رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وضع إسرائيل فى الأمن القومى العربى


تميز الأسبوع الثالث من شهر فبراير 2017، بلقاء رئيس وزراء العدو الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، وكانت نتائج اللقاء قريبة مما سبق أن أوضحناه خلال الحملة الانتخابية الأمريكية، حيث تملص الاثنان من حل الدولتين، واتفقا على ترك الأمر للمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وكأنها لم تكن كذلك طيلة الفترة السابقة، وترك أمر انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس للدراسة، وبقى للعرب أن يدرسوا ما يستطيعون فعله، وهو ما يواجه اجتماع القمة المرتقب فى عمان خلال شهر مارس المقبل.

يذكرنى ما سبق بما سبق أن كتبته عن الأمن القومى، فلا شك أن معالجة الصراع العربى الإسرائيلى هو المعضلة الدائمة فى جدول أعمال أى لقاء عربى على أى مستوى، وإن كان البعض يدعى أن القيادات الفلسطينية مستريحة فى هذا الوضع، وأن القادة العرب هم الآخرون لا يزعجهم استمراره، وهنا فإن معالجة مصر للقضية الفلسطينية هى معضلة مصرية، باعتبار أنها أول دولة عربية عقدت معاهدة مع العدو الصهيونى، وأن مصر تخوض صراعًا مسلحًا فى سيناء وليس من المعقول أن تخوض حربًا ضد الإرهاب وضد إسرائيل فى وقت واحد فى سيناء، خاصة وأن إسرائيل تبدو متعاونة فى هذا الوقت، فهى على الأقل لم تعترض على وجود قوات أكثر مما هو محدد فى الملحق العسكرى لمعاهدة السلام فى المناطق المختلفة فى سيناء، وهى أحيانًا تبدو متعاونة ضد الإرهاب باعتبار أن هذا الإرهاب تهديد لها كما هو تهديد لمصر، وقد أشارت المصادر الإسرائيلية مؤخرًا إلى انطلاق صواريخ من الأراضى المصرية، إلى الأراضى المحتلة فى فلسطين، وأن المضادات الإسرائيلية تصدت لبعضها، وأن الطائرات الإسرائيلية قد قصفت المواقع التى انطلقت منها الصواريخ.

إن اشتراك مصر وإسرائيل فى مواجهة عدو معين يجب ألا يكون سببًا فى الخلط، واعتبار أن العدو الصهيونى أصبح صديقًا، على نفس النحو الذى يقول إن توقيع معاهدة السلام يعنى أن إسرائيل لم تعد عدوًا لمصر أو للعرب، ومصر لا تستطيع أن تتجاهل أن التهديد لشعب عربى آخر كالشعب الفلسطينى هو فى نفس الوقت وبنفس القدر، وربما أكبر، تهديد لها، وأن ما يحدث للشعب العربى الفلسطينى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، قد حدث سابقا للمصريين الذين احتلت إسرائيل الأراضى التى كانوا يسكنونها سواء فى سيناء أو غرب القناة فى فترة وجودهم فى الثغرة عام 1973، وأن إسرائيل بطبيعتها دولة معتدية وأننا يجب ألا نتجاهل التاريخ ونتصور أننا نواجه فترة جديدة، وهو ما يذكرنى بتاريخ 28 فبراير 1955 حينما هاجمت قوة إسرائيلية مقر قيادة حامية غزة وكان به 33 من الضباط والجنود بقيادة اليوزباشى (النقيب) مصطفى صادق - على ما أذكر - قتلوا جميعًا، فى حين أن مصر كانت قد اتجهت بعد ثورة 23 يوليو العظيمة إلى التنمية، الأمر الذى أزعج رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن جوريون، فكانت هذه الحادثة وحادثة اغتيال النقيب نبيل الطباخ أثناء توجهه إلى غزة، أذكر بهذه الأحداث بعضًا ممن تصوروا أن العدو الإسرائيلى قد تخلى عن عدوانيته بتوقيع معاهدة السلام، ومن الطبيعى أن أنبههم إلى ما يحدث من القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، وكيف يقتل الأطفال والنساء ويتركون ينزفون دماءهم دون إسعاف. 

أما الأطماع الإسرائيلية فسأكتفى بالإشارة إلى مقال ورد فى صحيفة جيروزاليم بوست يوم 9 فبراير الجارية لباسكين جيرشونن وهو كاتب إسرائيلى يعتبر معتدلاً وبعنوان ما معناه «مواجهة السلام» «حكمة أن نحدد حقوقنا» يقول الكاتب المذكور فى مقاله «إن الشعب اليهودى له حق أن يطالب بكل أرض إسرائيل التوراتية بوعد من الله لشعب الله من النهر إلى البحر والتى تمتد من النيل إلى الفرات، ولم يقدم أى شعب آخر طلبا لهذه الأرض سوى اليهود، وأن القدس لم تكن عاصمة لأى شعب موجود سوى لليهود على طول تاريخ المدينة».

إذا كان هذا ما يقوله كاتب إسرائيلى يوصف بالاعتدال، فما بالنا بغيره وهو نفسه يقول : «أتخيل بعض القراء يقولون إن هذا كله تجريد، وهو حقيقة، ولكنها مثل فكرة ضم يهودا والسامرة، ومثل ذهاب نتنياهو لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب لينسق الحصول على إذن بضم أجزاء من أو كل يهودا والسامرة، وأن إذن أو موافقة ترامب لانتحار إسرائيل على نفس مستوى بلاهة خطط انتحار إسرائيل بأن الحكومة تتقدم، وهو ما يحدث، وهو ما يعنيه القانون الذى مرره الكنيست الذى يشرع سرقة الأراضى المملوكة لفلسطينيين لصالح اليهود وهو ما يقودنا إليه امتداد الاستيطان».. يكفى ما سبق الحديث عن نوايا إسرائيل العدوانية ولنا تكملة فى مرات قادمة.