رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مخبرون» خواجات بغطاء صحفى!


هل ضحكت حين قرأت خبر انتماء عمرو موسى إلى تنظيم الإخوان؟!

لو لم تكن بين من قرأوا الخبر (وبالتالى، لم تضحك) أو كنت قرأته ونسيت، فلا مانع من تذكيرك بأن الخبر تم نشره بعناوين لم تختلف صياغتها كثيرًا، من صحيفة إلى أخرى، كما لم يختلف التناول إلا قليلًا، وأن غالبية الصحف والمواقع الإلكترونية (المصرية والعربية) اتفقت على أن تنسب هذا «الكلام الفارغ» إلى وثائق ويكيليكس.



«جماعة الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يتوقعان أن عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، سيجرى انتخابه رئيسًا، فى يونيو 2012». و«يعتقد الطرفان أنه الأنسب للعب هذا الدور. خاصة، فى ضوء حقيقة انتماء موسى السابق إلى جماعة الإخوان، أيام دراسته الجامعية».

هذا ما جاء فى إحدى الوثائق التى نشرها موقع التسريبات الأكثر شهرة فى العالم. غير أنك تخطئ، كما أخطأت الصحف والمواقع الإلكترونية (المصرية والعربية) لو قلت إن وثائق «ويكيليكس» هى من قالت ذلك، لأن من قال هو «صحفى» أمريكى، اسمه «سيدنى بلومنتال» فى رسالة إلى هيلارى كلينتون، كانت بين رسائل بريدها الإلكترونى «الخاص» التى تسربت ونشرها موقع «ويكيليكس».

لم نكن نحتاج، حين ظهرت الوثيقة (مارس 2016)، إلى نفى عمرو موسى أو تأكيده أنه كان وفديًا ولم ينضم أبدًا إلى أى مجموعة أو حركة سياسية غير وفدية. فالمؤكد أنه لو كان عضوا (ولو أثناء دراسته الإعدادية) أو حتى كانت له شبهة علاقة بالتنظيم، ما عرف طريقه إلى وزارة الخارجية (أو تم السماح له بدخول المبنى) وما صعد درجة سلم واحدة، من تلك التى صعدها كلها، حتى صار وزيرا للخارجية.

«بلومنتال»، بدأ حياته المهنية محررًا بجريدة أسبوعية اسمها «ريال بيبر»، ولمّا توقفت عن الصدور، فى بداية الثمانينيات، عمل فى «فانيتى فير» و«نيو ريبابليك» ثم أكرمه الله والتحق بـ«واشنطن بوست» فالـ«نيويوركر» التى كان يغطى لها أخبار إدارة كلينتون، خلال فترة ولايته الأولى.

وسنة 1997، تم التعاقد معه للعمل مساعدًا خاصًا أو مستشارًا للرئيس، واحتفظ بموقعه لمدة 4 سنوات، تخللتها فضيحة تحرش كلينتون بـ«مونيكا لوينسكى» وتردّد وقتها أن «بلومنتال» كان المسئول عن تشويه سمعة «المتدربة السابقة بالبيت الأبيض» وأنه كان مصدر «الشائعات» اللى قالت إنها هى اللى تحرشت بالرئيس وبغيره!.

طبعًا، لن تجد ذكرًا لهذا الدور فى كتابه عن الفترة اللى قضاها مساعدًا/مستشارًا للرئيس، الصادر سنة 2003، بعنوان «حروب كلينتون»، وهو الكتاب الذى خرج منه «أندرو سوليفان» (صحفى أمريكى من أصل بريطانى) بأن بلومنتال هو «الأكثر تأييدًا لكلينتون على سطح هذا الكوكب».

وعليه، ظل «المذكور» مستشارًا للعائلة وعمل (ولا يزال) فى «مؤسسة كلينتون الخيرية» وكان له دور بارز خلال أولى محاولات هيلارى الترشح للرئاسة سنة 2008، وحين اختارتها «إدارة أوباما» وزيرةً للخارجية، فى 2009، اقترحت التعاقد مع «بلومنتال» مستشارًا لها، فلمّا رفض البيت الأبيض الاقتراح، استعانت به بشكل «غير رسمى»، ولهذا السبب كان يرسل لها تقاريره على الـ«إيميل» الخاص (وليس الرسمى)، وهى التقارير التى تسرب بعضها إلى موقع «ويكيليكس»، فكشف محتواها وما جاء عن عمرو موسى مجرد مثال أن «بلومنتال» مجرد صحفى تافه أو على باب الله. وأنه كان يرسل أيه معلومات يتحصل عليها، حتى لو كانت حواديت مصاطب/ قهاوى سمعها بنفسه أو عبر أعضاء شبكة مراسليه. وواضح تمامًا، مما احتوته التقارير، أن له شبكة مراسلين فى القاهرة، مستوى أعضائها أقل من ضعيف.

من زاوية أوسع، يمكننا أن نرى «بلومنتال» نموذجًا لـ«خواجات» كثيرين، تفرد لهم صحف، من المفترض أنها رصينة، مساحات كبيرة للكتابة فى الشأن المصرى، نرى فيها العجب، ونضرب كفًا بكف من كمية المعلومات المغلوطة أو الكاذبة التى تتضمنها، والتى قد نرجعها، بتغليب حسن نواياهم، إلى سهولة تضليلهم (قرطستهم يعني). بالضبط، كما فعلت مثلًا، فتحية الدخاخنى، الصحفية بالمصرى اليوم، حين خدعت (أو سرحت بـ) بيتر هسلر، الصحفى بـ«النيويوركر»، فنقل عنها، فى تقريره الطويل «ثورة مصر الفاشلة» (Egypt’s Failed Revolution)، معلومات غير صحيحة أو بمعنى أدق، كاذبة!

وعودة إلى تقارير بلومنتال أو رسائله المسربة، والتى نرى أن الفائدة الكبرى منها (أو ما ينبغى أن تكون كذلك) هو أنها كشفت (أو أكدت) طبيعة الدور الذى لعبه (ويلعبه) صحفيون خواجات، استغلوا «الصفة» فى جمع معلومات لصالح جهات سياسية، أمنية أو مخابراتية. أو بصيغة أوضح، اشتغلوا «مخبرين»، ومشّيها مخبرين!.