رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في حوار لـ"الدستور".. أحمد بان: 75% من عناصر «الإرهابية» انشقوا عن الجماعة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

معظم أعضاء «الإخوان» امتنعوا عن حضور اجتماعات الشُّعب ودفع الاشتراكات
محمود عزت موجود فى مصر محمود عزت يحلم بالعودة للعمل تحت مظلة السلطة الحاكمة
قادة الجماعة يجتمعون بمصر فى حدود ضيقة
«الإخوان» تحاول استغلال أزمة اليمن للتقارب مع السعودية

يرى أحمد بان، الباحث المتخصص فى شئون حركة الإخوان، الذى قضى سنوات طويلة داخل التنظيم قبل
الانشقاق عنه، أن 75 % من قاعدة الجماعة توقفت عن العمل ولم تعد مؤمنة بأفكارها ولا قادتها، مشيراً إلى أن هذا التفكك الحاصل للجماعة قد يمهد لنشأة مدرسة فكرية جديدة تتخلص من أفكار الجماعة وتكسر صناديقها المغلقة لتعيد صياغة العلاقة بين الدين والدولة.
وحول الصراع الحاصل داخل التنظيم يقول إن الحرس القديم الذى يقوده محمود عزت يراهن على عدد من
الأدوات فى إحكام سيطرته على الجماعة من جهة، ومواجهة النظام من جهة أخرى فى مقدمتها النفوذ
الدولى القوى لهذا الجناح الذى يتواصل مع 16 جهازًا مخابراتيًا، وامتلاكه المحفظة المالية للجماعة، وفق وصفه، بينما يسعى الجناح الصاعد لتحقيق أهداف عبر تجهيز تيار جديد يستغل الغضب تجاه السلطة تمهيدًا لمواجهة عنيفة على نطاق أوسع مما يدور فى الفترة الحالية.
وإلى نص الحوار:



■ لماذا لا تتراجع الإخوان وتعترف بخطاياها من أجل بقاء دعوتها إذا ما كانت تؤمن بها؟
- فقه الانسحاب أو التراجع، أو المراجعة فكر غائب عن كل الجماعات ذات التوجه الإسلامى، وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، هذه الحركات تتعامل بمنطق يجعلها تمضى فى الحرب إلى نهاياتها مهما كانت الخسائر.
للأسف لم تُضبط جماعة الإخوان مرة عبر تاريخها الذى يمتد قرنًا من الزمان متلبسة بمراجعة الأفكار أو السياسات أو السلوك، طوال الوقت تمضى فى طريق ما ثم تبحث عن مبررات لما أقبلت عليه. هى لا تخطط قبل الفعل، بل تفعل ثم تعود إلى التنظير لتبرير ما فعلته، وأى مراجعة صادقة للجماعة ستدرك عددًا كبيرًا من الأخطاء الكارثية التى ارتكبتها عبر تاريخها وأوصلتها إلى ما هى عليه اليوم، والتى لم تكن وليدة لأخطاء ثورة يناير كما يعتقد البعض.
■ إذن فالجماعة لن تتراجع، وستواصل الصراع مع الشعب والدولة؟
- الجماعة لن تعود عن الطريق الذى قطعته على نفسها منذ البداية، لعدم إيمان الجماعة بفقه التراجع، ولأن فكرة التراجع ستكون كلفتها عالية جداً، فالتنظيم خائف طوال الوقت من انفصال القاعدة عن القيادة، فما بالك إذا فكرت الجماعة فى التراجع فى هذا التوقيت فى ظل وجود خلافات وانشقاقات كبيرة داخل الجماعة جعلتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام.
■ ما هذه الأقسام؟
- الجماعة تجاوزت فكرة التنظيم الموحد الذى كان هدفها الأهم والذى يعنى كل أعضاء التنظيم ولا يمكن الاقتراب منها مهما كانت الخلافات، فكانت تتجنبها حفاظاً على بقاء الجماعة، وأصبحت تنقسم إلى ثلاثة أجنحة. أولها جناح محمد كمال الذى راهن على فكرة المزج بالعنف، والعمل الثورى، وجناح آخر يقوده محمود عزت ويسعى إلى العودة للعمل فى مظلة النظام الحالى، فهو لا يمانع بل يحلم بأن تعود الإخوان إلى أن تكون جزءا من النظام الحاكم، وهذان الجناحان يتصارعان على حكم 25% فى أعضاء التنظيم، لأن 75% من أعضاء الجماعة خرجوا من المشهد، ولم يعودوا يشاركون فى تظاهرات، ولا يؤمنون بأى قسم من القسمين المتصارعين على حكم الجماعة، لم يعد لديهم أمل فى هذه القيادة ولم يعد لهم تواجد داخل جماعة الإخوان، لأنهم أدركوا الخطايا التى وقعت فيها الجماعة، وانتهت علاقتهم بها تمامًا، فلم يعودوا يحضرون اجتماعات الشُعب ولا يدفعون اشتراكهم، وأبلغوا انفصالهم التام عن التنظيم، وهناك جزء كبير عاد يمارس حياته بشكل عادى بعيداً عن الإخوان وجزء آخر سافر خارج مصر ولم يعد يتواصل مع الجماعة.
■ ما أهداف طرفى الصراع وآليات تحقيق تلك الأهداف؟
- كل طرف يحاول ادعاء الشرعية، وأنه الأقرب إلى أفكار حسن البنا، والأمين على الحفاظ على الجماعة وتراثها، ويحاول من خلال هذا الرأى أن يقول إنه الأقدر على إدارة الجماعة والخروج بها من المأزق الذى تعيشه، فتجد تيار كمال يقول إن الجماعة كانت إصلاحية والتاريخ والمعطيات أثبتا أننا كنا على خطأ، وبالتالى لابد أن نترك الخيار الإصلاحى واللجوء إلى الجماعة الثورية وندخل فى مفاصلة مسلحة مع هذا النظام تتصاعد وفق معادلة تبدأ بما يسمى النكايات على قدر الكفايات، ثم توازن الرعب ثم النزال والحسم، فى المقابل يطالب تيار عزت بالدخول فى مرحلة خمول تام، إلى أن تنتهى ما يراه موجة العنف التى يقوم بها النظام، ويبدأ بالصعود من جديد فى ظروف أخرى، هكذا يفكر الطرفان داخل الجماعة. لكن حقيقة الأمر، أن جماعة الإخوان أكملت دورة حياتها، فكل الحركات السياسية والاجتماعية لها عمر وتمر بمراحل متعددة طفولة ثم صبا ثم نضج ثم شيخوخة، حتى تصل إلى الموت، وأنا فى تقديرى أن جماعة الإخوان وصلت إلى محطتها الأخيرة ولابد أن تنتهى إلى حساب حركة جديدة أقدر على فهم الواقع وقراءته وفهم معادلات التغيير، وأقدر على تحرير علاقة صحيحة بين الدين والدولة، وهذا ما فشلت به جماعة الإخوان عبر تاريخها.
■ إذن أنت تتفق مع الدكتور كمال الهلباوى حول وفاة الإخوان والتمهيد لظهور حركة إسلامية جديدة؟
- أتفق معه حول نهاية التنظيم، لكنى أختلف معه تماماً، لأنه يعتقد أنه تم الانقلاب على مشروع حسن البنا، وأنا لا أعتقد ذلك، لأن أفكار حسن البنا هى نفس الأفكار الموجودة حاليا، والجماعة تدفع ثمن خيارات حسن البنا نفسه التى اختارها منذ سنين طويلة، بعدما قرر الخوض بالجماعة فى معارك السياسة.
■ ومتى تظهر هذه الحركة؟ وما مكوناتها؟
- أعتقد أن هناك حركة ستنشأ من رحم كل ما يجرى وستكون بديلًا إسلاميًا جديدًا، قد لايكون حركيًا تنظيميًا، بقدر أن يكون فكريًا، يعبر عن ثورة فكرية فى الإسلام تقدم جوهر هذا الدين ويشتبك اشتباكًا جادًا مع قضايا العلاقة بين الدين والدولة ونمط الحكم وطريقة الوصول إلى المستقبل انطلاقاً من القيم والآداب الإسلامية.
■ هل يمثل أعضاء جماعة الإخوان النواة الأساسية لهذه الحركة؟
- من الممكن لمن تحرر من هذه الفكرة وخرج من أسوارها المغلقة وصناديقها، أن يكون عاملًا ضمن عوامل أخرى تفيد فى خلق البديل الجديد؟
■ ما رهانات كل الأطراف فى إدارة الصراع الداخلى من جهة، ومناهضة السلطة من جهة أخرى؟
- رهانات محمود عزت تنصب على شيئين، الأموال التى بعهدته فهو محفظة الجماعة، ويراهن أيضاً على النفوذ الدولى، فليس خفياً على أحد ما أعلن من قبل أن الجماعة على علاقة بـ16 جهازًا مخابراتيًا حول العالم تصب كل معلوماتها فى النهاية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى رهانه على ما تبقى من أعضاء التنظيم فى الهيكل الموجود فى مصر.
■ والجناح الآخر؟
- جناح كمال يراهن على حالة ثورية كانت موجودة فى المجتمع المصرى وحالة من حالات الغضب والإحباط واليأس من الأوضاع القائمة قد تسمح مستقبلاً بأن تلتئم الجزر التى تقف ضد النظام وتصبح تيارًا عامًا ثوريًا أو عنيفًا مسلحًا، يكون قادرًا على مواجهة النظام بكل الأدوات لمحاولة إسقاطه، وهذا الجناح يعقد اجتماعاته داخل مصر ويدير العمليات الإرهابية التى ينفذها من الداخل، وحدد دائرة أعدائه من الجيش والشرطة ويرصد هذه المساحات، وإذا وجد ثغرة أو فرصة ينفذ تلك الأهداف.
■ هل تمارس هذه القطاعات أنشطتها داخل مصر؟
- نعم.. لكن ليس بالشكل المعهود، لأن الانتماء إلى الجماعة أصبح تهمة، فحركة الجماعة فى أضيق حدود السرية، والاجتماعات تتم على نطاق ضيق، لكن نستطيع أن نقول إن هناك تنظيمين للجماعة يعملان داخل مصر، كل يعمل ويجتمع ويخطط وفقًا لرؤاه ومعتقداته.
■ هل ستتسع دائرة العنف الإخوانية مستقبلاً؟
- نعم للأسف، فالنظام يحرس التطرف بإغلاق المجال العام وغلق آفاق التغيير السلمى، وعندما تموت السياسة يحيا العنف، ففى مصر تبدو السياسة ميتة وأفقها مغلقًا، هذا السلوك فى النهاية يفتح الباب لتجنيد الأعضاء لإضفاء قدر من الجاذبية على أفكار الإرهاب والتطرف ومواجهة النظام.
■ أين يتواجد محمود عزت؟
- أعتقد أنه فى مصر.
■ هل هناك تواصل بين الإخوان وسياسيين فى مصر؟
- طوال الوقت يسعى محمود عزت إلى تسوية مع النظام، لكن المعضلة الحقيقية هى: إلى أى مدى يستطيع محمود عزت تمرير أى اتفاق لدى قواعد الإخوان وهو فاقد السيطرة على التنظيم من الأساس، لكن فى فترات سابقة سعت الجماعة لهذه التسوية عبر أطراف متعددة وفشلت.
■ وهل هناك مساعٍ للتحالف مع قوى سياسية أخرى؟
- نعم، جناح أقرب إلى جناح كمال فى تركيا متمثل فى المجلس الثورى الذى يقوده أشخاص يبرزون الوجه المدنى ويحاولون إخفاء علاقاتهم بالإخوان، يقوم هذا الجناح بمحاولة التحالف مع أطراف سياسية عبر أيمن نور وغيره من الوجوه التى لم تكن موجودة فى صف الإخوان فى الماضى.
■ هل ستقف الإخوان خلف مرشح رئاسى فى 2018؟
- الجماعة كانت تريد شخصية تابعة ليعطيها ولاءها، لكنها لن تدعم مرشحًا لم تأت به.
■ ما دور المجموعة الموجودة فى السجون؟
- خرجت عن دائرة السيطرة، سواء على التيار الذى يدعى السلمية أو تيار العنف، وحتى خيرت الشاطر لم يكن له أى دور فى قيادة الجماعة كما يعتقد البعض، وهذه المجموعة أيقنت أخطاءها الكبيرة فى 30 يونيو ويعترفون بذلك خلال لقاءاتهم ببعضهم البعض لكن لا يخرجون ذلك للإعلام.
■ بم تنصح الدولة فى مواجهة الجماعة؟
- لابد أن تكون أكثر إخلاصًا للقانون والدستور وإحياء السياسة من جديد، وإطلاق الحريات والمحافظة عليها، أى طريق آخر سيخدم جماعة الإخوان وسيعزز من روايتها بأن هذا النظام فاشل، ومواجهة التطرف والإرهاب سلم طويل من الإجراءات فى نهايته الأمن وليس فى بدايته، يسعى لإصلاح دينى حقيقى عبر منظومة تعليمية وثقافية تواجه التطرف والعنف.
■ هل يموت التنظيم الدولى بوفاة التنظيم الأم فى مصر؟
- مجموعة عزت مازالت تسيطر على التنظيم الدولى بشكل أكبر لامتلاكها المال وأدوات التفاوض الدولى، لكن التنظيم الدولى يستمد قوته من الجماعة فى مصر، فكلما كانت الجماعة قوية فى مصر ينعكس ذلك على التنظيم الدولى والعكس، وأنا ضد إعطاء التنظيم الدولى وزنًا كبيرًا فى هذا الوقت، خصوصاً بعدما بدأ يفقد أماكن نفوذه فى أوروبا ومع القرارات التى اعتبرت الجماعة إرهابية، وهذا الحصار الغربى سيزيد من التضييق على حركة الجماعة وفروعها فى الخارج، فتونس انحنت للعواصف لكى تبقى شريكًا فى العملية السياسية بالرغم من أن الحكم الحالى متصالح مع ماضى تونس وليس حاضرها.
■ هل ينتهى التواجد الإخوانى القوى فى الغرب بعد رئاسة ترامب لأمريكا؟
- سيجعلها تخسر أهم رهاناتها، فطوال الوقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأهم والأكبر للجماعة والذى راهنت عليه طوال الوقت، فصعود ترامب سيضيق من حركة ونفوذ الإخوان، بل سيجعلهم يفقدون الملاذ الآمن الذى وجدوه من أزمنة طويلة، وهم بدأوا يشعرون بخطورة الأمر المتمثل فى صعود ترامب.
■ هل هناك تواصل قوى بين الإخوان والسلطة فى السعودية؟
- هذا صحيح، لأن التواجد الإخوانى فى السعودية قديم جداً، وقوى ومؤثر، ومن بين فروع الجماعة حول العالم، الفرع الأكبر بعد مصر فى المملكة، ولو عدنا إلى الأرقام التى حصل عليها مرسى ومرشحو الإخوان انتخابات البرلمان 2012 ستجد مصداق ما أقول، والسلطة السعودية تدرك ذلك.
الملك سلمان لم يكن يشارك الملك عبدالله نفس التصور تجاه الإخوان، ويبدو أنه متأثر إلى حد ما بالمرجعيات الدينية والمرجعيات الوهابية السعودية فى وجهة نظره، وهذا ما أدى لظهور التباين فى موقفيهما تجاه العلاقة مع الإخوان، ولما توترت العلاقات بين المملكة ومصر، دخلت الجماعة على الخط، وتحاول استغلال أزمة اليمن لإحراز تقدم فى علاقتها مع المملكة.
■ هل تمثل جماعة الإخوان خطرًا على آل سعود؟
- لأ.. الإخوان لا تهدد أى سلطة خارج مصر، فلا يوجد تنظيم قوى للجماعة خارج مصر يمكنه من الوصول إلى الحكم وخوض صراع سياسى قوى بما فيها السعودية، التى لا يوجد بها تنظيم سعودى قوى بل يوجد بها أعضاء إخوان مصريون.
■ ولماذا تصر قطر على الوقوف وراء الإخوان؟
- لأنها دولة صغيرة تبحث عن دور كبير، والاداة التى تمكنها من ذلك هى جماعة الإخوان، فهى لا معنية بالديمقراطية ولا حقوق الإنسان، والجماعة فى حاجة إلى دعم سياسى قطرى وغيره، لكن المحفظة الإخوانية لا تحتاج دعمًا بفضل اقتصادها القوى فى 60 دولة.
■ وماذا عن الدعم التركى للجماعة؟
- تركيا ليست فى نفس الحماس فيما يتعلق بدعم الإخوان، فمشاكلها الداخلية وتحدياتها الكبيرة تجعلها لا تتمسك بالدعم الكامل، ولو سألت إخوان تركيا عن أوضاعهم هناك سيقولون لك إنهم مهددون بالترحيل فى أى وقت بسبب التطورات الحاصلة فى الفترة الأخيرة.

هل تمثل العلاقة بين الإخوان وحماس خطورة على مصر؟
أنا أنظر إلى العلاقة بين الإخوان وحماس بالتفريق بين الجذرين الفكرى والتاريخى باعتبار من أنشأ الحركة كان إخوان فلسطين، وبين الواقع الحالى الذى يتحدث عن حركة مقاومة شعبية واجهت الاحتلال، وفى رأيى لم تتورط فى المساس بالأمن القومى المصرى، لكن قد يتورط بعض قادتها السياسيين فى بعض الأخطاء الكبيرة وغير الناضجة عندما أيدوا جماعة الإخوان فى مصر دون وعى، لكن ذلك لا ينزع عنهم كونهم حركة مقاومة.