رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤتمر العربي الأفريقي لقضايا الأيتام .. رؤى متجددة وآليات للتنفيذ

جريدة الدستور

عُقد المؤتمر العربي الإسلامي الثاني لقضايا الأيتام، على مدى يومي أمس واليوم الخميس، بالعاصمة السودانية الخرطوم، تحت شعار نحو استراتيجية شاملة لكفالة الأيتام ، بمشاركة مصر.

وشارك في أعمال المؤتمر نخبة من خبراء العالمين العربي والإسلامي المتخصصين في قضايا الأيتام، إلى جانب ممثلين عن بنك التنمية الإسلامي بجدة من 23 دولة عربية وإسلامية و53 منظمة متخصصة في هذا الشأن.

وناقش المؤتمر 19 ورقة عمل حول المشكلات والتحديات العملية التي تواجه كفالة الأيتام في العالمين العربي والإسلامي، والحلول المقترحة لها، والنظرة الفقهية لقضية الأيتام، بجانب الاستراتيجية الشاملة للتعامل مع الأيتام بالدول العربية والإسلامية.

وتضمن المؤتمر حلقات نقاش حول التعاون والتنسيق بين المنظمات العاملة في هذا المجال، كما استعرض المشاركون 9 تجارب عملية ناجحة في كفالة اليتيم، نفذتها منظمات ومؤسسات وجمعيات حكومية وأهلية في كل من السودان والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والصومال واليمن ومالي والمملكة الأردنية.

ويعتبر المؤتمر واحدا من أهم الفعاليات المستحدثة - عقد المؤتمر الأول في 13 فبراير 2012 بالخرطوم أيضا - الهادفة لوضع رؤية واضحة وموحدة في الدول العربية والإسلامية للتعامل مع قضية الأيتام، باعتبارها أحد أهم القضايا المجتمعية التي تواجه تلك الدول وشعوبها، وتتطلب تجاوبا فاعلا وسريعا معها لحماية هذه الفئة الضعيفة ودمجها في المجتمع واستغلال طاقاتها والاستفادة منها، تنفيذا لتعاليم الإسلام الحنيف.

وقال رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر الثاني إبراهيم عبد الحليم، لوكالة أنباء الشرق الأوسط بالخرطوم، إن فكرة المؤتمر نبعت من مؤسسة الزبير الخيرية بالسودان، التي رأت أن لقاء يجمع العاملين في مجال رعاية الأيتام أصبح ضروريا من أجل التطوير والتقويم والبحث عبر دروس الماضي والنظر إلى المستقبل، بما يحقق المقاصد الشرعية والإنسانية لكفالة اليتيم.

وأوضح أن المؤتمر ارتكز على تأثير الهجرة المستمرة إلى المدن وما نتج عنها من التمدد المدني والحضري على حساب الريف، وما أحدثه من تغيير في البنية الاجتماعية للمجتمعات والتكوين الأسري الذي أخذ في الضمور، على قضايا الأيتام والأرامل الذين التمسوا العون والمساعدة من خارج الأسرة، وقامت الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية بكفالتهم.

وأضاف أن هناك بعض الإشكاليات المتعلقة برعاية الأطفال مجهولي النسب بالتبني، وهناك حاجة لمعالجة هذه القضية من منظور إسلامي، خاصة فيما يتعلق بموضوع الإرث، وكذلك هناك نموذج من المؤسسات التي ترعى الأيتام منذ بداياتهم وحتى بلوغهم سن الثامنة عشر ضمن بيئة منغلقة عن المجتمع الخارجي، ثم يُعاد اليتيم للمجتمع مجابها ظروف الغربة والاختلاف عما اعتاد عليه، ما يولد لديه شعور بعدم الانتماء لهذا المجتمع، وتتعاظم فرص انخراطه برفاق السوء.

وأشار كذلك إلى ما أفرزته الحروب والصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية التي أصابت العديد من دولنا، ما شكل واقعا جديدا ضاعف من معاناة الأيتام والأرامل، وبالتالي برزت عدة صعوبات في دعمهم؛ تتمثل في ضعف الموارد المتاحة والبنية المؤسساتية للجمعيات والجهات ذات الصلة لاعتمادها على الوسائل التقليدية وافتقارها القدرة على الابتكار، وقلة الاهتمام بالجانب الإعلامي للقضية، وضعف آليات التنسيق والتواصل بين تلك المنظمات، بما يحد من فرص الاستفادة المتبادلة من الخبرات والتجارب.

وأضاف أنه تبرز أيضا عدة صعوبات تتعلق بالدول منها: عدم وجود قاعدة بيانات وافية عن عدد الأيتام في العالم العربي والإسلامي وتوزيعهم الجغرافي، والافتقار لإحصائيات دقيقة عن الأيتام المكفولين، وغياب الرؤية الاستراتيجية في التعامل مع قضايا الأيتام والمنظمات الطوعية والعمل على دمجها ضمن برامج للتنمية المستدامة وتحقيق شراكة بناءة بينها وبين الدولة، وكذلك ضعف الاهتمام بالبحث العلمي والدراسات المتخصصة عن واقع الأيتام، وعدم توظيف الآلة الإعلامية الحكومية على الوجه الأمثل بما يعكس أنشطة المنظمات العاملة في رعاية الأيتام.

من جانبه، دعا النائب الأول للرئيس السوداني الفريق أول ركن بكري حسن صالح، إلى وضع استراتيجية تتسم بالوضوح وآليات محددة للتنفيذ لرعاية الأيتام وكفالتهم، مؤكدا أن من واجب الدولة أن تجعل إحساس اليتيم إيجابيا تجاه المجتمع، مبرزا أن الرئيس عمر البشير أصدر عدة توجيهات لحماية الأيتام بالسودان ومنها إعفاؤهم من رسوم الدراسة، ومنحهم تخفيضا في تذاكر السفر للخارج بنسبة 50%، وكذلك أولوية في خطة الإسكان.

ومن جهته، قال وكيل الأزهر الشريف الدكتور عباس شومان، الذي ترأس الجلسة العلمية الأولى بالمؤتمر، إن أعظم تقدير ومواساة واساها الإسلام للأيتام أنه جعل رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم من بينهم، بل إنه أشد يتمًا إن صح هذا التعبير من كثير منهم، حيث فقد الوالدين معا قبل أن يدرك معنى الوالد أو الوالدة... ولعل أيتام المسلمين يتعلمون درسًا من هذه النشأة القاسية التي نشأها رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم، فمع قسوة نشأته وفقده أبويه بعثه الله عز وجل رسولًا للثقلين، وهذا يبعث الأمل في نفوس الأيتام ويبشرهم بأن يتمهم لا يمنعهم من تبوء ما قدره الله لهم من مناصب عليا، وأن يكون لهم شأن ذو بال في مجتمعاتهم متى اجتهدوا في سبيل تحقيق تطلعاتهم وآمالهم ولم يفسدوا فطرة الله التي فطرهم عليها.

وأضاف ما تتعرض له أمتنا الإسلامية والعربية اليوم من حروب ودمار لحق بكثير من دولنا وشعوبنا الإسلامية في بورما والعراق وفلسطين وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من بلاد العالم الإسلامي - يفرض على جميع الشعوب والدول العمل معًا من أجل مساعدة تلك الدول ونجدة المتضررين فيها، وخاصة هؤلاء الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم بالكامل جراء هذه الحروب، فقد كنا بالأمس نتحدث عن أيتام فقدوا أحد أبويهم، أما اليوم وفي ظل هذه الحروب الشعواء - فإننا نتحدث عن أيتام فقدوا كل عائلاتهم، فالقضية أكبر وأكثر تعقيدًا من ذي قبل .

وطالب شومان الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بالتكاتف معا لتفعيل إدارة الشئون الإنسانية التابعة للمنظمة، والتي تتولى العمل على قضايا وشئون الأيتام في العالم الإسلامي وتأهيلهم ليصبحوا عناصر إيجابية، بدلًا من تركهم للأفكار المنحرفة والجماعات والمنظمات المشبوهة التي ربما تجندهم، ومن ثم يكونون قنابل موقوتة قابلة للانفجار متى وأين شاءت هذه الجماعات.

وتابع أرى ضرورة فتح باب المساهمات الوقفية في كافة الدول الأعضاء من أجل كفالة اليتيم ، مشيرا إلى أنه من الخطأ الشديد وقف الإنفاق على اليتامى بعد بلوغهم إذا كانوا في احتياج إلى التعليم.

وأكد أن الأزهر يقوم بكفالة أكثر من 40 ألف طالب من دول العالم الإسلامي، ويقوم برعايتهم تعليميا والإنفاق عليهم، فضلا عن رعايته لكافة الأطفال الأيتام الدارسين في الأزهر وإعفائهم من كافة المصروفات، مشددا على الفقهاء بضرورة مراعاة ظروف وأماكن عمل المؤسسات التي تعمل في مجال الرعاية الإنسانية وعدم التضييق عليهم بفتاوي متضاربة.

وطالب وكيل الأزهر بتشكيل هيئات شرعية بكل المؤسسات العاملة في مجال الرعاية الإنسانية لتوجيهها فيما يحقق المصلحة العليا للمكفولين، بما لا يخالف الضوابط الشرعية، مع ضرورة استحداث وقفيات لكفالة الأيتام لاستمرار الدعم والإنفاق .

ومن جانبه، طالب ممثل منظمة التعاون الإسلامي الدكتور رامي إنشاصي، الدول والشعوب الإسلامية بمساعدة الأيتام في الدول التي تعاني حروبا، والذين فقدوا كل ذويهم، لافتا إلى أن المنظمة أنشأت إدارة للشئون الإنسانية للتنسيق بين الدول والمنظمات لرعاية الأيتام، كما أقر اجتماع الدورة الـ40 لوزراء خارجية الدول الإسلامية عام 2013 في كوناكري، اعتبار يوم 15 رمضان من كل عام يوما عالميا لليتيم.

وفي ختام جلساته، أوصى المؤتمر العربي الإسلامي الثاني لقضايا الأيتام، بإعادة النظر في سن كفالة اليتيم، مع التأكيد على الفصل بين الكفالة والسن القانونية، لتستمر الكفالة حتى الاستغناء عنها بقدرتهم على رعاية أنفسهم؛ كما أكد ضرورة أن تتوسع دائرة الكفالة لتشمل كل من الأطفال فاقدي العائل واللقطاء والمنبوذين من قبل أسرهم لعدم القدرة على الإنفاق عليهم أو لخلل في التكوين النفسي للعائلة.

وطالب المؤتمر بإعداد ميثاق شرف عربي إسلامي للممارسين العاملين في مجال دعم ورعاية الأيتام، يلخص الأخلاقيات الأساسية في الممارسة المهنية ويُعتبر دليلا للسلوك المهني، فيما يتصل بعلاقاتهم بزملائهم أو المكفولين برعايتهم أو المجتمع ككل، مع الاهتمام بتدريب الكوادر العاملة في هذا التخصص.

كما أوصى بتوظيف الأوقاف لدعم الجمعيات والمنظمات الإنسانية العاملة في رعاية الأيتام، مع إنشاء بنك خاص برعاية الأيتام على غرار بنك الفقراء في بنجلاديش، وكذلك الاتفاق على أفضل السبل لاستثمار أموال اليتامى في البنوك والأوراق المالية، بما يعزز تنمية هذه الموارد لصالح تلك الفئة الضعيفة .

وشدد على إنشاء موقع إلكتروني للمنظمات الإنسانية والشبكات العاملة في مجال رعاية الأيتام، مع دعم البحث العلمي والدراسات المتخصصة في المجالات المتعلقة بهذه الشريحة في المجتمعات المختلفة، موصيا بتأسيس وتصميم موسوعة فقهية إلكترونية متخصصة في كفالة الأيتام، تساهم فيها كل المنظمات العاملة في هذا المجال، ويشارك فيها نخبة من العلماء والفقهاء .

ودعا المؤتمر الدول العربية والإسلامية إلى وضع استراتيجية طويلة المدى لدعم ورعاية الأيتام، بما في ذلك إقرار التشريعات الخاصة بحمايتهم ورعايتهم، مع تخصيص أوقاف للأيتام لضمان استمرارية دعمهم وكفالتهم.