رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأرض الساخنة.. ماذا سيفعل ترامب في ملفات الشرق الأوسط؟

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب



لايزال الكثيرون يستطعمون حفل التنصيب للرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، ويتساءلون: كيف سيتعامل مع الملفات الشائكة فى منطقة الشرق الأوسط، وكيف ستتطور التحديات فى المنطقة، وفرص المصالح الأمريكية خلال العام المقبل؟ ومع أن الرئيس الأمريكى لا يصنع القرار، بل إن القرار يطبخ بمراكز الدراسات، ويصاغ فى أربع مؤسسات هى الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية ووزارة الأمن القومى، إلا أن الرئيس له تأثير واسع فى السياسة الأمريكية، لكن الأهداف الاستراتيجية لا تتغير، فهى من الثوابت منذ عشرات السنين.

مدخل إلى عقل «ساكن البيت الأبيض»

لو أردنا أن نتعرف على الرئيس دونالد ترامب من خلال المحطات المهمة فى حياته لوجدنا أنه بلغ السبعين من العمر، ومع ذلك فهو يتمتع بحيوية الشباب ويجنح إلى المغامرات، لقد درس الاقتصاد، وانضم إلى المشاريع العائلية، وعُين مسئولاً عن المشروعات العقارية الخاصة بوالده، فوجد نفسه مليارديرًا من أموال جناها من بناء الأبراج السكنية والفنادق وأندية القمار، وملاعب الجولف -لهذا نجده دائمًا يُركز على إعادة البناء.


تزوج ثلاث مرات، وبنى برجاً باسمه فى نيويورك، وانضم إلى الحزب الديمقراطى حتى عام 1999م، وكان إفلاسه الأول عام 1991م فى «نادى تاج محل للقمار»، لهذا نجده يتمتع بروح المقامرة، انضم إلى حزب الإصلاح وعاد إلى الحزب الديمقراطى بعد عامين وظل فيه حتى عام 2009م، ثم عاد إلى الحزب الجمهورى 2012م، ورُشح للانتخابات بعدها بثلاث سنوات.


مر بثلاث مراحل بينها مرحلة الترشيح والانتخاب، ومرحلة الفوز، واليوم دخل مرحلة الاستلام والتنفيذ وذلك فى 2 يناير 2017م، ركز فى حملته الانتخابية على كلمات أطلقها لهذا الغرض، ومن أهمها بناء حائط على الحدود الجنوبية مع المكسيك، والتأييد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وتخطئة المستشارة الألمانية فى مجال الهجرة، هاجم الاستخبارات الأمريكية لزعمها وجود اتصالات سرية بينه وبين موسكو، ووصف الناتو بالعتيق، وأنه سوف يجعل أمريكا عظيمة من جديد، وسينقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأعلن العداء والتهديد لإيران، والتركيز على الاقتصاد ومحاربة «داعش».


أجرى تعديلات فى المراحل التالية حينما قال، ولعل ما قاله أهم ما جاء فى خطابه فى حفل التنصيب، وهو ما فأجا به الجميع، أنه سينقل السلطة من واشنطن إلى الشعب، وأنه سيواجه تحديات لكنه سينجز المهمة، وأكد أن الشعور بالاعتزاز الوطنى سيساعد على إنهاء الانقسام، وركز على استعادة الوظائف بأمركتها وتنمية الثروة، وتعهد بتعزيز التحالفات القديمة، وتشكيل أخرى جديدة، ووعد بالقضاء على الإرهاب الإسلامى المتطرف، وأنه سيوحد العالم ضده، وجعل من شراء المنتجات الأمريكية أولوية، ووعد برؤية جديدة تحكم أمريكا، وانتقد من كانوا قبله بأنهم أنفقوا تريليونات الدولارات فى الخارج، فى حين تفردت أمريكا فى الداخل مما يشير إلى سياسة انكماشية، وانتقد دعم أمريكا المالى لجيوش أخرى، وأنه سيجعل سياسته تحدد المسار لأمريكا والعالم فى السنوات القادمة، وإعادة بناء البلاد لصالح الشعب.


مفاوضات إسرائيلية فلسطينية وفقًا للمبادرة العربية

بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد قال فى المرحلة الأولى، بأنه سينقل السفارة الأمريكية إلى القدس حال توليه السلطة، وكان يجاهر بذلك فى مرحلة الترشيح والانتخاب كى يجتذب أصوات اليهود، لكنه واجه احتجاجاً شديداً من الغرب ودول العالم، وفى مرحلة الفوز قال بأنه سينقلها فيما بعد، وبعد مراسم التنصيب قال: بأنه سينقلها للقدس الغربية، لكن ترامب لا يختلف عن أسلافه الذين حاولوا جهدهم حل القضية الفلسطينية ولم يتمكنوا، لكنه قال «أحب أن أكون الشخص الذى تمكن من إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين»، وسوَغ لذلك بأن لديه أسباباً تجعله يعتقد أنه قادر على ذلك لكنه لم يبدها، لقد جذبت القضية الفلسطينية رؤساء أمريكا بدءاً من الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت، وفى لقائه مع الملك عبدالعزيز مؤسس الكيان السعودى بعد مؤتمر «يالطا»، فى أعقاب الحرب الكونية الثانية عرض عليه القضية، لكنه وجد رفضاً تاماً من الملك عبدالعزيز.


أما دوايت إيزنهاور، فقد وظف روبرت أندرسون لهذه العملية تحت اسم «مشروع غاما»، ليعمل سراً مع ديفيد بن جوريون والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكنه أصيب بخيبة أمل، وجاء دور ريتشارد نيكسون الذى سافر إلى مصر وإسرائيل وسوريا، معتقداً أنه يستطيع حشد زخم كبير للسلام ولم ينجح، فكان يرد قائلاً: «لقد استحوذت مسأله الشرق الأوسط على تفكيرى». لكن ريجان هو الوحيد الذى أعد لذلك مبادرة طرحها فى سبتمبر 1982 م، فاستطاع أن يستضيف ياسر عرفات وإيهود باراك فى كامب ديفيد فى جنيف عام 2000 ميلادية، وجاء بعد ذلك كلينتون الذى قدم أطروحات عدة، ثم كان جورج بوش الذى استضاف المؤتمر فى «أنا بوليس».


ومع أن باراك أوباما وضع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على سلم الأولويات، لكنه اعترف بإخفاق جون كيرى بعد جهود مكثفة انتهت عام 2016 ميلادية، فالرؤساء الأمريكيون يعتقدون أن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو مصدر الاضطرابات فى الشرق الأوسط، ويعتبر اليوم ترامب أن هذا الصراع هو الصفقة النهائية، فما الذى يا ترى سيفعله ترامب؟، وهل سيفاجئ العالم بإحلال السلام فى فلسطين كما فاجأ العالم بانتخابه؟!. لقد أصبح لترامب دلال على إسرائيل بما أبداه من «ود» لها، وهذه الثقة قد تساعد على الحل، فالثقة هى ما يبحث عنه الطرفان الفلسطينى والإسرائيلى.


إن على الرئيس «ترامب»، أن يفتح باب المفاوضات بين الطرفين، وأن يلتمس العون من بعض الدول العربية، وأن يكون ذلك فى إطار المبادرة العربية، فوجود دول عربية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية تتولى مساعدة الفلسطينيين وتكون لها كلمة لدى الفلسطينيين، يساعد على التعجيل بالحل، فمصر والمملكة العربية السعودية والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عليهم أن يتولوا رعاية المفاوضات، على أن تسود الثقة بين الطرفين من خلال تنازلات تصاعدية، واحتواء أى تجاوزات تحدث، أو قد تطرأ خلال المفاوضات.


فإيقاف الاستيطان وفتح أبواب الاستثمار فى الضفة وقطاع غزة، والتبادل التجارى بين الطرفين، كل ذلك يساعد على الحل، وتوطيد الثقة بين الأطراف المتصارعة، خصوصاً أن 75 % من الشعب الإسرائيلى يرغب فى السلام، كما أن إبداء حُسن النية فى إطلاق الأسرى من الفلسطينيين وعلى رأسهم مروان البرغوثى يساعد على التفاوض ووضع الحلول.


العلاقة الشخصية مع بوتين تنهى الأزمة السورية

من التعقيدات التى يواجهها الرئيس الأمريكى ترامب القضية السورية، ومع أنها شديدة التعقيد، إلا أن الحل أخذ يلوح فى الأفق، فالعلاقة الشخصية بين الرئيسين الأمريكى والروسى، تساعد على وضع الحلول لهذه القضية، خصوصاً أن إيقاف إطلاق النار قد نجح جزئياً، وأن التفاوض فى أستانة» يوشك أن يُعقد وتدخل الولايات المتحدة يُسرع فى الحل.


فى عهد «أوباما» كان التركيز على محاربة تنظيم «داعش» والتردد بقوة فى تحقيق السلام وإرسال قوات هو سيد الموقف، فهذا التركيز والتردد زاد من قوة بشار الأسد ونظامه، وفتح الأبواب لانخراط إيران وأذرعتها فى القتال ضد المقاومة، والرئيس الأمريكى أوباما، لم يكن يؤمن بأن الاضطرابات فى سوريا هى التى جعلت من الساحة السورية ملاذاً آمناً للإرهاب، وأتاحت لداعش احتلال ثلث الأراضى السورية والاستيلاء على الثروة النفطية.


فعندما أوشك النظام أن يُسقط، وإيران وأذرعتها أن تُهزم، جرى استدعاء روسيا التى قلبت الموازين بقواتها الجوية، وإدارتها العسكرية، فأمكن ذلك من قلب الموازين، فأصبحت روسيا صاحبة الكلمة الأولى فى صناعة القرار، وتراجعت إيران إلى المكان الثانى وتم هزيمة المعارضة فى حلب.


إن اختلاف الأهداف والمصالح بين روسيا وإيران، قد أحدث تغييراً فى المفاهيم، فروسيا بالإضافة إلى القواعد البحرية والجوية التى تسعى إليها، تريد أن تُهيمن على ممرات الغاز والنفط المزمع أن يصل إلى أوربا عبر تركيا.


لقد أصبحت روسيا مُخيّرة بين أن تحقق السلام فى سوريا، أو أن تسقط فى الوحل، فتواجه ما واجهه الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، فقررت روسيا إيقاف إطلاق النار فى حلب، وعلى كامل التراب السورى بعد الاتفاق الذى جرى مع المعارضة، لكن إيران لا ترغب فى إيقاف الحرب، لأن السلام فى سوريا يعنى خروج إيران وأذرعتها من الأراضى السورية، فسارعت إلى تكثيف القتال فى الزبدانى كى تحافظ على سوريا المقيدة، لتستولى – كما تتوهم - على الساحل وتربطه بلبنان.


فما كان من روسيا إلا أن قصفت مواقع إيرانية فى منطقة الراشدين، حول حلب وفى عدة مواقع فى الزبدانى، فتوقفت إيران وتفاوضت مع روسيا حول إيقاف إطلاق النار، عندها جرى اللقاء الثلاثى بين روسيا وتركيا وإيران، فروسيا وتركيا أصرتا على إيقاف إطلاق النار وتحقيق السلام، أما إيران فلم توافق على ذلك.


بادرت روسيا أن تعقد لقاء مع تركيا وتهميش إيران، وتم ذلك الاتفاق، وتقرر أن يعقد «مؤتمر أستانة»، عندها لم تجد إيران بداً من الموافقة والانضمام إلى مؤتمر أستانة، وتسربت أخبار بأن الولايات المتحدة على تفاهم مع روسيا فى تحقيق السلام فى سوريا، مقابل تحقيق السلام وحل المشكلة فى أوكرانيا والتخفيف من العقوبات على روسيا.


 إن على الرئيس «ترامب» أن يتدخل بشكل فاعل فى المحادثات فى كازاخستان، فنظرية نيكسون حول السلام الأمريكى تقول بأن العالم وبشكل خاص فى الشرق الأوسط يجب أن يصب فى صالح الولايات المتحدة، وإن لم يكن هناك سلام فلا بأس من إشعال الحرب بين الخصوم، على أن يكون السلام لصالح أمريكا.


الأمر الثانى، فكما تحالفت الصين مع الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتى إبان عهدى نيكسون وريجان حتى سقط الاتحاد السوفيتى، فاليوم لابد أن تتحالف أمريكا ضد الصين، لكن روسيا لن ترضى بالقليل من المكاسب.


القضاء على «داعش» أو تقسيم العراق إلى 3 أقاليم

إن الانتصارات على تنظيم داعش فى العراق، انتصارات تسير فى ظل القذف الجوى الأمريكى، فالولايات المتحدة بين خيارين، إما أن تقضى على تنظيم «داعش» فى العراق، وتعود الوحدة الوطنية للشعب العراقى، وتخرج إيران من الساحة العراقية، وإلا تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم تشكل كياناً فيدرالياً من كردستان فى الشمال، ودولة سنية فى الوسط، ودولة شيعية فى البصرة وما حولها.


وعلى الرئيس الأمريكى ترامب أن يعزز الوحدة العراقية، وأن تخرج إيران منها، وأن يعاد بناء العراق ليكون نموذجاً للرأسمالية والديمقراطية وتتحقق الأهداف الأمريكية من غزو العراق، لكن استقلال كردستان العراق هو ما قد يُعرقل هذا الحل، فيدفع بأن يكون العراق فيدرالياً بثلاثة أقاليم.

 


تعاون مع مصر والخليج

فى عهد الرئيس ترامب، سيعود الاهتمام الأمريكى بالشرق الأوسط الكبير بعد فشل الشرق الأوسط الجديد والذى كان أوباما يسعى إليه، بأن تتحول الدول العربية إلى الديمقراطية، وأن تعتمد الولايات المتحدة على التعامل مع الشعوب دون الحكومات، فتؤثر فى الانتخابات والتصويت. لقد كان الرئيس الأمريكى أوباما يرغب فى أن تكون تركيا هى النموذج الذى على دول المنطقة أن تأخذ به لكونها دولة علمانية بنفَس إسلامى، وأن الإخوان المسلمين هم الذين يجب أن يسيطروا على العالم العربى، وربط تركيا بالإخوان، لكن الثورة المصرية كشفت العلاقة بين الإرهاب والإخوان، عندما هنأ الظواهرى الرئيس مرسى، وبعدما جاء به الأخير إلى مصر، وأطلق الإرهابيون، وصدر العفو عنهم من السجون المصرية، بعدها اختلطت أعلام القاعدة مع أعلام الإخوان فى المظاهرات، وقذفت جماعة القاعدة فى الإسكندرية بالصبيان من فوق العمارة وكان المجرمون يحملون علم القاعدة المثلث!.


ووعد البلتاجى وقتها بأن يتوقف الإرهاب فى سيناء إذا تم تحرير الرئيس السابق مرسى، ووقف الملك عبدالله مع حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى، عندها غيَّرت الولايات المتحدة مواقفها، وبدأ الصراع الخفى بينها وبين تركيا، فجاء اليوم ترامب ليعيد المواقف السابقة من جديد، ويوقف الصراع فى الشرق الأوسط، ويجرى الاعتماد على القادة الأقوياء، لهذا نجده يقول فى حملته الانتخابية: لقد كانت العراق فى عهد صدام حسين أفضل منها اليوم وليبيا فى عهد القذافى أفضل منها اليوم.


لقد تقرر أن يعتمد الرئيس ترامب فى سياسته الجديدة على العمودين المتوازيين للسيطرة على المنطقة، واختار لذلك دول مجلس التعاون ومصر، لهذا نجد هناك من يحاول أن يُفسد العلاقة بين جناحى الأمة العربية حتى لا تُحلّق فى سماء الأمن والتقدم والوحدة.