رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التكفير


الكفر عقيدة قلبية لا يطلع عليها إلا الله، يقول عمر بن الخطاب: لا يُكفر أحد إلا إذا قال بلسانه وبكامل وعيه أنا كافر بالإسلام .. فيكون هو الذى قال باختياره ولم نكفره نحن، يقول عمر بن الخطاب: إنما نعاملكم بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شىء، وإنما يحاسبه الله على سريرته، يقول النبى- صلى الله عليه وآله وسلم- «من رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله»، ويقول: «كفوا عن أهل لا إله إلا الله، لا تكفروهم بذنب.. من كفَّر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب».



ترك الله الحرية للعباد فى اختياراتهم ولم يجعل أحدًا عليهم حفيظا « فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» أى ليس لك الحكم عليهم فلا توجد فى الإسلام سلطة تحتكر تكفير الناس.

القاعدة الشرعية أنه ما على الرسول إلا البلاغ، مع عدم الغضب والأسف على من رفض الدعوة .. يقول الله: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا» أى دعهم لله ولا تغضب عليهم .. وكأن المعنى تعدى فكرة لا تكفرهم إلى أبعد من ذلك، وهو ألا يتحرك قلبك بالغضب فإنما عليك الدعوة والأمر بعد ذلك لله.

يقول الله تعالى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء» فمن يُكفر المخالف ينسى هذه الآية، فيكفر ويقتل المسلم .. لأنه ليس على ما يظنه هو هداية .. فمنهج أهل السنة والجماعة أننا لا نكفر أحدًا بمعصية .. وليس كل مخالف كافرًا.

المسلم مادام نطق الشهادتين فمن الصعب تكفيره ونسميه بالمسلم الصعب .. ففى حديث النبى، صلى الله عليه وسلم «ثلاث من أصل الإيمان، وعدَّ منها الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل» ( رواه أبو داود ) وقوله «لا يرمى رجل رجلا بالفسق، أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» .

تكفير الناس.. يُوجد مجتمعًا منافقًا يخفى ما لا يعلم، والنفاق أشد الأمور خطرًا على المجتمع «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» فالاختيار الواضح أفضل من النفاق. التكفير ينشئ منافقين، والإسلام لا يريد صناعة المنافقين، لذلك رغم علم النبى بباطن نوايا المنافقين بالمدينة لم يكفرهم ورفض قتلهم وقال «حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» فرفض تكفيرهم حتى يحاصر النفاق ولا يزيده فى المجتمع.

حسن الظن بالناس واجب وأولى من تكفيرهم .. يقول الإمام مالك: «لو يكفر من 70 جهة وله جهة واحدة لتأويل عمله أو كلامه على الإسلام .. لا نحكم بكفره»، وحديث النبى لخالد بن الوليد: «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!» قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!»، فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أنى أسلمت يومئذ.