رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بـ 100 راجل.. حكايات انتصار 9 بنات على الحياة

صورة من  الحدث
صورة من الحدث

رغم حظر عمل الطفل دون سن ١٥ سنة وفقًا لقانون العمل الجديد، ومنع عمله لأكثر من ٦ ساعات يوميًا، فإن هؤلاء الفتيات أجبرتهن الظروف على دخول بيئة العمل مبكرًا، فوجدن أنفسهن مجبرات على التأقلم مع واقع مؤلم يفوق أعمارهن وأجسادهن الضئيلة، ورغم ذلك استطعن أن يثبتن نجاحهن بجدارة وكن أقوى من الظروف.

وقفن يعلن انتصارهن على جميع الصعوبات التى واجهتهن فى بداية الطريق، فتيات لم تتخط أى منهن حاجز الخمسة عشر عامًا، تفوقت كل منهن فى عمل مختلف اختارته بذاتها كى تكسر حاجز الفقر الذى ظل يطاردها. منهن من افتتحت صالة تمارين رياضية «جيم» وصارت له «كابتن» رغم عدم تجاوزها الـ13 عامًا، وأخرى برعت فى الخياطة، وثالثة اختارت أن تسير على درب زوج أمها وتتاجر فى الخردة، ورابعة فتحت «كشك» على نفقتها كى تعول أسرتها المكونة من 9 أفراد، جميعهن سلكن ذات الطريق وقررن وضع بصماتهن فى بيئة العمل ليثبتن أنهن قادرات على صُنع المستحيل رغم صغر السن.


صباح.. عمرها 10 سنوات و«تاجرة خردة على سن ورمح»

ابتسامة عريضة لا تفارق وجهها، ملامحها بريئة تأسر القلوب، رُسمت عليها القوة والصلابة، تبدو فى حركتها رجلًا وفى حكمتها عجوزًا، وفى صوتها أنثى، لكن جسدها طفلة، تقف أمام «فَرشة الخردة» الخاصة بها، ترتدى «إيشارب» بلون السحاب، تتابع المارة الذين يقفون بين الحين والآخر للاستفسار عن أسعار بضاعتها، تقضى وقتها ذاهبة عائدة حول الخردة، بعد أن ترصها بتناغم مقصود، فتختفى أناملها الرقيقة وسط ضخامة الأشياء التى تحملها، ثم تضعها بهدوء وحذر دون أن تحدث أى ضجيج.

تقف صباح فوزى التى لم تتخط الـ10 سنوات، فى منطقة غمرة بالقرب من سوق الخردة، حيث فضلت الجلوس فى مكان منعزل عن زحمة السوق وشجار التجار الذى لا يتوقف، بدأت مشوارها فى تجارة الخردة منذ عامين، فتحت جفونها على الحياة بلا أب، لتجد حضن زوج أمها فى استقبالها، الذى أحبت تجارة الخردة من أجله، كان لها أب حنون وصاحب عمل نشيط يحسن معاملتها.

«بوحة» هو اسم الدلع الذى يناديها من حولها به، أطلقه عليها «سيد تمام» زوج أمها، تبدأ «بوحة» يومها فى الـ8 صباحًا، حيث تتجه صوب «فرشة الخردة» بينما يذهب «سيد» لجلب البضاعة من السريحة: «لو فى بوتاجاز أو دفاية أى حاجة تقيلة عليا أوى هو بيساعدنى أشيلها قبل ما يمشى»، ثم تذهب إلى «أم ملك» لشراء الفول والطعمية وتنتظر مجىء زوج أمها ليأكلا معًا، تتقن بائعة الخردة الحديث إلى الزبائن وتبيع لهم بأسعار جيدة، حيث تجلس أغلب الوقت بمفردها بينما يتردد عليها «سيد» بعد صلاة العشاء ليحملا بضاعتهما ويعاودا أدراجهما للمنزل لتناول الغداء برفقة الأم والأشقاء. «هى إيدى ورجليا من غيرها مستحيل أشتغل».. قالها «سيد تمام» زوج والدة «صباح»، الرجل الخمسينى الذى تعلق قلبه بها منذ أن رآها، كان يتمنى التحاقها بالمدرسة لكنه صُدم بأن سنها قد تخطت التعليم: «رحت أقدم ليها قالولى سنها كبر مش هينفع».



سلمى.. صاحبة كشك عمرها 15 عامًا وتعول 9 أفراد

يبدأ عمل الفتيات الأربعة فى الثامنة صباحًا، حين يتوجهن إلى عملهن معًا، ويقمن بتحويل السكر الصلب إلى سائل، ثم وضعه فى الماكينة الخاصة به إلى أن يتحول إلى عجينة توضع على النار، وبعد أن تصبح صلبة تُنقل إلى الماكينة الخاصة بالمصاصات لتخرجها على شكل «قلب أحمر». ومثلما تباينت أعمار هؤلاء الفتيات تباينت أيضًا ظروف حياتهن، إذ التحقت كل منهن ببيئة العمل فى سن مبكرة لأسباب مختلفة، «أميرة عبدالله» و«إسراء عبدالله» شقيقتان قررتا العمل منذ عام لمساعدة والدهما فى سد احتياجات أشقائهما الـ8، تقول «أميرة»: «عندى 14 سنة وأختى عندها 13 سنة وساكنين فى أوضة بـ350 جنيه وأبويا أرزقى على باب الله».

فى المنتصف تقف «إسراء قناوى» ذات الـ12 عامًا، التحقت بالعمل لتوفير مصاريف علاجها بعد أن توفى والدها وتزوج أشقاؤها وصارت بمفردها: «جاتلى حمى روماتيزمية ومكنوش يعرفوا أنها طلعت على القلب وهرت الصمامات، والدكتور قالى محتاجة عملية توسيع شريان، لأن عندى ارتجاع فيه وتكلفة العملية 120 ألف جنيه». على الجانب الأيسر تقف الطفلة حبيبة تامر صاحبة الـ11 عامًا منهمكة فى تعبئة المصاصات، حيث بدأت العمل بعد دخول والدها السجن وذلك من أجل مساعدة والدتها وأشقائها: «بقبض 50 جنيه فى الأسبوع عشان أنا أصغر واحدة فيهم وبديها لأمى عشان إيجار الأوضة، وأنا اللى شغالة وشايلة البيت، أمى مش بتشتغل عشان أهلها صعايدة وأخويا الكبير مش فى دماغه الشغل»، تقطن الفتيات الأربعة فى منطقة الشرابية ويتقاضين أجرهن كل أسبوع ويختلف وفقًا لأعمارهن.

حائط صغير كان بداية الحلم، جلست ذات يوم أمام منزلها تتأمل تفاصيله، تفكر كيف تجد عملاً تساعد به أسرتها، ثم تذكرت نوبات الصرع التى تلاحقها بلا ميعاد، وحدثت نفسها قائلة: «فى المدرسة قالولى هتتعلمى منازل وصحابى كانوا بيخافوا منى أمال لو روحت شغل هيحصل إيه»، وهنا فكرت فى فتح كشك أمام هذا الحائط المقابل لمنزلها، كى تنفق منه على أسرتها، وتبقى تحت رعاية والدتها إذا جاءتها نوبة الصرع، أحضرت كراتين الشيبسى والبسكويت وبعض المساحيق من المبلغ الذى ادخرته والدتها لأجل دراستها وبدأت فى ممارسة عملها البسيط بـ«الكشك».

تبدأ «سلمى» يومها فى الـ7 صباحًا، حيث تذهب لجلب البضاعة من تجار الجملة، ثم تعود لفتح الكشك، بينما تراقبها والدتها من الشرفة بين الحين والآخر لتطمئن على صحتها: «بتعب وأنا قاعدة فى الكشك، أمى بتنزل تجيبنى وبنقفل لحد ما أفوق وأخد البرشام وبعدين بقعد تانى». تتمنى صاحبة الكشك أن يرزقها الله وتشترى بضاعة كثيرة لتفتح سوبر ماركت باسمها حتى توفر مصاريف علاج والديها، وتضيف: «بناكل وبنشرب من الكشك والفلوس بجيب بيها بضاعة، نفسى أكبره وأشترى بضاعة كتيرة وأبقى صاحبة سوبر ماركت كبير».


ندى.. أصغر كابتن جيم فى مصر

ندى راضى عبدالهادى، طفلة لم تتجازو الـ13 عامًا، تقطن بمنطقة «القلج» بالقليوبية، شغفت منذ نعومة أظفارها بممارسة الرياضة، فكانت تتردد على «الجيم» فى الخامسة من عمرها برفقة شقيقتها الكبرى حبًا للرياضة، قررت افتتاح صالة خاصة بها منذ شهر، تقول: «عندنا شقة فاضية فى البيت عملت فيها الجيم عشان أقدر أقعد أطول وقت ممكن براحتى وعشان الإيجار ومشاكله».

‏«Nody jym»، الاسم الذى أطلقته «ندى» على الجيم الخاص بها، بدأت مشوارها بلعب الكاراتيه، ثم اللعب على الأجهزة الرياضية بالجيم، وتؤكد أنها كانت تراقب الكابتن أثناء عمله وتحفظ ما يقوم به عن ظهر قلب، وتدقق جيداً أثناء قيامه بتشغيل الأجهزة.

وضعت الكابتن الصغير مواعيد للجيم تتوافق مع دراستها، وتنقسم إلى فترتين أولاهما تبدأ فى الثانية عشرة ظهراً وتنتهى فى الثانية ظهراً، أما الأخرى فتبدأ من الرابعة عصراً وحتى السادسة مساءً، تبدأ يومها بالذهاب إلى المدرسة، ثم تعود إلى المنزل وتصطحب الكتب الخارجية وتذهب مسرعة إلى دروسها، وتعود متجهة إلى صالة الجيم.

تتلخص أحلام «ندى» فى توسيع الجيم وشراء أجهزة كثيرة، أما طموحها الدراسى فتتمنى أن تصير طبيبة فى المستقبل.

آية وفاطمة..13 ساعة عمل يوميًا

وجهان مضيئان لا يعرفان الخوف، قررتا الالتحاق بالعمل مبكراً لمساعدة والدهما العاجز، ورغم الصعوبات التى تواجههما والمتاعب التى تتضاعف كل يوم فوق كاهلهما، والمسئولية التى تفوق عمريهما فإنهما تستقبلان كل هذا بصدر رحب، فيتلاشى التعب سريعًا بمجرد حصولهما على الراتب الأسبوعى من مصنع الخياطة الذى تعملان به منذ سنوات رغم صغره.

١٣ ساعة عمل تقضيها فاطمة كمال صاحبة الـ15 عامًا وشقيقتها آية ذات الـ13 عامًا، داخل مصنع خياطة بمنطقة «باب الشعرية» تتبادلان خلالها الأحاديث الطريفة على أمل تخفيف متاعب العمل التى ترافقهما طوال الوقت. أصيب والدهما بعجز فى القدم اليمنى فى حادث سير فأصبحتا «عائل» الأسرة المكونة من 7 أفراد.

بدأت «فاطمة» مشوارها فى العمل منذ 4 سنوات بعد أن خرجت من المدرسة قبل أن تلتحق بالمرحلة الإعدادية: «شغالة تشطيب وأوفر وبخيط العبايات على مكنة الخياطة واتعلمت بسرعة أول ما رحت المصنع»، بينما تركت آية المدرسة فى الصف الرابع الابتدائى بعد أن رسبت وقررت الذهاب مع شقيقتها للعمل: «مكنتش باخد دروس ولا بجيب كتب خارجية وعشان كده سقطت، وفى زمن زى ده التعليم مش هيعمل لينا حاجة، أهم حاجة نعرف نجيب قرش ونساعد أبونا وأمنا، لأن ظروفنا وحشة».

تبدأ الشقيقتان يومهما فى الـ7 صباحًا، تستيقظان مبكرًا لتنظيف الغرفة التى تؤويهما، ثم تمضيان لبدء جولة نظافة جديدة قبل بدء العمل، تقول «فاطمة»: «صاحب المصنع بيخلينا ننضف ونمسح ونكنس قبل ما نشتغل، وبعد ما نخلص شغل أنا وأختى لأننا أصغر 2 فى المصنع، فى الأول كنت باخد 70 جنيهًا فى الأسبوع لحد ما زودنى وخدت 300 جنيه وأختى زيهم».

لا يختلف عمل «آية» عن شقيقتها كثيراً بل يزداد عليه قيامها بترتيب الطرح ووضعها فى الأكياس لإرسالها إلى المحلات: «بنقبض كل أسبوع وباخد 100 من القبض وأختى فاطمة كمان، مصاريف المواصلات والأكل، والباقى أمى بتصرف منه على البيت وبتدفع إيجار الأوضة وبتجيب علاج لأبويا، أحنا أكبر 2 فى اخواتى ولازم نتعب ونشيل المصاريف لأن فى الزمن ده محدش بيساعد حد، نفسى ربنا يكرمنا بشغل تكون فلوسه أحسن من ده».

فتيات الشرابية..الـ4 فى سباق مع الزمن

يبدأ عمل الفتيات الأربعة فى الثامنة صباحًا، حين يتوجهن إلى عملهن معًا، ويقمن بتحويل السكر الصلب إلى سائل، ثم وضعه فى الماكينة الخاصة به إلى أن يتحول إلى عجينة توضع على النار، وبعد أن تصبح صلبة تُنقل إلى الماكينة الخاصة بالمصاصات لتخرجها على شكل «قلب أحمر». ومثلما تباينت أعمار هؤلاء الفتيات تباينت أيضًا ظروف حياتهن، إذ التحقت كل منهن ببيئة العمل فى سن مبكرة لأسباب مختلفة، «أميرة عبدالله» و«إسراء عبدالله» شقيقتان قررتا العمل منذ عام لمساعدة والدهما فى سد احتياجات أشقائهما الـ8، تقول «أميرة»: «عندى 14 سنة وأختى عندها 13 سنة وساكنين فى أوضة بـ350 جنيه وأبويا أرزقى على باب الله».

فى المنتصف تقف «إسراء قناوى» ذات الـ12 عامًا، التحقت بالعمل لتوفير مصاريف علاجها بعد أن توفى والدها وتزوج أشقاؤها وصارت بمفردها: «جاتلى حمى روماتيزمية ومكنوش يعرفوا أنها طلعت على القلب وهرت الصمامات، والدكتور قالى محتاجة عملية توسيع شريان، لأن عندى ارتجاع فيه وتكلفة العملية 120 ألف جنيه». على الجانب الأيسر تقف الطفلة حبيبة تامر صاحبة الـ11 عامًا منهمكة فى تعبئة المصاصات، حيث بدأت العمل بعد دخول والدها السجن وذلك من أجل مساعدة والدتها وأشقائها: «بقبض 50 جنيه فى الأسبوع عشان أنا أصغر واحدة فيهم وبديها لأمى عشان إيجار الأوضة، وأنا اللى شغالة وشايلة البيت، أمى مش بتشتغل عشان أهلها صعايدة وأخويا الكبير مش فى دماغه الشغل»، تقطن الفتيات الأربعة فى منطقة الشرابية ويتقاضين أجرهن كل أسبوع ويختلف وفقًا لأعمارهن.