رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الراوي يكف عن الحكي

 الكاتب السويسي الأشهر
الكاتب السويسي الأشهر والأكبر محمد الراوي

فقدت الساحة الثقافية واحدًأ من أهم الأدباء والشعراء، الكاتب السويسي الأشهر والأكبر محمد الراوي الذي ولد في 1941، والذي رفض ترك مدينته السويس للعيش وسط أضواء العاصمة، في تعبيد الطريق أمام أجيال متعاقبة من الكتاب والمثقفين الذين نعوه بقلوب محبة أسيانة.

ويقول الباحث والتربوي أنور فتح الباب، أحدتلاميذ الراوي المقربين، "تعرفت عليه عبر ندوة الكلمة الجديدة التي كان يديرها هو والكابتن غزالي في السويس، وكانت تصدر مجلة ماستر بنفس الاسم، لم يكن الراوي كاتبًا كبيرًا فقط، بل كان أستاذًا لجيل من الكتاب والمبدعين من خلال مكتبته العامرة وآرائه النقدية ودروس الموسيقي الكلاسيكية التي كان يوفر اسطواناتها ويشرحها بنفسه، وكان مثقفًا موسوعيًا يهتم بالأدب والفلسفة والتاريخ والموسيقي، واعتنق اتجاها روائيا مخالفا للواقعية التي كانت سائدة في بداية الستينيات، حين بدأ مشواره الأدبي، باحثًا عن الجمالي والتشكيلي في الأدب."

وعن الراوي قال المثقف السويسي، قباري البدري: "عرفت الراوي في 1980، كانت كتابته مثيرة للتأمل، تدعو قارئها للقلق ورؤية الأشياء والعالم بنظرة أعمق، فكان وصديقه الراحل ضياء الشرقاوي، ينهجان سبيلًا سرديًا مغايرًا للمألوف القصصي آخر الستينيات ومطلع السبعينيات، وهو الرواية الجديدة التي اجترحها في فرنسا كلود سيمون وألن روب جرييه وناتالي ساروت، رواية تنبني على وصف الأشياء المحيطة بالمرء والمهيمنة على عالمه، تعبيرا عن انسحاق الإنسان وانسحابه من التأثير على عالمه، وبالتالي انسحب القاص من تبني لغة مهيمنة عاطفيًا وأسلوبيًا، لكن لغة رمادية محايدة، ترصد وتصف ولا تزعم أو تدعي، لتدع القارئ يحكم ويقرر ويختار، لغة لم تعجب الراهن الثقافي المسيطرة عليه الكتابة الواقعية الاشتراكية، والذائقة الرومانسية الانفعالية، ولكن بعد وفاة صديقه 1977 ظل الراوي مخلصا لنهجه المتواضع الإنساني، الخافت الصوت، البعيد عن الصخب، حتى في وصف المواقف المشتعلة إبان الحرب مع الصهيونية وتدمير مدينته."

كما نعته الروائية أمينة زيدان بقولها: "محمد الراوي معلمي الأول، كان كاتبًا مجددًا، ومثقف واسع المعرفة، على الرغم من قلة أعماله، إلا أن كل عمل منها يشي بالريادة والتفرد، محمد الراوي قلم متميز، وشخصية مهمومة بالإنسانية، وبالمكان الذي ترعرع فيه، لدى محمد الراوي مكتبة عظيمة، أتمني أن يخصص لها ركنًا باسمه في مكتبة قصر الثقافة، لا أقول وداعًا محمد الراوي، ولكن أقول إلي اللقاء أيها النبيل - سأعود من جهة البحر، أعز كلماتك علي قلبي المثقل بفقدك".

أما الشاعر إبراهيم جمال الدين، أكد أن الراوي واحد من أهم أدباء الستينيات كقاص وروائي مميز.

وقال: "في الثمانينات أرشدني البعض إلي حضور ندوة الكلمة الجديدة حيث كان يجلس الراوي وحوله عدد كبير من الكتاب، منهم سناء فرج وأمينة زيدان وعبد الناصر عبد الرحيم وسيد حنفي وغيرهم، وكان يبدو كبيرًا كأب، يشبه معلمًا يحمل من الحكمة مثلما يملك من الحب، ككل جيلي، بما يحمل من حماس المرحلة، اختلفت مع هدوء ذلك الشيخ الذي لم تكن لديه رغبة في صراع الأجيال الأحدث، عندما قررت الترشح لعضوية أمانة مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم، وكان هو أحد مؤسسيها، كان موقفه كبيرًا حيث طلب من المشاركين دعمي، كان يجمعنا حوله بجوار كشك حسن للجرائد والكتب، أو علي مقهي نيو سوريا. وحين استضافت السويس مؤتمر أدباء مصر، وتم اختياري لألقي كلمة أدباء مصر، رأى البعض في ذلك تجاوزًا لقامة مثل الراوي، بل توقعوا نشوب عراك، كان في الصف الأول مصفقًا بحرارة للشاب الصغير، مخيبًا الظنون. هكذا يكون الكبار. هكذا يموت محمد الراوي."

كما نعاه شاعر العامية حاتم مرعي قائلًا: "محمد الراوي صانع أساطير السويس. كلما رآني منحني البهجة والكتب والمجلات، ودعاني إلى قراءة "كونديرا "والاستماع إلى الموسيقي الكلاسيكية. كان أول من علمني أن للقصيدة عالم ينتمي للسرد، وأن للرواية فضاءها الشعري عندما أهداني نسخة مصورة من روايته الأجمل "الزهرة الصخرية". رأيت هذه المدينة الشبحية التي تحيا برغم الحروب، كما لو كنت لم أرها من قبل، من خلال أعماله في أدب الحرب "الركض تحت الشمس"، "عبر الليل نحو النهار"، و"الرجل والموت".

عندما رأيته بعد رحيل صديقه الصدوق، الشاعر كامل عيد رمضان، لم يكن وجه بنفس بهجته؛ منحنا ابتسامة الفقد وانطوى بعيدا بلا ذاكرة. ظلت أساطيره بداخلنا تدفعنا إلى الحياة من جديد. نتذكر وجهه البشوش وقفاشاته الضاحكة التي تتوارى خلفها هواجس الموت والفناء، لم ينجرف إلى خطابية جيله، وكتابة الأزمة، كان متأملًا لواقعه، يطرح سؤاله الوجودي، ويعكف على تجربة هامة في كتابة الرواية العربية بجانب كتاباته النقدية، كان له الفضل في تشكيل ملامح جيل من كتاب الرواية والشعر في مدينة السويس فترة الثمانيات والتسعينات من خلال ندوة الكلمة الجديدة التي أسسها، ومطبوعاتها "الماستر" التي كانت تعد وسيلة هامة من وسائل نشر الأعمال الأدبية وقتها. يعد الراوي من أهم كتاب جيل الستينيات من كتاب الرواية والقصة في مصر، برغم إقامته بعيدًا عن المركز، تستحق أعماله أن تكون أكثر انتشارا، وجاء الوقت، ودائما ما يجيء متأخرا، لطباعة أعماله الكاملة بالهيئة العامة لقصور الثقافة أو الهيئة العامة للكتاب" .

يذكر أن محمد الرواي رحل عن عالمنًا مساء أول أمس الخميس 23 فبراير.

وولد الراحل في مدينة السويس، في الثاني والعشرين من مارس1941، لأب نازح من إحدى محافظات صعيد مصر، درس التجارة، لكنه انحاز للأدب، اختار أن يبقى في السويس، ليصبح، لعقود، منارة ثقافية لأدباء ومثقفي السويس الذين تتلمذوا على يديه.

أسس ندوة الكلمة الجديدة، وأصدر مجلة تحمل نفس العنوان، وغيرها من المطبوعات، كان عضوًا مؤسسًا في أمانة مؤتمر أدباء مصر.

من أعماله الروائية: "الركض تحت الشمس"، "عبر الليل نحو النهار"، "الرجل والموت"، "الزهرة الصخرية"، "الجد الأكبر منصور"، "أشياء للحزن"، وتبقى رواية "تل القلزم" الأشهر بين أعماله. وكانت آخر كتاباته، كتابًا نقديًا بعنوان "جماليات النص".

حصل على جائزة التميز في مطلع عام 2009 وذلك عن كامل مسيرته الأدبية التي امتدت لأربعين عامًا. كان من ضمن حيثيات تكريمه بالجائزة "أنه استطاع أن يؤكد أن الأديب من الممكن أن يؤدى دوره وأن يذاع صيته بالرغم من كونه بعيدًا عن المركز الثقافي".