رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعوة لالتقاط الأنفاس.. واللحاق بحضارة العصر


النظام الانتخابى الأمريكى منذ وضعه الآباء الذين نزحوا من أوروبا نظام يكاد يتفرد عن أى دولة أخرى، فهم يحترمون الآباء الذين بنوا المجتمع الأمريكى حتى إن لهم ثوابت لا تتغير حتى فى أبسط القواعد، ومنها موعد الانتخابات التى تقع دائما يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر بحيث لا يحتسب هذا اليوم إذا كان الثلاثاء هو أول ايام شهر نوفمبر كما حدث هذا العام حيث جاء الثلاثاء أول يوم فى نوفمبر فيقال إن يوم اانتخاب يقع أول ثلاثاء بعد يوم الاثنين فى أقل الاحتمالات. أما ما أثير حول نتائج الانتخابات وحصول السيدة هيلارى على مجموع أكبر للأصوات الشعبية ولكنها لم تحصل على النسبة الأعلى فى أصوات المجمع الانتخابى والتى لابد أن تحقق مائتين وسبعين صوتا على الأقل. وهو نظام فريد لكنه يضمن احترام كل ولاية وهذا ما يبرر الاسم الذى يتميز به الشعب الأمريكى وهو «الولايات المتحدة الأمريكية» فهو نظام يحترم كل ولاية مهما قل عدد سكانها وإلا لأكل السمك الكبير الأسماك الصغيرة التى لا تمتلك قدرة عددية تمكنها من تحقيق خدماتها.

والنظام الأمريكى أيضا فضلا عن احترامه للولايات الأقل عددا وإلا خسر المرشح نقاط المجمع الانتخابى، كما يضع لكل ولاية مكانتها السياسية. والمعروف أن السياسة الأمريكية لا تسمح بتوغل الفكر الدينى على السياسة الأمريكية، ويحضرنى ما أعلنه الرئيس التركى ولا سيما أننى أكتب هذا المقال من الأرض التركية والتى كانت سابقا من الأراضى القبرصية.

ومع أنى زرت تركيا من مداخلها التركية إلا أننى أعبر للمرة الأولى الحواجز التى تفصل بين قبرص والجزء الآخر الذى أصبح من الأراضى التركية منذ فترة طويلة والعبور إلى هذا الجزء قدوما من قبرص لا يستغرق أكثر من خمس دقائق دون أن تغادر سيارتك، ويكفى أن تقدم جواز سفرك من سيارتك إلى شباك موظف الجوازات الذى لن يسأل بكلمة واحدة أكثر من ختم الجواز وتقديمه للزائر.

وعودة إلى بعض المبادئ الامريكية فى الحياة السياسية والعملية فالمحظور هو التدخل فى الشأن الدينى لأى مواطن أو زائر للولايات المتحدة. وللأمريكيين ثوابت لا يتنازلون عنها وأهمها الحريات الدينية والكفاءات الشخصية فى أى موقع من مواقع العمل أو السياسة.

وعودة إلى الرئيس «ترامب» وسياسته الخارجية التى من الصعب التكهن بها حيث لا يعول كثيرا على الوعود الانتخابية، مثل إقامة جسر فاصل بين أمريكا وجيرانها من المكسيكيين، فكلها تصريحات فى الهواء حتى يدخل البيت الأبيض فى العشرين من يناير المقبل.

كما يرى بعض السياسيين أن «هيلارى» كانت كتابا مفتوحا يعرف الجميع ما كانت تفكر فيه وتعتزم تطبيقه، فى حين يَرَوْن أن «ترامب» كتاب لم يفتح بعد أو يعبرون عنه بأنه الصندوق الأسود وإن كانت طموحاته هى استعادة الولايات المتحدة الدولة العظمى مرة أخرى تصادق من يصادقها وليذهب من يعاديها إلى حيث يريد. ويرى السياسيون الأمريكيون وغيرهم أن الرئيس «ترامب» سيواجه إضافة إلى الثورة التكنولوجية المتسارعة إلى العلاقات مع الدول الأخرى وأهمها الاتحاد السوفييتى »روسيا» التى تحاول أخذ الموقع الأمريكى فى السياسة العالمية والقدرات المؤثرة فى العالم وبالتالى على السياسة الأوروبية التى كانت ومازالت تسير فى الركب الأمريكى وتحاول روسيا نقل هذا الارتباط إليها لا سيما أن الصين ظهرت على ساحة المنافسة، فالصين تقدم أسلوبها السياسى للعالم لعل أغلب الدول تتبنى السياسة الصينية.

إنه من الواضح أن الأسلوب الاستعمارى القديم لم يعد مقبولا وحل مكانه الاحتلال الفكرى الاقتصادى والمعرفى حتى أصبح التنافس الجديد حول أى من الدول التى تملك المعلومات وتملك القدرات الاقتصادية والعلاقات السياسية، وفى رأيى أيضا أى من هذين المعسكرين الكبيرين الأكثر قدرة على ترويج بضاعته من الأسلحة. كما أن المعسكر الأوروبى هو مطمع يتنافس عليه المعسكرات الثلاثة أمريكا وروسيا والصين وهنا تظهر اليابان أيضا بتقدمها الواضح وتقربها لدول العالم الثالث، بالإضافة إلى أوروبا. ومرة أخرى تلك هى التكهنات التى لم تتضح بعد ولسوف تتضح بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض واضعا فى الاعتبار أن هناك مدة ثانية قادمة بعد أربع سنوات وإن ذلك لناظره قريب.

أما السؤال لماذا تهتم كثيرا دول العالم الثالث بما يدور فى المعسكرات الكبيرة؟ والإجابة تتوقف على حاجة العالم الثالث إلى احتياجاته اليومية الحياتية، فمن لا يملك قوت يومه لا يجد مكانته بين الحيتان الكبيرة التى لا تعبأ بغيرها ما لم تملك قواتها وقوتها، وتتقدم شعوبها علميا وثقافيا واجتماعيا وعسكريا، وتخرج من قفص حديدى اسمه العالم الثالث. وحتى نتفاءل أكثر فليس اللحاق بالكبار إعجازا فالكبار كانوا صغارا وفى زمن قياسى لحقوا بالكبار ويتنافسون على المقعد الأول ومن حاول ونجح لا يملك رفاهية النوم وانتظار المعونة ولهم قدراتهم وعقولهم، فقط عليهم أن يحسنوا استخدامها، وأولى الخطوات هو الكف عن التدمير والتخريب ومعاداة الكل حتى إلى ذات القوى وما يطلق عليهم «كارهون لأنفسهم» وانشغالهم بالتقاتل والتحارب، ومن المؤسف أن يجد المتقاتلون غطاء دينيا، والوطن أيا كان عنوانه منهم براء، فالدين يقوم على التعاون ومحبة الآخرين، واحترام حياة البشر، فالكل خليقة الخالق، ولا يحق لإنسان أن يسفك دم برئ طفلا كان أم شيخا، فهل لنا من ينادى بوقف أسلحة الدمار وسفك الدماء والحوار حول موائد التحاور والتجاور مع توجيه القدرات إلى الطفل والشيخ والمريض والفقير، وهذا هو قمة الأخلاق، وقبله رضا الخالق.