رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معرض الكتاب القبطى.. وممارسة إلغاء الآخر


لإلغاء الآخر أساليب معروفة، وأخرى مستترة. من الأساليب المعروفة إطلاق فزاعات الإتهامات العامة التى تُساق بغير دليل، والتى تتخذ بما يخافه عامة الناس موضوعاً لها. كان دأب معركة إلغاء الآخر هو الاتهام بالهرطقة، ثم تحول الاتهام إلى وجود تعليم أو تعاليم تخالف تعليم الكنيسة، دون أن يكون هناك دليل أو برهان واحد على هذه المخالفة أو تلك المخالفات. ومع معرض الكتاب القبطى المقام حالياً بأسقفية الشباب فى الفترة «7 - 22» نوفمبر بالبطريركية بالقاهرة،أتُخذ إلغاء الآخر أسلوباً جديداً تمثل فى منع الكتب استناداً إلى أنها تحوى تعاليم تخالف تعليم الكنيسة!! غير أن قرار المنع هذا لم يكن ليصدر عن معرفة، بل لمجرد إثبات وجود سلطة قادرة على المنع. فقد سبق أن مُنِع كتاب «أقوال مضيئة» وهو أكبر حشد لفقرات كاملة لأعظم معلمى الإيمان: أثناسيوس وكيرلس وذهبى الفم، إضافةً إلى ما يقرب من اثنى عشر مُعلماً من معلمى الإيمان. وطبقاً لقرار المنع، يُعد هؤلاء جميعاً لهم آراء تخالف تعليم الكنيسة! غير أن الأمر المثير للانتباه والعجب أن معرض الكتاب القبطى المقام حالياً ضم بعض مطبوعات الهيئة العامة للكتاب، ومن ضمنها كتاب «سنن الترمذى»، فى حين أن قرار المنع شمل: كتب بناريون، كتب مركز الآباء، كتب مدرسة الإسكندرية، مكتبة الأب «متى المسكين» وكتب كاتب هذه السطور!! وكان من ضمن الكتب التى شملها قرار المنع، الكتاب الذى صدر عن إيبارشية سمالوط بقلم الأنبا بفنوتيوس بعنوان «المرأة المسيحية»، وهو الكتاب الذى فتح عليه إعلام الحرس القديم النار، بحجة أنه لم يُجَز من المجمع المقدس، وكأن المجمع المقدس سبق له أن أجاز كتب مطران دمياط أو غيره. ولكن ماذا يفعل الحرس القديم، إذ ضاعت منه القيادة، فلم يجد إلا العقيدة سيفاً يشهره فى وجه أكبر حركة نهضة يقودها رجال أوفياء أمناء، فيتصدى للكتاب بفزاعة مخالفة القانون، واتهامات أخرى، تتطلب أن تكون ساذجاً لكى تصدقها. ولكنى أرى أن محاولة محاصرة الكتاب تعود لسببين:

السبب الأول: هو أن مطران سمالوط كسر حاجز الصمت، فعرض للآراء السائدة فى تقوى شعبية غير تاريخية، وكتب فى رصانةٍ ودقة ماذا يُقال عن المرأة. والسبب الثانى: هو تقديم وجهات نظر وتعليم من التاريخ الكنسي، وهو الموضوع الغائب والمهمل طوال سنوات كتب فيها علماء الكنيسة مثل ابن كبر أكبر موسوعة «مصباح الظلمة فى إيضاح الخدمة»، ولكن توقفت حركة البحث والتأليف طوال العصر العثمانى، إلا من مؤلفات أسقف جرجا الأنبا يوساب فى الرد على المرسلين الكاثوليك.

يبدأ إلغاء الآخر بالرفض، ثم بإلصاق التهم، وينتهى بمحاولة إخراج «الأعداء» من الجماعة بالقطع والحرمان، وهو قرار لا يختلف عن التكفير فى شىء. الهدف واحد، والألفاظ مختلفة. ولأن الحكم بالحرمان هو حكمٌ مؤبد عند الذين تعلَّموا البغضة ودرسوا فى مدرسة الكراهية، باتت حتى مناقشة الحكم نفسه مستحيلةً. ولكن الظلم يفضح نفسه، حتى إن وجد الظالم فى القسوة المناعة. ولكن يجب أن نهنئ الأنبا بفنوتيوس على كتاب ممتاز حمل ملامح المؤلف: الأمانة والدقة.