رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد حبيب.. متى يتحدث شيطان الأفكار؟


مدارس الإخوان.. ستظل بذرة ينمو ويترعرع فى رحابها تلاميذ صغار يتعلمون فيها أن كل ما هو خارج أسوارها باطل، وأن «الجماعة» وقادتها ورجالها هم حماة الإسلام الذين يتصدون لمجتمع «كافر» يطارد المسلمين! وتحت هذا المعنى ستصعد أجيال للجامعات والمعاهد!

وإذا كانت المعلومات المتاحة عن تلك «المدارس» قليلة للغاية، نظراً للسرية التى تحيط بنظامها التعليمى، وإذا كان حصرها يبدو صعباً، والسيطرة عليها تبدو مستحيلة، فإن مؤسسها وصانعها وصاحب فكرة زراعتها فى صعيد مصر مازال موجوداً ويمكنه أن يتحدث، لكن يبدو أن أحداً لم يسأله!.

أحدثكم عن الدكتور محمد حبيب وعن كتابه «ذكريات عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر» الصادر عن دار الشروق والذى تحدث فيه عن التأسيس الثانى لجماعة الإخوان  المسلمين والذى بدأ منذ 1983 وكان «بناء المدارس الخاصة» فى محافظات الصعيد ركيزة أساسية لانتشار الجماعة وزراعة خلاياها.

عقب اعتقالات سبتمبر 1981 انتهز «الإخوان» فرصة انقلاب الدولة على الجماعات التكفيرية وطرحوا أنفسهم كبديل معتدل أمام همجية وعنف الأصوليين، وبدأ مرشدهم «التلمسانى» فى التخطيط مع قيادات الجيل الأول فى اختيار كوادر جديدة لتلك المرحلة المهمة، يقول الدكتور حبيب: «فى عام 1983 زارنى فى أسيوط الأخ الدكتور السيد عبدالستار وقال لى إن الإخوان قرروا استئناف العمل، وإنه مكلف من قِبلهم بإبلاغى بذلك».

ويحكى «د. حبيب» أنه التقى فى القاهرة بعض الإخوان ممن وقَع عليهم الاختيار كممثلين عن القطاعات المختلفة، وهم «د.عبدالمنعم أبوالفتوح، وممدوح الديرى -رحمه الله- وإبراهيم الزعفرانى، والسيد عبدالستار وآخرين، كما تم إنشاء مكتب تنفيذى فى مصر برئاسة الدكتور أحمد الملط -رحمه الله- وعضوية: «جابر رزق، وممدوح الديرى -رحمهما الله- وعبدالمنعم أبوالفتوح، ومحمد حبيب، وآخرين»، وتم تكليف القيادات الجديدة بمهامها.

تولى الدكتور محمد حبيب مسئولية الإخوان فى الصعيد، كان عليه كما يقول أن يجوب محافظات: بنى سويف، والفيوم، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، وأسوان، وأن يلتقى الإخوان على مستوى القيادات الوسيطة وأفراد الصف.. وأن يعطى التعليمات والتوجيهات الصادرة من المكتب التنفيذى فى كل المجالات التربوية والدعوية، فضلا عن إلقاء المحاضرات العامة فى المساجد والجامعات وقد تطلب العمل جهدا كبيرا ووقتا وحركة دءوبة وأسأل الله تعالى أن يتقبل.

ربما تكون تلك الفقرة اختصاراً لرحلة كفاح وعرق فى بناء هذا الكيان داخل الدولة المصرية، فهؤلاء الذين أقسموا بالولاء للدكتور حبيب الذى أقسم بدوره لمرشد الجماعة «عمر التلمسانى» هم الذين خرجوا علينا بالسيوف والخناجر والبنادق دفاعاً عن «دولتهم» ورئيسهم «المعزول»، أقول ربما لأن الدكتور حبيب كتب اعترافات أشد خطورة من كل ذلك، فلم تتوقف جهوده العظيمة فى تأسيس التنظيم عند هذا الحد، بل امتد الخيال إلى حد التفكير فى بناء «مدارس خاصة» تجمع أولاد المسلمين وتعمل على تنشئتهم نشأة صحيحة كما يقول الدكتور محمد حبيب، وبالفعل تم تأسيس جمعية تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية لهذا الشأن، وبأموال التبرعات بدأ المشروع بشراء فيلا «الأرقم» كحضانة وابتدائى، ثم «الأندلس» ابتدائى وإعدادى وثانوى بنات، و«حراء» ابتدائى وإعداى وثانوى بنين.

ويختتم المؤلف تلك الجهود بقوله: «وأضفنا إلى المناهج المعتادة منهجين الأول خاص بالتربية الإسلامية والثانى باللغة الإنجليزية»، وانتشرت الفكرة فى باقى المحافظات لتؤسس نظام «العائلات الإخوانية» وتراجعت الجماعة الإسلامية كما انسحبت الأرض تماماً من تحت أقدام وزارة التعليم التى افتقدت الكثير من مزايا مدارس «الجماعة».

لا يهمنى إلى أى معسكر ينتمى الدكتور حبيب بعد ثورة يونيو، ولا يهمنى محاكمة قيادات التنظيم بقدر ما يهمنى معرفة «المعلومات» وإدراك الدور الذى كان يلعبه كل قادة التنظيم فى مصر منذ الثمانينات وحتى اليوم، فالخلايا التى نتحدث عنها ليل نهار «تنام» هنا، بين سطور القيادات وفى مذكراتهم، لا يهمنى انقلاب الدكتور حبيب على التنظيم أو كتابته مقالات عن خطاياهم وأخطائهم، لكن الأهم بالنسبة لى المعلومات الواردة فى كتابه الذى صدر قبل ثورة يناير وحمل كل هذا الكم الهائل من المعلومات الخطيرة عن «مدارس الإخوان» وعن حرب الإخوان فى المساجد.

ولا أظن الدكتور حبيب قد يبخل بما لديه عن تلك المدارس التى نجهل الكثير عنها وعن مناهجها وتعاليمها، ويكذب من يقول إن هذه المدارس توقفت عن العمل أو أصبحت تحت سيطرة وزارة التربية والتعليم أو أن هناك حصراً كاملاً لمراحلها التعليمية من الحضانات وحتى الثانوية، وأظن أن ما تعرض له الدكتور حبيب من أذى الإخوان عام 2009 جدير بأن يجعله الأكثر معرفة بمكرهم وغدرهم، فبعد أن صنع لهم امبراطوريتهم فى الصعيد واستحق الجلوس على عرش المرشد، أطاحوا به وتنكروا له وأخرجوه من دولتهم حزيناً مقهورا، ففى ديسمبر 2009 ومع إجراء انتخاب المرشد الثامن أثير لغط حول وجود تزوير بالانتخابات ومخالفات للوائح والقوانين، ولم تنجح كل محاولات مكتب الإرشاد فى إخفاء ما جرى عن وسائل الإعلام وكتب «عصام العريان» مقالاً لتوضيح الموقف قال فى فقرة دالة منه: «كان من المقرر لائحياً أن يرحل المرشد فى هدوء، ويترك موقعه للنائب الأول د. محمد حبيب حتى يحلّ موعد الانتخابات القادم بعد ستة أشهر فى2010، ولكن كان من الواضح أن غالبية المكتب القديم لا تتوافق مع النائب الأول فى كثير من الملفات، وفى طريقة إدارة العمل».