه حضر العدوان الثلاثى على مصر، ودخول القوات الإسرائيلية سيناء، ونكسة 1967، إلا أنه لم يقرر الخروج من «العريش» إلا بعد أن قتل «كامل» ابن عم زوج حفيدته وابنه، فاضطر أحفاده وابنته الخروج فى «رحلة النزوح». ويضيف «سفير»: «أنا لا أستطيع العيش خارج العريش، حياتى وعائلتى، لا أذكر لى تاريخ خارجها، لا أطلب فقط سوى أن أعيش وأموت فى مدينتى».

بقطر

«كلنا مهددون» بهذه العبارة بدأ «بقطر دميان»، زوج ابنة «سفير»، والموظف السابق بوزارة التربية والتعليم أيضا، حديثه، وقال: «الأقباط فى العريش معروفون بالاسم، والتهديدات بالقتل تأتينا كل يوم سواء هاتفيًا بالتليفون أو بالمنشورات التى تلقى فى الشوارع».

ويضيف: «قبل الأشهر الخمسة الأخيرة كنا نعيش فى خوف عام يشمل المسلمين والمسيحيين، فالاشتباكات والتفجيرات يومية تطال فى أغلبها أفراد الشرطة، لكن الآن أصبح الاستهداف لا يطال غيرنا، وبأساليب لا تريد سوى نشر الفزع، فمثلًا تم قتل وائل يوسف، صاحب سوبر ماركت، ووقف القتلة ليأكلوا «الشيبسى»، ويشربوا المياه الغازية فوق جثته».




أم مينا

أما «أم مينا» فتجلس حاملة ابنها على صدرها لترضعه، وتتعلق عيناها بزوجها الذى توقف عن الذهاب للعمل منذ مقتل البائع «جمال» بسوق الصفا، قائلة: «كان يقف زوجى بجوار جمال، جاء مسلحون سألوه هل أنت جمال؟ وحين أجاب بالإيجاب قاموا بقتله، ومن حينها لم يذهب زوجى للسوق لبيع الخضراوات كما يفعل».

وتضيف: «بقينا فى المنزل بعدها عدة أيام ينام زوجى بالشارع، ونحن ننام فى المنزل نحاوط على أبنائنا حتى لا يخطفوا أو يقتلوا»، وتكمل: «شارع النصارى كله رحل ولم يبقى فيه سوى سيدة وحيدة تحتمى بالكنيسة.. كلنا نخشى القتل، ولا نعرف هل نستطيع العودة مرة أخرى أم لا؟».

قدرى

الأمر نفسه حدث مع «قدرى فايز»، الذى خرج من «العريش» للبحث عن بناته الخمس، ووجد إحداهن بنزل الشباب فى الإسماعيلية، ويقول لـ«الدستور»: «لا نستطيع أن نخرج من العريش بكامل عددنا، بسبب الكمائن التى ينصبها المسلحون لقتلنا، فهم يستوقفون السيارات ويسألون عن الأقباط، وإذا ما وجدوا قبطيًا قتلوه، لذلك خرجنا فرادى، كل أسرة بمفردها لنبحث عن بعضنا بعضًا هنا».

وترك «قدرى» خلفه منزلين وأراضى، لكنه لا يريد شيئًا من هذه الأملاك، ويريد فقط الحماية لأبنائه، وليس له، فهو يردد دائما: «العمر واحد والرب واحد، ولا يخشى الموت قدر خوفه على أبنائه».

وينتقل للحديث عن الجماعات الإرهابية فيقول: «ما يفعلونه ليس دين، فهم خوارج العصر الحديث».



إبتسام

تجلس «ابتسام تامر»، السيدة الأربعينية بين باقى السيدات النازحات، إلا أن تفكيرها معلق بمدينة «العريش»، حيث سافر ابنها أمس، بعد إيصالها للإسماعيلية، ليحضر امتحاناته فى «المعهد العالى للهندسة»، تقول: «فى الظروف العادية يموت قلبى فى اليوم 100 مرة أثناء خروجه، والآن قلبى معلق بين الخوف من قتله وبين الأمل فى عودته حيًا».

وتضيف: «قالى مش عاوز السنة تروح على، والعمر واحد والرب واحد بس قلبى مكنش مطاوعنى أسيبه يمشى.. لا أتمنى سوى أن يسمحوا له بالامتحان هنا فى الإسماعيلية حتى لا يعود لى جثة».

جبرائيل

يقول أحد قساوسة مطرانية شمال سيناء ويدعى «جبرائيل»: «عدد الحالات وصل إلى 7 فى غضون أسبوعين، تم اغتيالهم بدماء باردة.. كانوا يتربصون بالأقباط سابقًا فى الأماكن العامة، إلا أنهم غيروا نهجهم، وبدأوا يقتحمون عليهم بيوتهم، وهو ما دفع الكثير من الأسر للنزوح من المحافظة». ويضيف: «لا يوجد تبرير منطقى لتلك العمليات الإرهابية سوى العمل على تفريغ سيناء من الأقباط، لإقامة إمارة إسلامية»، لافتًا إلى أن ما يقرب من 90 أسرة غادرت حتى الآن، وتتبقى 200 تحزم حقائبها استعدادًا للرحيل. ويتابع: «كان أقباط سيناء يسافرون إلى محافظات أخرى لقضاء العطلات، ثم يعودون مرة أخرى، أما تلك المرة فإنهم يقدمون طلبات ندب ونقل، وهو ما يدل على نزوحهم تماما من المحافظة»، مشيرًا إلى أن الوضع غير مناسب تمامًا للمعيشة، فى ظل كل هذا الحجم من التهديدات المحيطة بهم، وأضاف: «لن يقتصر الأمر على نزوح الأقباط فقط، وسيمتد إلى المسلمين أيضًا المختلفين معهم فى الرأى». وأوضح أن التواجد القبطى فى شمال سيناء مقتصر على «العريش»، فى الوقت الذى تم فيه تفريغ «رفح» و«الشيخ وزيد» تمامًا منهم.

أم جورج
تلتقط «أم جورج» أطراف الحديث، وتقول: «حين نسمع أن مسيحيًا قتل نشعر أن أبناءنا هم من قتلوا، وحين يخرج أحد أبنائى للدروس أو العمل نموت ألف مرة.. لا نطلب سوى أن ربنا يهدى البلد ونرجع تانى، فأنا تركت جهاز ابنتى المخطوبة مفروشًا فى شقتها، وأخشى أن يحرق أو يسرق، ولدينا بيتنا الذى لن نتركه وحياتنا».