رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهل الشر والإرهاب


إن التاريخ سيتوقف طويلًا، أمام ما يقوم به الجيش المصرى، الذى يقاتل للحفاظ على حدود مصر وأرضها وأمن شعبها واستقرارها، برغم الظروف بالغة الصعوبة التى تمر بها المنطقة، فضلاً عن مساهمته مع الدولة فى مجالات التطوير والتنمية وتحسين قدرات مصر وبنيتها الأساسية والاقتصادية، إن الإرهاب صناعة معقدة، لكنها تؤدى وظيفتها بدليل تغيير منحى اهتمام الجميع، وتجعل المواطن البسيط يعيش فى الإبهام وخلط الأوراق.

فالعنف الذى نراه اليوم بحق الدولة جريمة مع الله تعالى فى حق الإنسان، نعوذ بالله من خصلة العنف، وهى ملمح من ملامح الجاهلية ولازمة من لوازمها، ومعنى من معانيها، لا بد من الكشف عن هوية صُنَّاع الإرهاب، فما منفذو العمليات الإرهابية إلا دُمى متحكم فيها، فصناع الإرهاب مجرمون فى حق الإنسانية، يستبيحون دماء الأبرياء، من أجل أطماع فى استغلال الأرض واستعباد الإنسان، ولم أجد أبلغ منها فى هذه اللحظة التى يلفنا فيها الحزن، فهى تبدأ بالتأكيد أن يد الخير والعطاء والبناء لن تتراخى أو تنسحب نتيجة إرهاب أعمى لا يفرق ولا يميز، إرهاب حاقد وكاره لوطنه أولًا، وللإنسانية ثانيًا، أباح لنفسه تمزيق بلاده، وتدمير كل شىء جميل فيها، ثم أباح الدم والحياة، وأسقط كل القيم البشرية، خارجًا على الدين والعرف والأخلاق، يعز علينا أن نرثى رجالنا، ولكنه قضاء الله، الذى ندعوه لأن يتقبلهم فى فسيح جناته مع الأبرار والصديقين، هم فخر الوطن وعزته.

إن الإرهاب لا يقتصر فقط على العمليات الإجرامية التى تحدث فى الشوارع والميادين العامة، ولكنه يصدر من أهل الشر الذين وصفهم الرئيس السيسى بـ«جماعات ودول تحاول تدمير الدولة المصرية وتشويه صورتها داخليًا وخارجيًا»، لذا فلا توجد طريقة أنجع فى محاربة الإرهاب من تصفية رءوس الإرهاب، إن مجرد مطاردتهم ينشئ وضعًا يوجب على الإرهابيين أن يصرفوا جزءًا كبيرًا من جهودهم ومواردهم لحماية أنفسهم، وللهرب على حساب التخطيط والتنفيذ لأعمال إرهابية.. فأهل الشر يحاولون زعزعة الاستقرار المصرى على جميع المستويات، ولعل أهمها الاقتصادى والأمنى والسياسى، وذلك عن طريق بعض الأكاذيب والأفكار الخاطئة التى تثير الذعر بين المواطنين، وهو ما يسمى الحرب الإعلامية، وهى أهم أذرع الإرهاب لتدمير الدول».

«إذا الشعب يومًا أراد هزيمة الإرهاب والانتصار فى معركة البناء، فلا بديل عن التكاتف والاصطفاف، وخلع عباءة اليأس والإحباط، التى يريد أهل الشر أن يرتديها المواطنون، وأن ينتبهوا جيدًا لمن يحاول إدخال الجماهير دوامة التشكيك فى كل شىء حتى فى أنفسهم وقدراتهم ووطنهم».. بصراحة إذا أردنا أن تبقى مصر بلدًا ولا نراها كغيرها ممن حولنا.. فليس أمامنا سوى مواجهة الإرهاب، وكل التحديات التى أصبحت أكبر من أن يتحملها مواطن وحده، أو تقوم بها مؤسسة نيابة عن الجميع.. فلن يستطيع الرئيس بمفرده التصدى لكل التحديات، ولا الحكومة وحدها، ولا القوات المسلحة والشرطة.. لأن المسئولية أكبر من كل هؤلاء والتحديات ضخمة ولكنها ليست أكبر ولا أضخم من الشعب المصرى وإنجازاته، لتجسيد حقيقة الإرهاب، كان من الواجب على صناع الإرهاب، من صناعة أهله، أن يفعلوا فعلهم بالضرورة على أرض الغرب، لكنهم يُستقدَمون من الأرض العربية والإسلامية، ليروعوا الناس ويقتلوا الأبرياء، ويفجروا الأجسام الملغمة فى كل بقاع الأرض.. إن مصر أنعم الله عليها بجيش قوى ولاؤه لشعبه دون الانقسام بين مذهب فكرى أو سياسى أو عقائدى جعله الله فى خدمة الحق، إن علامات قبول العمل من الله أن يقابل الجهد بنكران من أهل الشر، وعلامة الإخلاص ألا يثنيهم ذلك عن الاستمرار بكل إخلاص وتضحية من أجل الدفاع عن أمن مصر واستقرارها.

إن الحرب بين الإرهاب والإنسانية المتنورة هى حرب حياة وموت، وإن نجح واحد من مخططات قوى الشر والإرهاب التى تتربص بأمن البلاد، وأحدثت جرحًا فى جسم الوطن، فإنه وجب علينا أن ندرك إحصائيًا عدد العمليات التى تحبطها الأجهزة الأمنية، وقواتنا المسلحة، والتى تخطط لها قوى الظلام على الدوام، متربصة بأمن الشيوخ والنساء والأطفال، وساعية للنيل من أمن وسلم المجتمعات، وفى مثل هذه المواقف يختبر النسيج الاجتماعى تماسكه، عبر تأكيد الموقف الجامع من حماية أمن البلاد، ورفض الإرهاب، واستنكار أعماله، وملاحقة ذيوله، وخلاياه النائمة، وهو ما يسمح ببسط رؤية وطنية شاملة، قوامها التأكيد على مبدأ تطهير الوطن من الإرهاب، وصد أى محاولة لتشكيل خلاياه النائمة، التى قد تصحو على أى شر.

القانون المصرى يُعًّرف الإرهاب بأنه: «كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجانى تنفيذًا لمشروع إجرامى فردى أو جماعى، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو بالمواصلات أو بالأموال أو بالمبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح».. وذلك لبث الرعب فى أوساط السكان وخلق جو انعدام الأمن من خلال الاعتداء على الأشخاص، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو المس بممتلكاتهم، أو عرقلة حركة المرور أو حرية التنقل فى الطرق والساحات العمومية؛ الاعتداء على المحيط وعلى وسائل المواصلات والنقل والملكيات العمومية والخاصة، والاستحواذ عليها دون مسوغ قانونى، وتدنيس القبور أو الاعتداء على رموز الجمهورية؛ عرقلة عمل السلطات العمومية أو حرية ممارسة العبادة والحريات العامة وسير المؤسسات المساعدة للمرفق العام؛ عرقلة سير المؤسسات العمومية أو الاعتداء على حياة أعوانها أو ممتلكاتها، أو عرقلة تطبيق القوانين والتنظيمات.

وفى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عُرِّف الإرهاب بأنه: «كل فعلٍ من أفعال العنف أو التهديد به أيًّا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامى فردى أو جماعى، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر».

وجاءت هذه الاتفاقية بتوصيف للجريمة الإرهابية على أنها «أى جريمة أو شروع فيها، ترتكب تنفيذًا لغرض إرهابى فى أىٍّ من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلى»، واستثنت من ذلك حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما فى ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبى والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير، وفقًا لمبادئ القانون الدولى، ولا يعد من هذه الحالات كل عمل يمس الوحدة الترابية لأى من الدول العربية، ومما سبق يظهر لنا أن الإرهاب له توصيف حديث يراد به الأعمال المتصلة بالجور والاعتداء والظلم، وهو ما يقوم به المجرمون والمعتدون لترويع الآمنين، وإزهاق أرواح المسالمين، وزعزعة أمن المطمئنين بأى أسلوب وطريقة من فعل أو قول أو إجراء، وهو ما قرره علماء الشريعة تحت مسمى «الإفساد فى الأرض».

وهذا هو الوصف الذى طغى فى هذا الزمن وأصبح مصطلحًا متعارفًا عليه وهو الذى يُعد جريمة يعاقب عليها من أسهم فى تحقيقه فى نفسه أو لدى الآخرين، وإذا ظهر هذا التوصيف والبيان لحقيقة الجريمة الإرهابية التى يراد إيجاد العلاج المناسب لها، فإن جهة التحقيق القضائى هى التى تقوم بهذا الإجراء وفق ما جُعل لها من الصلاحيات المنصوص عليها فى نظام الإجراءات الجزائية، ومن ذلك التحقيق فى الجرائم التى تقع ضمن اختصاصها.