رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحكمة الإدارية العليا تودع أسباب حكمها ببطلان اتفاقية تيران وصنافير

جريدة الدستور

أودعت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة، أسباب حكمها الصادر برفض طعن الحكومة وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (أول درجة) ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين مصر والسعودية، الموقعة فى شهر أبريل الماضي، والمتضمنة نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.

وذكرت المحكمة أنه قد وقر فى يقينها - وهى التى تستوى على القمة فى مدارج محاكم مجلس الدولة - واستقر فى عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتى تيران وصنافير، مقطوع به بأدلة دامغة استقتها المحكمة من مصادر عدة وممارسات داخلية ودولية شتى قطعت الشك باليقين بأنهما خاضعتان لسيادتها – وحدها دون غيرها – على مدار حقب من التاريخ طالت.

وأضافت المحكمة أن دخول الجزيرتين ضمن الإقليم المصرى يسمو لليقين من وجهين أولهما أن سيادة مصر عليهما مقطوع به، وثانيهما ما وقع تحت بصر المحكمة من مستندات وبراهين وأدلة وخرائط تنطق بإفصاح جهير بوقوعهما ضمن الإقليم المصرى.

وأكدت المحكمة أنه يحظر على كافة سلطات الدولة، بل والشعب ذاته بأمر الدستور، إبرام ثمة معاهدة أو اتخاذ إجراء يؤدى إلى التنازل عن الجزيرتين.. مشيرة إلى أن الحكم المطعون فيه (حكم أول درجة) قد صدر مرتكزا على صحيح حكم القانون والواقع.

واستعرضت المحكمة مجموعة من الوثائق والمكاتبات الرسمية والقرارات الرسمية واللوائح التنفيذية واجتماعات لمجلس الأمن، والتي تؤكد السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير.

وأكدت المحكمة أن مصر تمتعت عبر تاريخها وعلى اختلاف أنظمتها بأهلية قانونية دولية كاملة تجاه جزيرتى تيران وصنافير أى بالسيادة القانونية الكاملة عليهما كشخص من أشخاص القانون الدولى، ولم يعتريها يوما ما مانعا يمنع من مباشرتها وسيادتها في هذا الشأن، فلا يوجد دولتان تقتسمان أهلية واحدة وباتت السيادة، الإقليمية المصرية هى العنصر الرئيسى في تصرفات الدولة المصرية عليهما، والتى ظهرت بها وفقا لقواعد القانون الدولى.

وقالت المحكمة إنه وفقا لاتفاقية رفح 1906 لترسيم حدود سيناء الشرقية، وخريطة العقبة المطبوعة فى مصلحة المساحة عام 1913 تأكد مصرية جزيرتى تيران وصنافير، وأنه لا وجود لسيادة أخرى تزاحم مصر في هذا التواجد، بل أنه لم تكن هناك دولة غير مصر تمارس أى نشاط عسكرى أو أى نشاط من أى نوع على الجزيرتين، باعتبارهما جزءا من أراضيها.

وذكرت المحكمة أنه يدعم ما سبق بشأن اعتبار أرض الجزيرتين ضمن الاراضي المصرية، ما ورد على لسان المندوب المصرى أمام مجلس الأمن فى جلسته رقم 659 بتاريخ 15 فبراير 1954 أن سيادة مصر على الجزيرتين المذكورتين باعتبارهما ضمن الإقليم المصرى، وأن مصر تفرض سيادتها على جزيرتى تيران وصنافير منذ عام 1906 حيث استخدمتهما فى الحرب العالمية الثانية كجزء من نظام مصر الدفاعي، وأن التحصينات فى هاتين الجزيرتين قد استخدمت لحماية سفن الحلفاء من هجمات الغواصات المعادية، وأكد كذلك مندوب مصر أن الجزيرتين جزء من إقليم مصر وهو ما يعنى أن مصر مارست سيادتها المشروعة عليهما لمدة مائة وعشر سنوات لم يشاركها أحد فيها، وبات جليا حق مصر التاريخى على الجزيرتين وهو الذى ينشئ الحق ابتداء.

وأشارت المحكمة إلى أنه ومن حيث إن مبدأ السيادة المشروعة، بات من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي المعاصر، أن مظاهر ممارسة السيادة المصرية كاملة على جزيرتى تيران وصنافير، مما يؤكد دخولهما فى الإقليم المصرى، وتبدت فى العديد من التصرفات القانونية الدولية التى حظيت بالاعتراف الدولي ومن بينها أن الخارجية المصرية حينما قامت اسرائيل بتهديد جزيرتى تيران وصنافير فى البحر الأحمر عند مدخل العقبة ومضيق تيران، أرسلت مذكرتين أحدهما إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة فى 30 يناير 1950 والأخرى للحكومة البريطانية بتاريخ 28 فبراير من ذات العام.

وأوضحت المحكمة أن مصر لم تكتف فحسب بإصدار المراسيم والقوانين واللوائح بسيادتها على جزيرتى تيران وصنافير باعتبارها مصرية خالصة، وإنما طبقت ممارستها لمظاهر سيادتها الكاملة عملا على مسرح الحياة الدولية ومنعت بالفعل السفن الأجنبية التى خالفتها من المرور فى مضيق تيران، عملاً بحقها القانونى وسيادتها الإقليمية.. مؤكدة أن ما سعت الدول الكبرى إلى نفى الصفة الوطنية عن مضيق تيران إلا تأمينا لطرقها وطرق إسرائيل فى خليج العقبة.

وذكرت المحكمة أن إصدار القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية العامة لبسط مصر سيادتها المشروعة على هاتين الجزيرتين – التى لا تتمتع بها سوى دولة ذات سيادة – لم تقتصر فحسب فى اصدارها فى الشأن الخارجي على مجال إجراءات تفتيش السفن والطائرات الأجنبية طبقا للقوانين المصرية على الجزيرتين، وإنما أصدرتها كذلك فى الشأن الداخلي أيضا، منها ما يتعلق بالأمن العام والأحوال المدنية وحظر صيد الطيور والحيوانات واعتبارها منطقة سياحية ومحميات طبيعية كأحد الأركان الجوهرية للبيئة.

وأكدت المحكمة أنه على هدى ما تقدم جميعه تكون السيادة المصرية قد تأكدت على الجزيرتين سواء فى الشأن الخارجى فى ظل الأحكام المنظمة للقانون الدولى، أو فى الشأن الداخلى طبقا لقوانينها باعتبارهما ضمن الإقليم المصرى، ويبين بجلاء ووضوح لا لبس فيه أو غموض أنها مظاهر للسيادة المشروعة لا تتمتع بها سوى دولة ذات سيادة على الجزيرتين، وهكذا بقيت المراسيم والقوانين واللوائح المصرية شاخصة شاهدة ناطقة على ممارسة مظاهر كامل السيادة المصرية على الجزيرتين في ظل الأحكام المنظمة للقانون الدولى.

وقالت المحكمة إنه لا ينال من ثبوت سيادة مصر ما قد يُستند إليه من تعطل ممارسة السلطات المصرية على مضيق تيران الفترة منذ العدوان الثلاثي سنة 1956 حتى سنة 1967 التى لم تمارس فيها السلطات المصرية حق الإشراف والرقابة على الملاحة فى ذلك المضيق، باعتبار أن هذا التعطيل يعد مؤقتا بطبيعته لأنه كان أثرا من اَثار العدوان الثلاثي وهو أمر فرضته الظروف اللاحقة على العدوان، ومن ثم فإن سيادة مصر المشروعة على تلك الجزيرتين كاملة غير منقوصة ولم تفرط فى شبر منهما على امتداد تاريخها وراح ضحيتهما وبسببهما دماء ذكية حفاظا على إقليمها، إذ قرر المندوب الامريكى فى الاجتماع رقم 1377 امام مجلس الأمن أن إغلاق مضايق تيران كانت السبب الجوهرى لحرب 1967 وأن العودة للسلام يتطلب ضمانا لحرية الملاحة فى مضيق تيران .

وأشارت المحكمة إلى أن مصر كانت طوال هذه الفترة فى حالة حرب مع إسرائيل لاسترداد حقها فى المضيق وبسط سيطرتها إلى أن تم التحرير فى حرب أكتوبر عام 1973 المجيدة، وهو ما أكده قرار مجلس الأمن بتشكيل قوة الطوارئ الدولية فى 25 اكتوبر 1973 .

وأضافت المحكمة أنه بصفة عامة يمكن القول أن اتفاقية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مجملها، وما تحتويه من تنظيم المرور بمضيق تيران بما يضمن كفالة السلامة وحسن نظام دولة المضيق، تعنى التسليم لمصر بكامل سلطانها فى السيادة عليه كجزء من إقليمها، ولا يمكن لدولة أن تسعى لتنظيم مرور ملاحي فى نطاق معاهدة لمضيق ليس خاضعا خضوعا كاملا لها وليس من إقليمها الخالص.

وأوضحت المحكمة أنه في ضوء ما تقدم .. فإن كل تعرض أو تدخل لهاتين الجزيرتين سلما أو حربا لم يكن طرفاً فيه سوى دولة وحيدة هى مصر لا غيرها، الأمر الذى يستلزم مع تضافر وتكامل الأسباب الأخرى استدعاء أن السيادة عليهما ليست إلا لمصر ولمصر وحدها، وبناء على الاتفاقية المشار إليها اُدرجت الجزيرتان ضمن المنطقة (ج) والتى تخضع وفقاً لأحكام الاتفاقية ضمن السيادة المصرية ، ولم تتدخل المملكة العربية السعودية فى هذه المباحثات – تصريحا أو تلميحا – بما يقطع بأن الجزيرتين أرض مصرية وليس لدولة أخرى ثمة حقوق عليهما، وكانت مصر ولا زالت هى الطرف المدافع عن هاتين الجزيرتين حربا وسلما لا باعتبارها وكيلة أو تديرها لصالح دولة أخرى.

وأكدت المحكمة أن مظاهر سيادة مصر على الجزيرتين قد أخذت صورا متباينة ومظاهر متعددة، وكانت تلك السيادة ثابتة ومستقرة ومستمرة منذ القدم كشف عنه العصر الحديث اعتباراً من 1906 حتى الآن ولم يثبت فى أية مرحلة من مراحل التاريخ، أن السعودية مارست على تلك الجزيرتين أدنى مظهر من مظاهر السيادة أو كان لها تواجد عسكري أو غيره من أى نوع، والقاعدة المستقرة فى ظل القضاء الدولي كمبدأ من المبادئ العامة فى القانون، هو مبدأ عدم جواز الادعاء بما يخالف سلوكا سابقا.

وأضافت المحكمة أن أوراق الطعن خلت من ثمة وثيقة أو معاهدة تشير إلى أن دولة أخري غير جمهورية مصر العربية، قد مارست سيادتها المشروعة على جزيرتي تيران وصنافير في أى وقت من الأوقات، بحسبانهما ضمن الإقليم المصرى المحظور التنازل عن أى جزء منه، كما لم يثبت على الأطلاق ممارسة المملكة العربية السعودية لأدنى مظهر من مظاهر السيادة علي الجزيرتين سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها، كما خلت الأوراق من ثمة نص فى معاهدة أو اتفاق مكتوب بين مصر والسعودية يفيد فى أى حقبة من حقب الزمان أن الأخيرة تنازلت أو سمحت لمصر بالوجود العسكرى عليهما.

وأوضحت المحكمة أن وقواعد القانون الدولى لا تعتد إلا بالاتفاقيات المكتوبة والموقعة من الطرفين فى مثل هذه الحالات الهامة، وبهذه المثابة يكون الإجراء الإدارى الذى سمته الحكومة المصرية في تقرير طعنها اتفاقا مبدئيا بترسيم الحدود وما نتج عنه من تنازل عن الجزيرتين – أيا كانت المبررات الدافعة إليه – حال كونهما ضمن الإقليم المصرى، مخالفاً للدستور والقانون لوروده على حظر دستورى مخاطبا به السلطات الثلاث والشعب ذاته، ولانطوائه على خطأ تاريخى جسيم غير مسبوق يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب المصرى فى اجياله السابقة وجيله الحالى والأجيال القادمة، وليس ملكا لسلطة من سلطات الدولة.

وردت المحكمة على ما ورد بدفاع الطاعنين من أن سلطة مصر على الجزيرتين كانت سلطة إدارية تختلف عن فكرة سيادة الدولة وأن مصر كانت تمارس السيادة علي الجزيرتين كوكيل عن دولة أخرى ( السعودية ) - مشيرة إلى أن هذا الأمر يفترض لصحته اتفاقا موثقا بين الدولتين، وأن هذا التنازل المزعوم وفقا للمستقر من أحكام القانون الدولى العام يلزم لصحته شرطان اولهما: أنه يجب أن يتم بموجب اتفاق دولى أيا ما كان الشكل القانونى للاتفاق الدولى وتظهر فيه – بجلاء – انصراف إرادة الدولة المتنازلة إلى التنازل وقبول الدولة المتنازل لها لهذا التنازل وأسبابه ومبرراته، ثانيهما: لزوم ثبوت سيادة سابقة للدولة المتنازلة عن الأراضى المتنازل عنها، وأنه لم تُقدم عليها ثمة دلائل أو أدلة أو براهين تؤيد توافر كلا الشرطين، خاصة وأن من يملك السيادة يملك الإدارة والعكس غير صحيح إلا بسند، فالسند هو من تقف على أعتابه كافة التصرفات القانونية، ولا يستقيم مع ما تقدم القول بأن الجزيرتين أودعتهما لدى مصر دولة لم تمارس عليهما أدنى مظهر من مظاهر السيادة.

وقالت المحكمة إنه لا ينال مما تقدم ما استندت إليه الجهة الطاعنة من صدور خطابات صادرة بشأن هذا الموضوع للتدليل على أن يد الدولة على الجزيرتين يد عارضة، ومن ثم خروجهما من السيادة المصرية، بحسب ان هذه المكاتبات لا تمثل التزاما على الدولة لافتقارها للسند الدستورى والقانونى المبرر لواقع الجزيرتين المتمثل فى مصريتهما حدودا وسيادة بلا منازع.

وأوضحت المحكمة أنه بجانب الأطر القانونية، فإنه هناك حقيقتين ثابتتين: أولهما: - أن مصر دولة لا تمثل فقط اسماً على خرائط الكون وإنما هى دولة خلقت من رحم الطبيعة بعناية الله تقع بين بحرين عظيمين ربطت بينهما – خدمة للعالم القديم والحديث – بقناة السويس التى شُقت بدماء وعرق بنيها، ويجرى من جنوبها إلى شمالها مسرى الدم نيل خالد، نشأت على ضفتيه أعظم حضارات الدنيا.. وثانيهما: أن مصر الدولة لم تُخرج جيشها - قديماً أو حديثا - خارج أرضها إلا لحماية أمنها أو أمن شقيقاتها العربية، وأن التاريخ يقف طويلا حتى يتذكر دولة أخرى غيرها تركت حكم دولة فى جنوب أرضها لأهله وكان ملك مصر يُكنى بإسمها، كما اختلط شعبها بالشعوب العربية جنوبه وشرقه وغربه نسبا وصهرا دون أن يجور بهذا النسب على حدود جيرانه.

واختتمت المحكمة أسباب حكمها بأنها تطرح ما ورد بدفاع الجهة الإدارية من أن مصر احتلت الجزيرتين بحسبان ذكر كلمة " احتلال " فى المكاتبات العسكرية إذ أن ذلك له مدلول فى المصطلحات العسكرية، فالاحتلال العسكرى غير المشروع هو المحظور دوليا وهو الاحتلال الناجم عن حالة الحرب غير المشروعة كأحد أشكال الاستعمار الذى تحظره القواعد الدولية الحديثة، أى الاحتلال كنتيجة للحرب، ومثالها احتلال القوات الإسرائيلية لأرض فلسطين العربية، إذ تبقى سيادة فلسطين الشرعية على إقليمها قائمة لكنها لا تمارسها لسبب مانع هو غل سلطتها عن الإقليم المحتل، أما إذا لم تكن هناك حالة حرب بين دولتين فإن لفظ الاحتلال لا يعدو أن يكون مصطلحا عسكريا تعرفة جيوش شعوب العالم أجمع فيما بينها لدى تسكين جنودها أحد المعسكرات التابعة لإقليمها.