رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدين حجاج يكتب.. إمام الدعاة.. "لعنوا بما قالوا"

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

في البدء كانت الكلمة ويوم كانت أصبحت متهمة فُطوردت وحُوصرت واعتقلت، لكنهم نجحوا في الزمن الحالي أن يزيدوا من الشعر بيتا، بتحريفها عن مواضعها عامدين، بهدف قلب ميزان الحقائق، لتصبح الرموز نكرات، وجعل المرغوب ممنوعًا والعكس.

وبالرغم من كون تلك الفئة، مازالت في أيام المهد الأولي داخل عالم الفكر ومجتمع الثقافة، لكنهم ظنوا بأنفسهم، أنهم ملكوا جوامع الفهم، ووهُبوا مقاصد الحكمة، بما يتيح لهم تصويب سهام النقد والتشكيك في الأعلام والثوابت التاريخية.

ثمة تلال من الظواهر السلبية تحاصر المجتمع المصري حاليا، حولت الوطن إلي كل ماهو غير مألوف، لكن يبقي ما تشهده الساحة الفكرية والأديبة من إنحدار، وتدني مستوي الحركة النقدية، هو الأنكي والأشد بؤسًا.

الساحة الثقافية التي باتت خاوية علي عروشها من أصحاب الفكر المستقيم، تحولت إلى مرتع، لحفنة من ذوي الأقلام المقصوفة وأصحاب الألسنة المتطاولة، في حفلة متواصلة من التشويه، تنال من كل ما هو قيمة وقامة، أما عن جهل متعمد، أو لغرض ما في نفس يعقوب.

وآخر صيحات زمن اللامعقول، هو سقوط العلامة المجدد الشيخ محمد متولي الشعراوي، أحد علماء الإسلام الذي تنطبق عليهم قولًا وفعلًا مقولة "العلماء ورثة الأنبياء"، في براثن تلك الشرذمة المتمردة.

وتزخر سيرة ومسيرة إمام الدعاة بالعديد من المواقف الناصعة، التي انتصر فيها للمبدأ ولكلمة الحق، بجانب إبداعاته الربانية، التي قدمها خلال إلقاءه لخواطره الإيمانية حول القرآن الكريم.

دخل "الشعراوي" في صدامات عديدة مع الأنظمة السياسية المختلفة، لكنه كان بارعًا في التفريق بين الأحداث السياسية، التي تتحمل الإختلاف في الرأي والرؤية، وبين المواقف الوطنية، التي تستوجب من الجميع التوحد علي كلمة سواء، ونكسة يونيو خير شاهد علي ذلك.

الإمام الذي كان مصنفًا في فئة شبه المغضوب عليهم إبان العهد الناصري، نتيجة الخلافات الحادة بينه وبين عدد من قيادات الإتحاد الإشتراكي، ورموز تلك الحقبة، بعد رفضه العديد من المناصب، كان من أوائل المبادرين بتقديم الدعم سواء بالكلمات والأفعال، بعدما ضربت الهزيمة الشارع المصري بعد عام 1967.

وشهد عصر الرئيس السادات، قمة الصعود السياسي للشيخ "الشعراوي"، عقب وصوله لمنصب وزير الأوقاف، وعندما همت به السلطة وهم بها، لتبدأ في الأستحواذ علي شخصه بصورة كبيرة، بادر ب"رفسها" قائلًا كلماته الخالدة " أتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة ولا أن تصل السياسة إلي أهل الدين".

أما عن النفحات الإيمانية التي قدمها خلال شرحه لآيات الذكر الحكيم، فالصفحات تضيق بحصرها، لكن يبقي كشفه النقاب عن رؤيته لغزوة الأحزاب كاملة في منامه، قبل أن يبدأ في تفسيرها للجماهير، كافية علي إثبات حقيقة لا جدال فيها، وهي أن الجميع كان أمام ظاهرة استثنائية، لا تتكرر إلا فيما ندر.

والمؤكد أن أي عالم أو فقيه مهما بلغت شهرته الأفاق، أو وصل بعلمه عنان السماء، فإنه ليس كبيرا علي النقد أو فوق الانتقاد، لكن أن يكمن هؤلاء النقاد الحقيقين المنوط بهم فعل ذلك؟.

إذا يبقي السؤال الموجه إلي هواة المثقفين وأنصاف المتفذلكين، هل عندكم من علم يجابه ويماثل العلامة الشعراوي؟، نتجادل ونتناقش بشأنه، أم أن الأمر لا يعدو كونه جدال عقيم علي طاولة الفشل بهدف إثبات الذات، ولفت الإنتباه، ولا شىء أكثر من ذلك.

وإلي أن يثبت خلاف ذلك، سيبقي إمام الدعاة باقيا بعلمه وعطائه، رغم أنف كل جاهل أو حاقد أو حاسد أو مُستِغل أو مُستَغل.