رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عباد يحيى: سأهدي القاضي نسخة موقعة من «جريمة في رام الله» (حوار)

عبَّاد يحيى
عبَّاد يحيى

حرَّاس الشرف والأخلاق والوطنية لم يتركوا رواية «جريمة فى رام الله» تمرّ دون أن يحاربوها، لم يقرأوا الرواية من الأساس، وفقًا لعدّة آراء تحوم حولهم وحولها. أو كما يرى عبَّاد يحيى، مؤلف الرواية، اطّلعوا فقط على فقرات مجتزأة لشخصية «مثيرة للجدل». بمذكرة من النائب العام لمصادرة وحظر الرواية، وضبط وإحضار بحق الكاتب أغلقت أبواب الدفاع فى وجهه، والشىء الوحيد الذى ساهم فى حمايته أنه كان خارج فلسطين، وكان عليه أن يسلِّم نفسه ثم يبدأ الدفاع عن قضية ــ بالنسبة له ــ لا يمكن أن تكون محلًا للدفاع والهجوم، فهى حرية الرأى والتعبير التى لن يتخلَّى عنها.

تواترت ردود الأفعال عربيًا، من حملة توقيعات وتدخل من مثقفين كبار وتعليقات عابرة وتهديدات بالقتل، كل ذلك لم يشفعْ لـ«عبَّاد» الذى أكَّد لـ«الدستور» أنه سيعود إلى رام الله، مهما كلّفه ذلك، ليضع الجميع أمام مسئولياتهم. وفى هذا الحوار يواجه صاحب «جريمة فى رام الله» توابع مصادرة الرواية بنقد حاد، وشعور بالمرارة مما آلت إليه فلسطين. 

وإلى نص الحوار:

■ إلى أى محطة وصلت أزمة «جريمة فى رام الله» الآن؟

- لا حلول حتى الآن، الرواية مُصادرة، ومذكرة الضبط والإحضار بحقى - كمؤلف - لا تزال على حالها، سأعود إلى فلسطين لمواجهة أى تطور مفترض، ولوضع الجميع أمام مسئولياتهم، بدءًا من السلطة ثم وزارة الثقافة ثم الحكومة والأمن والمثقفين والناس المؤمنين بحقهم فى التعبير.. يبذل المثقفون والحقوقيون جهودًا مستمرة، لكن لم تثمر عن شىء حتى الآن.

■ ما ردود الأفعال التى وردت إليك منذ مصادرة الرواية؟

- هناك انقسام هائل بين غاضبين ناقمين ومؤيدين متضامنين، وأسجّل ملاحظتى بالتناقض الهائل فى المواقف، بدءًا من التهديد بالقتل وصولًا لمن تواصل معى عارضًا طباعة ١٠٠٠ نسخة منها على حسابه دون أن يعرفنى أو أعرفه.

■ ما خلفية التهديدات بالقتل والإيذاء التى تلقيتها؟ هل تراها بدافع وطنى أم دينى؟

- تلقيت الكثير من التهديدات، من القتل إلى الاعتداء إلى غيره، لم تتضح لى خلفيتها، منها ما تراه محافظة اجتماعية أو نتيجة تضليل، وهناك أيضا مواقف منطلقة من أرضية دينية كما بررها أصحابها، مع عدم فهمى منطقهم العجيب طبعًا.

■ هل أشعل تعنت بعض مكتبات فلسطين فى عرض الرواية على ردود الفعل الغاضبة؟

- لا أعتقد. لم يكن رفض عرض «جريمة فى رام الله» واسعًا، أصحاب المكتبات فى الغالب لا يقرأون الكتب، يسمعون كلام الناس عن الكتاب ويقررون، وربما سمع من رفض عرضها كلامًا عن مشاهد جنسية، فقرر عدم عرضها من أرضية دينية أو أرضية أخلاقية أخرى.

■ ماداموا ليسوا أصحاب المكتبات.. ما مصدر رد الفعل العنيف تجاه الرواية الآن رغم نشرها قبل شهرين؟

- قرار مصادرة الرواية وملاحقتى أمنيًا أدى إلى ضجة هائلة، وأوصل أخبار «جريمة فى رام الله» إلى قطاعات اجتماعية لا تهتم بالقراءة تداولت الأمر فقط كمشاهد مثيرة، وفيه الكثير مما يريد المحافظون اجتماعيًا والمتدينون وأصحاب الشعارات الوطنية الانشغال به وتصديره للمشهد، ولذلك جاءت ردود الفعل عنيفة «وصلت للتهديد بالقتل» لأن هناك غطاء قانونيًا أعطاها شرعية، ولأن أصحابها لا يقرأون ولا يريدون قراءة العمل أصلًا، بقدر المشاركة فى طقس جماعى من الهجوم كما يجرى دائمًا على السوشيال ميديا. وتداول الرواية إلكترونيًا يدلّ على أننا تجاوزنا مسألة المصادرة، فحجم تداولها كبير جدًا.

■ لماذا يتجه بلد معركته الكبرى الاحتلال إلى مصادرة رواية لكاتب وطنى؟

- تخبط وقلة حكمة وعدم وعى بحقيقة صراعنا ومنجزنا الحضارى فى فلسطين، وعدم فهم الحرية كقيمة غير قابلة للتجزئة، وكذلك بالعقلية التى لا تزال تعتقد أن اللجوء الحلول الحادة والمنع يمكن أن يجدى.

■ إذن، بماذا تفسر اقتطاع فقرات من سياقها بالرواية ونشرها بغرض تشويهك؟

- هذا ما لا أفهمه ولا أقدر على تفسيره. إن كانت هناك أغراض خفية، فهذا شيء لا يمكننى معرفته، ولكن من أراد تبرير المنع والدفاع عنه هم من تولوا نشر المقاطع لشحن مجموعات من الناس «لا تهتم بالقراءة ولم تتوافر لها فرصة التأكد من أن الفقرات المتداولة بهدف تضليلهم وذلك بسبب حظر الرواية». فى زخم السوشيال ميديا لا أسباب حقيقية لما يفعله الناس وتحديدًا فى الحشد خلف موقف أو معارضة موقف ما، هنالك رغبة عارمة بإبداء رأى فى ظاهرة عامة، حتى لو كان التعبير هذا عنيفا بل دمويًا أحيانًا، وهناك استسهال فى توزيع الاتهامات أيضا.

■ ترددت أنباء عن منع روايتك فى الضفة الغربية «التابعة لحكم فتح» فقط وليس فى غزة «حماس» بسبب مواقفك السياسية.. ما رأيك؟

- الرواية مُنعت فى الضفة وغزة على السواء، تأخرت قليلًا فى غزة حتى أصدرت وزارة الثقافة لدى حماس قرارها بحظر الرواية وإشارة للهجوم عليها.

■ كيف تسرّب هذا المخزون «المتطرف» إلى فلسطين مؤخرًا؟

- المنطقة العربية كلها تعيش فى مرحلة تشدد وتعصب. كثيرون يلجأون للعنف كرد فعل نتيجة كم العنف الذى نعيش فيه، وفلسطين نتيجة الاحتلال أدعى للوصول إلى العنف وممارسته، وحالتى مثال واضح على ذلك. الأزمة تصبح كبيرة فعلا حين تبرر النخب والمجموعات الواعية فى المجتمع التشدّد والتعصب، وسنرتدّ عقودًا للوراء ونخوض– مرة أخرى - معارك انتهينا منها.

■ بصراحة.. هل كان تناول تابوه المثلية الجنسية محاولة لدخول قوائم «البيست سيلر»؟

- بالتأكيد تؤثر الجوائز وقوائم الأكثر قراءة «البيست سيلر» فى تحديد خيارات الكثير من الروائيين، ولكن من المهم عند الحديث عن «جريمة فى رام الله» الالتفات إلى أن هذا النوع من الكتابة لا يحظى باهتمام القائمين على الجوائز عربيًا لذلك لم يكن فى ذهنى الدخول فى قائمة «البيست سيلر».. هناك محافظة كبيرة وتذمت لدى الجوائز العربية كأنها تحرض على إنتاج أدب محافظ.. واليوم نرى روايات «إسلامية» فى قوائم الأكثر قراءة، لأن هنالك احتفاء خاصًا بالأشياء المحافظة اجتماعيًا فى الدول التى تمنح الجوائز وتهتم بها، والجرأة اليوم تضيّع على كاتبها احتمالات الفوز بالجوائز وتعرض الروايات للحظر فى كثير من المعارض.

■ لو عاد بك الزمن.. هل ستغير شخصيات وأحداث «جريمة فى رام الله»؟

- لا أفكر فى أى احتمالية للتعديل، ولو شاهدت ما يحدث الآن لزاد إصرارى على التمسك بحقى الفنى والإبداعى، هذه مسألة متصلة بحرية الكتابة، وليست مسألة شكلية.

■ أحد مشاهد الأزمة ربما يكون الوقوف أمام النائب العام أو قاضى التحقيق.. ماذا ستقول له؟

- سأهديه نسخة موقّعة من روايتى وأطلب منه أن يتفضل بقراءتها، سأهديه نسخًا من روايات عربية وفلسطينية عدة ليطلع عليها.