رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حين قال هيكل: أنا لست ناصريا!

هيكل
هيكل

احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، تنشر «الدستور» الفصل الثاني من كتاب "أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز"، للكاتب الصحفي عبد الله السناوي أحد أصدقاء الراحل المقربين.

وفي هذا الجزء يتحدث عن توطد علاقته بالزعيم جمال عبدالناصر، وعن بعض أفكار الأستاذ ورؤيته تجاه "مشروع ناصر".. وإلى نص رواية "السناوي":


تجربة عبدالناصر ‬عنده‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬دروشة‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬إلهاما‭ ‬للمستقبل،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬قيمة‭ ‬يبقى،‭ ‬وأية‭ ‬أخطاء‭ ‬شابتها‭ ‬لا‭ ‬تسحب‭ ‬منها‭ ‬جدارتها‭ ‬حين‭ ‬غيّر‭ ‬جمالها‭ ‬وأحقيتها‭ ‬حين‭ ‬واجهت‭.‬
عبدالناصر‭ ‬هو‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأساسية‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬المصرى‭ ‬الحديث‭.‬
كان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ناصريين‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬ناصرية.‬
ربما‭ ‬أراد‭ ‬نفى‭ ‬الصفة‭ ‬الأيديولوجية،‭ ‬التى‭ ‬ترتبط‭ ‬بالضرورة‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الانتماءات،‭ ‬خشية‭ ‬الجمود‭ ‬بعدوى‭ ‬الصور‭ ‬النمطية،‭ ‬وربما‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬اتساع‭ ‬رؤيته‭ ‬لمجمل‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭ ‬العامة،‭ ‬دون‭ ‬انحياز‭ ‬إلى‭ ‬فريق‭ ‬أو‭ ‬آخر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬لم‭ ‬يقتنع‭ ‬بالعمق،‭ ‬فهو‭ ‬شريك‭ ‬بالتجربة‭ ‬والكاتب‭ ‬الرئيسى‭ ‬لوثائقها‭.‬
لم‭ ‬أصدق‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬هيكل‭ ‬ليس‭ ‬ناصريا،‭ ‬باعتقاد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬وأفكار‭ ‬تنتسب‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬لمشروع‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬ـ‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬ـ‭ ‬المشروع‭ ‬القومى‭ ‬المتجدد‭.‬
قال‭ ‬هيكل‭: ‬أنا‭ ‬ناصرى‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬وحده‭.‬
قلت‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الفور‭: ‬وأنا‭ ‬ناصرى‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬وحده‭.‬
نشر‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬يناير ‭ (‬٢٠٠٤‭)
كانت‭ ‬قضيته‭ ‬المشروع‭ ‬باتساع‭ ‬حركة‭ ‬فعله،‭ ‬لا‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬بانغلاقها‭ ‬على‭ ‬مقولاتها‭.‬
لم‭ ‬يكن‭ ‬معنيا‭ ‬بالتصنيف‭ ‬الأيديولوجى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متنبها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فيما‭ ‬يسمع‭ ‬ويقرأ‭ ‬ويتابع‭ ‬شيئا‭ ‬له‭ ‬قيمة‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬لها‭ ‬أثر‭.‬
سألته‭: ‬كيف‭ ‬تصنف‭ ‬نفسك‭ ‬فكريا‭ ‬وسياسيا؟‭.‬
أجاب‭ : ‬يسار‭ ‬وسط‭.‬
قلت‭: ‬لماذا‭ ‬يعتقد‭ ‬كثيرون‭ ‬أنك‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬اليمين؟‭.‬
قال‭ :‬إنهم‭ ‬يظنون‭ ‬أن‭ ‬تجربتى‭ ‬فى‭ ‬أخبار‭ ‬اليوم‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬تكوينى‭ ‬الفكرى‭ ‬والسياسى‭.‬
كيف‭ ‬أكون‭ ‬يمينيا‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬صاغ‭ ‬فلسفة‭ ‬الثورة‭ ‬والميثاق‭ ‬الوطنى‭ ‬وبيان‭ ‬٣٠‭ ‬مارس‭ ‬والخطب‭ ‬التأسيسية‭ ‬للتجربة‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬التى‭ ‬أعلن‭ ‬فيها‭ ‬عبدالناصر‭ ‬التأميمات‭.‬
أنت‭ ‬تعرف‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أكتب‭ ‬شيئا‭ ‬لا‭ ‬أقتنع‭ ‬به‭.‬
ثم‭ ‬لا‭ ‬تنس‭ ‬أننى‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬زوار‭ ‬الفجر‭ ‬واستخدمت‭ ‬مصطلحات‭ ‬مراكز‭ ‬القوى‭ ‬والدولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬ودولة‭ ‬المخابرات‭ ‬لإدانة‭ ‬أسلوب‭ ‬فى‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬يونيو،‭ ‬وتلك‭ ‬كلها‭ ‬اختيارات‭ ‬فكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬أؤمن‭ ‬بها‭.‬
ثم‭ ‬إن‭ ‬انتمائى‭ ‬العروبى‭ ‬هو‭ ‬حصاد‭ ‬تجربة‭ ‬جيل‭ ‬بأكمله‭ ‬شاهد‭ ‬وتأثر‭ ‬بحرب‭ ‬فلسطين،‭ ‬واكتشف‭ ‬هويته‭ ‬تحت‭ ‬وهج‭ ‬النيران‭ ‬وصدمة‭ ‬النكبة‭.‬
ما‭ ‬إن‭ ‬بدأت‭ ‬علاقته‭ ‬تتوطد‭ ‬مع‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬حتى‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬وعلى‭ ‬حياته‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬ستارا‭ ‬كثيفا‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬والكتمان‭.‬
قال‭ ‬لى‭ : ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجرى‭ ‬بينى‭ ‬وبين‭ ‬الرئيس‭ ‬ملكه‭ ‬وحده،‭ ‬وما‭ ‬يصل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬بعد‭ ‬حوارات‭ ‬معى‭ ‬ومع‭ ‬غيرى،‭ ‬ملكه‭ ‬وحده،‭ ‬يعلنها‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬يشاء‭ ‬وبالطريقة‭ ‬التى‭ ‬يراها‭ ‬مناسبة،‭ ‬لا‭ ‬أنقل‭ ‬عنه‭ ‬ولا‭ ‬أسمح‭ ‬لأحد‭ ‬بأن‭ ‬ينقل‭ ‬عنى‭.‬
سألته‭: ‬ ما‭ ‬تفسيرك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الذين‭ ‬عاصروا‭ ‬حقبة‭ ‬الستينيات‭ ‬قالوا‭ ‬لى‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬أنشره‭ ‬عنك‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬سياسية‭ ‬تشوبها‭ ‬روح‭ ‬إنسانية‭ ‬ظاهرة‭ ‬تختلف‭ ‬مع‭ ‬صورتك‭ ‬التى‭ ‬يعرفونها؟‭.‬
قال‭: ‬عندهم‭ ‬حق‭ .. ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬وأحيا‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬ستائر‭ ‬كثيفة‭.‬
فى‭ ‬فيض‭ ‬ذكرياته‭ ‬عن‭ ‬عبدالناصر‭ ‬واستهداف‭ ‬مشروعه‭ ‬ظل‭ ‬السؤال‭ ‬يلح‭ ‬عليه‭ : ‬هل‭ ‬وصلوا‭ ‬إليه‭ ‬بالسم؟‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬إجابة‭ ‬حاسمة‭.‬