رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سوريا تحت أنقاض الاتفاقيات".. 10 "هدنات" لجأ إليها الكبار على وقع طبول الحرب.. النظام السوري المتهم الأول في خرقها.. وأمريكا وروسيا تقودا لعبة "تقاسم النفوذ"

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

لمّا اشتعلت المنطقة العربية بثوارت الشعوب منذ العام 2011؛ وقعت سوريا فريسة للقوى الُكبرى في المحيط ‏الإقليمي، وتداخل على أرضها أطراف عدة، ما بين أطماع روسية وأخرى أمريكية، وطموح إيراني ‏يواجهه تخوف سعودي، وعلى وقع طبول الحرب التي تدق بين حين وآخر تلجأ تلك القوى لحزمة من ‏التفاهمات.‏

الهدنة، هي الملجأ الأوحد لذلك الصراع المحتدم في حلب، والذي لا تجد له تلك القوى سوى الدخول في ‏هدنة صورية، بدعوى وقف إطلاق النيران من كل الأطراف، فلا يعلو سوى الهدوء الحذر لفترة من ‏الوقت، حتى يكيل الجميع للجميع اتهامات خرق الهدنات، وتقبع سوريا في النهاية تحت أنقاضها.‏

‏"ما هي الهدنة؟"‏
بداية.. تُعرف الهدنة بإنها معاهدة أو اتفاقية، تهدف إلى وقف الأعمال العدائية خلال الحرب بين الأطراف ‏المتنازعة، ولا تعتبر نهاية الحرب إنما هي فقط وقف القتل لفترة زمنية محددة، بشرط أن تلتزم به جميع ‏القوى المتصارعة على أرض ما، من أجل نقل القتلى والجرحى من ميدان المعركة.‏

قديمًا كان يعقب الهدنة، إتفاقيات سلام بين القوى المتصارعة، إلا أنها مؤخرًا لم تلتزم بذلك، وظلت مجرد ‏إتفاقية تستعملها الدول المتخاصمة لإنهاء الأعمال العدائية لفترة ما، بهدف وضع حدًا للاقتتال بين ‏الأطراف المتنزعة وليس إنهاء الصراع.‏

ويُعرفها قانون "الحرب البرية" للجيش الأمريكي، الصادر عام 1956، بإنها توقف القتال الفعلي لفترة تتفق ‏الدول المتحاربة عليها، وإنها ليست سلامًا جزئيًا أو مؤقتًا؛ إنها فقط توقف العمليات العسكرية إلى المدة ‏التي تتفق الأطراف عليها‎.

‏"طريقة تفعيلها"‏
يتم عقد تلك الإتفاقية، بقيام أحد الأطراف المتحاربة بالتقدم بطلب هدنة إلى الطرف المضاد في النزاع، وبعد ‏عدة مفاوضات ولقاءات يتم التوقيع على الهدنة من قبل الأطراف المتنازعة التي قامت بالتفاوض، ولا ‏يهدف الطلب إلى وضح حد إلى الحرب ولكن لوقف العمليات القتالية.‏

يُسمح للطرف الذي طلب الهدنة تجنب الإذلال من الطرف الآخر، فقد تكون الهدنة في الواقع تحمل نوعًا ‏من الإذلال للخاسر، إذا يُمكن أن تجبر الطرف الأضعف على التخلي عن جزء من أرضه أو دفع ‏تعويضات للإضرار التي أحدثها خلال الحرب‎.‎

‏"جوانب الهدنة"‏
تحتوي الهدنة على عدة جوانب، أولها مدة سريانها، إذ كانت في الماضي محددة بفترة ما، أما في العصر ‏الحديث فتنوعت بين التحديد أو تركها مفتوحة، وفي حال لم تحدد إتفاقية الهدنة فترة سريانها فإنها تظل ‏سارية إلى أن يشجبها أحد الأطراف. ‏

تتضمن الهدنة ما يُعرف باسم "المنطقة الحرام"، وهي بند يحدد خط فاصل أو منطقة مُحرمة بين الأطراف ‏المتنازعة، تكون مهمته هي تجنب وقوع الحوادث العارضة، أو إطلاق النار من أي جانب سواء بقصد أو ‏بدون تؤدي إلى استئناف القتال‎ ‎‏.‏

وهناك بند يُسمى "التعامل مع سكان الطرف الآخر"، فتكون هناك أراضي أحد الأطراف المتنازعة محتلة ‏من قبل الطرف الآخر؛ ما يؤدي إلى تواجد مدنيين تحت سلطة الطرف المعادي، فتظل علاقات السلطة مع ‏السكان كما هي، وكل دولة محاربة تستمر في ممارسة الحقوق نفسها كما من قبل على السكان.‏

وعلى صعيد آلية الأعمال المحظورة، فلا يحدد أطراف النزاع في إتفاقيات الهدنة ما لا يجب أن يقوم به ‏الطرف الآخر إلا فيما يخص بالعمليات العسكرية، كما أن الأطراف المتنازعة تحاول تجنب الأعمال التي ‏قد تغضب الطرف الآخر والتي تسمى المحظورة. ‏

أما أسرى الحرب، فيجيز القانون الدولي العودة الطوعية إلى الوطن، ما يعنى أن أسير الحرب حر في ‏العودة إلى الجيش الذي خدم فيه عند أسره، أو الذهاب إلى مكان آخر إذا أراد ذلك، وذلك خلال وقت تفعيل ‏الهدنة.‏

وتشكل الآلية الاستشارية -إحدى جوانب الهدنة- لجان تقوم بمراقبة شروطها وبنودها، تسمى "لجنة الدول ‏المحايدة للعودة إلى الوطن"، أو "لجنة الهدنة العسكرية" تتكون من فرق مراقبين مشتركة، للإشراف على ‏تطبيق الهدنة نفسها، أو "لجنة الدول المحايدة للرقابة".‏

وآخر جوانب الهدنة، هي المسائل العسكرية والسياسية، فقد قد يكون أطراف التفاوض عسكريون، ويكون ‏مخول لهم التفاوض ومناقشة الأمور السياسية من قبل حكوماتهم، كما يمكن أن يكونوا دبلوماسيون، ‏ويتحدثون أيضًا في كل الأمور.‏

‏"الجيش السوري"‏
وبالعودة إلى الوطن سوريا، فقد كتب الجيش السوري سطرًا جديدًا، أمس الجمعة، في تاريخ الهدنات ‏السورية، إذ أعلن وقف إطلاق النار في عدة مناطق حول دمشق وفي محافظة إدلب الواقعة شمال غرب ‏البلاد، ومضايا وكفريا والفوعة، وأعلنت المعارضة السورية تأييدها للهدنة.‏

وصوتت الأمم المتحدة بأغلبية 122 دولة، على مشروع القرار الكندي بشأن وقف كامل لجميع الهجمات ‏ضد المدنيين، والدخول في هدنة مؤقتة تقتضي رفع الحصار عن كل المدن المطوقة، ورغم الاعتراض ‏الروسي تم إقرار المشروع.‏

‏"عام 2012"‏
حظى عام 2012، الذي تلا اندلاع الثورة السورية، عقد هدنات عدة بين كبار المنطقة، والتي بدأت في ‏إبريل منه على يد الجامعة العربية والأمم المتحدة، التي ناشدت الجميع بالدخول في هدنة ووقف إطلاق ‏النار، بعد تصاعد أعمال العنف بها/ ووقتها أعلن الجيش السوري الحر أنه سيحترم حتى لو لم يلتزم النظام ‏بذلك.‏

وفي أكتوبر من العام نفسه، أعلنت القيادة المشتركة للمجالس العسكرية والثورية في سوريا موافقتها على ‏هدنة المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا "الأخضر الإبراهيميي" خلال فترة عيد الأضحى؛ حرصًا منها ‏على حقن دماء السوريين.‏

وتضمنت الهدنة عدة شروط منها التزام النظام السوري بإطلاق سراح المعتقلين وخاصة النساء منهم، ‏وفك الحصار عن مدينة حمص، وعدم استغلال قوات النظام الهدنة لتعزيز مواقعها، إلا أن الهدنة انتهكت ‏خلال عيد الأضحى، بمقتل 69 شخصًا، وتبادل النظام والمعارضة اتهامات بشأن المسؤولية عن الانتهاك.‏

‏"عام 2014"‏
ومرّ عام 2013، دون وجود إتفاق سلمي واحد بين الأطراف، أو التوصل لهدنة محددة، إلى أن جاء عام ‏‏2014، ووقعت هدنة حي "برزة" بين النظام وممثلين عن الحي من المدنيين والكتائب المسلحة، حيث تم ‏تشكيل لجنة خارجية نقلت العرض الذي طرحه النظام إلى الحي.‏

وكان أهم بنود الهدنة: "انسحاب جيش النظام والمليشيات الشيعية بشكل كامل من أطراف الحي، وإطلاق ‏جميع المعتقلين من أبناء برزة، وإصلاح البنى التحتية وإعادة الخدمات إلى الحي، ووقف إطلاق ‏النار من طرف النظام".‏

وفي سبتمبر من العام نفسه، كانت الهدنة تلك المرة من نصيب حي "القابون"، إذا نصت على انسحاب ‏الجيش النظامي من أغلب المباني التي كان مسيطر عليها، واشترطت الهدنة وقتها الإفراج عن معتقلي ‏الحي كافة، وقد أفرج فعليًا عن عدد قليل منهم، ووعد النظام بتقديم تعويضات لأهالي المتضررين ‏الذين فقدوا ممتلكاتهم.‏

‏"عام 2015"‏
بدأت أولى هدنات عام 2015 في أغسطس، في بلدتي الفوعة وكفريا بريف إدلب، بالتزامن مع هدنة ‏أخرى في الزبداني بريف دمشق، وذلك بعد أن توصلت المفاوضات في تركيا بين حركة أحرار ‏الشام والوفد الإيراني إلى اتفاق بهذا الشأن، واستمرت لمدة 48 ساعة فقط.‏

ووقتها اتجهت أصابع الإتهام إلى النظام السوري بإنه من أفشل الهدنة، بعد أن تحفظ على بند في ‏الاتفاق ينص على إطلاق سراح المعتقلين من الأطفال والنساء، واستهدف مدينة "الزبداني" بغارات ‏بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة.‏

وشملت الهدنة التي وقعت في سبتمبر من العام نفسه، أربع بلدات سورية وهي كفريا والفوعة بريف ‏إدلب الشمالي، وفي بلدتي الزبداني ومضايا بريف دمشق، وتم وقف إطلاق النار بعدما أحكمت المعارضة ‏السورية المسلحة سيطرتها على الخطوط الدفاعية الأولى لبلدة الفوعة.‏

وعقدت إتفاقية أخرى في نفس الشهر، بين المعارضة السورية المسلحة وبين قوات النظام وحزب الله ‏اللبناني برعاية أممية، إذ توصلوا إلى مسودة اتفاق هدنة لوقف المعارك في مدينة الزبداني بريف دمشق ‏وقريتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام بريف إدلب.‏

ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين ثم هدنة لمدة ستة أشهر، تشمل الزبداني وكفريا ‏والفوعة ومدينة إدلب ومناطق في ريفها، وإخراج كل المسلحين والراغبين من المدنيين من منطقة ‏الزبداني باتجاه إدلب، إطلاق النظام سراح 500 معتقلًا.‏

وآخر الهدنات التي وقعت خلال عام 2015، هي هدنة حي "وعر"، التي حدثت بعد حصار دام أكثر من ‏عامين، تمت برعاية الأمم المتحدة التي توصلت إلى اتفاق هدنة أولي بين قوات النظام السوري والمعارضة، ‏مهد لخروج مسلحي المعارضة من الحي تجاه ريف إدلب.‏

ونص اتفاق حي الوعر على رحيل ألفي مقاتل ومدني من الحي، مقابل فك الحصار وإدخال المساعدات ‏الإغاثية، بالإضافة إلى تسوية أوضاع المقاتلين الراغبين في تسليم سلاحهم.‏

‏"عام 2016"‏
وبدأت معارك روسيا وأمريكا خلال العام الحالي، وتحديدًا في فبراير منه، والتي اسماها كثيرون لعبة "تقاسم النفوذ" بإعلان الهدنات السورية كل فترة بينهم حتى لا يكونا عرضة للمساءلة عن جرائم الحرب في سوريا.

أعلنتا وقتها تبني شروط هدنة، اقترحتا فيها وقف الأعمال العدائية، ونص الإتفاق على وقف إطلاق النار بين ‏الفصائل المتصارعة، إلا أن الهدنة انهارت سريعًا.

‏وعم الهدوء مدينة حلب السورية في مايو الماضي، مع بدء سريان هدنة اتفقت عليها أمريكا ‏وروسيا، وقال النظام السوري إنه سيلتزم بها لمدة 48 ساعة، وقبل انتهائها أعلنت روسيا تمديد الهدنة ‏المؤقتة السارية مدة 72 ساعة إضافية.‏

وتم تكرار الهدنة خلال يونيو، على يد وزارة الدفاع الروسية، التي أعلنت في بيان لها، أن سوريا دخلت نظام تهدئة لمدة 48 ساعة، هدف إلى خفض مستوى العنف المسلح وتهدئة الوضع.

وفي 7 يوليو، أعلنت قوات النظام السوري عن"نظام تهدئة" لمدة 72 ساعة في الأراضي السورية ‏كافة، بالتزامن مع أول أيام عيد الفطر.‏

وخلال أغسطس الماضي، أعلنت المعارضة المسلحة في مدينة داريا بريف دمشق اتفاق مع النظام يقضي ‏بتسليم المدينة إلى جيش النظام، مقابل خروج المدنيين منها، وإجلاء المقاتلين وذويهم إلى ‏محافظة إدلب ووقف إطلاق النيران.‏