رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثروت الخرباوي يكتب.. صنم هيئة كبار العلماء و«كهنوت الطيب»


أنا الآن فى رحاب هيئة كبار العلماء، هيئتنا الأزهرية الكبرى، تلك الهيئة التى تضم أكبر علماء العالم فى الإسلام، ورغم أننى أعلم أن الله سبحانه أنزل الإسلام على الناس، ويسر لهم ذكر القرآن، ولم ينزله على طائفة بعينها اختصها بفهم دينه ثم عليها هى أن تتولى إفهام باقى الناس هذا الدين، كما أن الدين نفسه ليس لغزًا ولا غامضًا، ولا باطنيًا لا يفهمه إلا فئة دون فئة وناس دون ناس، سبحانه هو الذى قال: «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر»، وعليه أفضل الصلوات سيدنا محمد الذى قال لأحد الصحابه عن الإسلام: «قل آمنت بالله ثم استقم»، الأمر إذن جد بسيط، الإيمان بالله والاستقامة، ليس فيه تعقيد ولا كيمياء ولا معادلات.
مع ذلك فقد تعودنا أن يكون بيننا رجال دين، لا ضير، فليكن بيننا هؤلاء الرجال رغم أن ديننا لا يعرف هذا المسمى «رجال الدين»، لأن هؤلاء هم مجرد رجال مثلهم مثل باقى الرجال، حاولوا الاجتهاد والبحث فى شئون الدين، وكل ما يقولونه ينبغى أن ننسبه لهم، لا أن ننسبه إلى الله سبحانه وتعالى، فالله قد حذرنا وحذر أمثال هؤلاء الرجال من أن نفعل ذلك فقال لنا: «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون».

إذن ينبغى أيها المجتهد العظيم أن تنسب ما تكتبه إلى نفسك، ولا ينبغى عليك أن تنسب ما تكتبه إلى الله سبحانه، ينبغى أن تقول هذا رأيى، ولا تتكلم نيابة عن الله سبحانه، فأنت لست وكيلًا عنه، جل فى علاه، كما أنك ما شاء الله تتكسب من عملك، الذى هو إفهامنا ما غمض علينا من أمور الدين، عفوا، فأنت الذى تقول: «إننى أستطيع أن أشرح لكم ما عجزتم عن فهمه، خذوا منى ولا تأخذوا من غيرى، فإن أخذتم منى كانت معيشتكم حلالًا، وإن أخذتم من غيرى كانت حرامًا حرامًا حرامًا، فأنا الحبر الفهامة والعالم العلامة، ولكن لأننى سأشرح لكم إذن يجب أن آخذ أجرًا ماليًا، فقد انقطعت عن كل شىء فى المعايش إلا عن مهمتى المقدسة، وهى إفهامكم أمور الدين الغامضة التى عجزت عقولكم عن فهمها».

هذا شىء عظيم يا مولانا وسنقبله منك، رغم أن العلماء القدامى لم يتكسبوا من إفهامنا الدين، وكان لكل واحد منهم عمل يتعيش منه، ومع ذلك يا مولانا سنقبل أن تأخذ الرواتب والإضافات وأجور اللجان، وتجمع بين معاش ومعاش وراتب وراتب، فالحق أنك تكد وتتعب وتقوم بمهمة جليلة الشأن، ولكن فقط أطلب منك شيئًا صغيرًا هو ألا تنسب ما تقوله إلى الله، وإلا لحق عليك وعيد الله الذى قال فيه «وويل لهم مما يكسبون»، وفى النهاية الأمر كما قلت بسيط، والذى يكتب لكم هذه الرسالة يا علماء الأمة رجلٌ ليس لديه ما لديكم من علم فأنتم ما شاء الله كبار العلماء.

ما علينا، نقلب الصفحة إلى صفحة أخرى، فلدينا ميراث طويل من تقديس العلماء، فهذا هو الإمام الغزالى، الذى أطلقنا عليه حجة الإسلام، وهذا هو الإمام ابن تيمية الذى أطلقنا عليه شيخ الإسلام، وهذا هو شيخ الأزهر الجليل ألحقناه بابن تيمية وجعلناه شيخًا للإسلام، هذا خطؤنا، نحن أيها السادة الكرام، فقد جعلنا فى الدين مراتب بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المرتبة الأولى هى مرتبة نبى الإسلام، وهى لسيدنا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - ثم مرتبة حجة الإسلام وهى كما قلنا للغزالى، ثم مرتبة شيخ الإسلام وهى لابن تيمية ولشيوخ الأزهر العظماء من بعده.

ولو أردنا الإنصاف وصممنا على تعظيم العلماء لكان يجب أن نقول عن الغزالى إنه «حجة المسلمين» لا الإسلام، فالإسلام حجته القرآن والرسول لا العلماء ولا الفقهاء، ولو أردنا تبجيل ابن تيمية لكان يجب علينا أن نقول عنه إنه «شيخ المسلمين» لا الإسلام، فالإسلام ليس له شيخ وليس عليه شيخ، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولكن ماذا نفعل وقد وقعنا فى هذه الأخطاء فسامحونا يا علماء الأمة الكبار. ندخل فى الموضوع، والموضوع هو الفتوى التى خرجت منكم عن الطلاق الشفوى، ولكن أستسمحكم يا هيئة كبار العلماء، أيتها الهيئة التى عادت للحياة مع حكم الإخوان لمصر، أو قبلها بأيام، وضمت بين جنباتها أكبر علماء الإخوان يوسف القرضاوى، وحسن الشافعى، أستسمحكم فى أن أقرأ بين أيديكم بعض الفتاوى التى خرجت من أسلافكم كبار العلماء فى القرن العشرين.

فقد قرأت لأسلافكم العظماء فتوى تجعل من الخلافة فريضة، ومن هذه الفتوى خرجت أكبر جماعات العنف فى التاريخ، وهناك فتوى أخرى بتحريم شهادات الاستثمار وفوائد البنوك، وهناك فتوى من هيئة كبار العلماء فى بداية القرن العشرين بتحريم لبس «البرنيطة» باعتبارها رمزا للمشركين! وأخرى من بعض العلماء بتحريم ارتداء ساعة اليد وتحريم الاستماع لماكينة الكلام «الفونوغراف» وتحريم التعامل بالشيكات البنكية، وغير ذلك من الفتاوى التى من كثرتها لا نستطيع أن نحصيها، ولكن كلها استندت إلى أن هذه الأمور من المستجدات التى لم يعمل بها النبى، صلى الله عليه وسلم، ولا الأمة من بعده.

إذن ما رأيكم يا هيئة كبار العلماء فى العصر الحديث فى الطلاق الشفوى؟، وهل يمكن وضع ضوابط له بحيث لا يصح إلا إذا كان مكتوبًا طالما أن الزواج كان مكتوبًا؟، سنسمع الآن صوتكم، أظنكم ستقولون لنا عِلمًا يستند إلى آية أو آيات من القرآن الكريم، وأغلب الظن أنكم ستميطون لنا اللثام عن حديث نبوى غاب عن معظمنا لأننا من غير المتخصصين، هه ماذا تقولون؟.. تقول هيئة الكبار: «وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبى- صلَّى الله عليه وسلَّم- وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق». هل هذه هى الفتوى؟! تقولون لنا هذا ما ألفينا عليه آباءنا!.

أستسمحكم أيها الكبار واعذرونى فى عباراتى فأنتم موضع تبجيلى، ولكن ألم يتصادف فى يوم من الأيام أن قرأ أحدكم القرآن؟ أظنكم فعلتم، فإذا كان ذلك كذلك ألم تقرأوا قول الله سبحانه فى سورة الشعراء عن أولئك الذين يتبعون بلا فهم: «قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ»، ثم حدثنا الله سبحانه عن أولئك الذين قالوا: «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ» وغير ذلك من الآيات، لمن إذن كان الله يرسل هذا التحذير؟، كان يرسله لنا حتى لا يقول واحد منا سأتبع ما وجدت عليه الآباء، ثم طلب الله منا أن نفكر ونتفكر ونعقل ونتعقل، ونجتهد لأنفسنا.

لذلك كنت أنتظر منكم يا علماء الأمة الكبار أن تقولوا لنا: قال الله وقال الرسول، ونفهم من قولهم كذا وكذا، ولكن أن تقولوا لنا إن الأمة كانت على هذا منذ عهد الرسول، نعم يا سادة كانت على هذا، ولكنها كانت أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وليس من ثقافتها الكتابة، وكانت أمورهم تسير وفقًا للمعاملات الشفوية، والشهود، وظل رجال الأمة يتزوجون شفويا إلى بداية القرن العشرين، فكان من الطبيعى أن يكون طلاقهم شفويا، فما انعقد شفويا يتم حله شفويًا أيضًا، ثم دخلت الأمة إلى عصر الكتابة والتوثيق، ودخلت المطبعة التى كان علماء الأمة يحرمونها عندما دخلت، ودخل توثيق العقود، وأنشأنا وظيفة المأذون.

إذن أليس هناك حتمية منطقية وعقلية بأن يتم حل عقود الزواج المكتوبة بنفس الطريقة التى انعقدت بها ألا وهى الكتابة؟ هل هناك يا كبار العلماء نص قرآنى أو حديثى يمنع هذا؟، إلا أننى تألمت أشد الألم من قولكم: «الطلاق يتم دون إشهاد أو توثيق» وكان كلامكم على أن الأمة كلها على هذا الرأى، ولكن للأسف يا كبار العلماء يبدو أنكم نسيتم بعضا من علمكم، ومن هذا العلم قول الله سبحانه عن الطلاق والرجعة: «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ» أشهدوا ماذا؟ أشهدوا ذوى عدل منكم، أعلم أن بعضكم سيقول إن الشهادة هنا للمراجعة، ولكن بما أنكم قلتم إن أحدا لم يقل بالإشهاد فى الطلاق فإننى أقول لكم إن ابن حنبل قال بوجوب الإشهاد على الطلاق، ومن قبله ابن عباس ترجمان القرآن، وكذلك قال ابن حزم وصولا إلى العلامة أحمد شاكر فى العصر الحديث، بل إنه أحد الأقوال فى المذهب الشافعى، وبغض النظر عن هذه الآراء إلا أن الظاهر من سياق الآيات أن الأمر عائد على الطلاق والرجعة معًا.

بل إن السورة بأكملها باسم الطلاق، فهى بيان لأحكامه ومسائله، فإذا كان بعض الفقهاء قالوا بالإشهاد فى الطلاق والرجعة، فإن معظم علماء التفسير قالوا بذلك أيضا ومنهم الإمام الثعالبى، والجصاص، والواحدى، والبغوى، وجدى إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط البقاعى الدمشقى الخرباوى فى «نظم الدرر» وقال بمثل ذلك أيضًا الألوسى فى روح المعانى، فكيف طاوعكم قلمكم على أن تقولوا إن الأمة على ذلك دون كتابة أو إشهاد!.

والله يقول بالإشهاد وكبار العلماء الذين سبقوكم قالوا بالإشهاد على ما فهموه من الآيات. ولكن الأشد إيلاما على النفس تلك الروح الغريبة التى دفعتكم للكتابة، وبغض النظر عن الكيد السياسى، إلا أن التحريض على من يختلف معكم فى الرأى كان واضحا فى بيانكم، فلا أنتم الإسلام ولا ما قلتموه هو الدين، ولا ما قاله غيركم هو الحرام! ولا أنتم كهنة وظل الله فى الأرض والوكلاء عنه، لذلك كان أمرا شديد الغرابة ليس فيه أى قدر من العلم أن تقولوا «كما تُناشِد الهيئةُ جميعَ المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها الحذَر من الفتاوى الشاذَّة التى يُنادى بها البعض، حتى لو كان بعضُهم من المنتسِبين للأزهر؛ لأنَّ الأخذَ بهذه الفتاوى الشاذَّة يُوقِع المسلمين فى الحُرمة». أهكذا يا علماء!، ثم تحصرون الحق عندكم فقط فقلتم «وتهيب الهيئة بكلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ التزام الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء، والاستمساك بما استقرّت عليه الأمَّةُ» أليست هذه كهانة يا علماء الأمة؟! سامحكم الله.