رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏"مخطط الإرهاب الأخطر".. سياسة "حصد الأرواح" تغزو شوارع مصر.. السيارات "المفخخة" وسيلة ‏ثأرية تشفي غليل "الجماعات".. وثلاثة أسباب تقف وراء التصدي لها

جريدة الدستور

يبدو أن الجماعات الإرهابية وجدت في السيارات المفخخة سلاح قوي لتنفيذ مخططاتها وضرب الأمن ‏القومي، بعدما أصبحت وسيلة خبيثة لا تكلفهم مزيدًا من الأوراح البشرية، استطاعوا من خلالها هزيمة الأجهزة ‏الأمنية في أكثر من حادث إرهابي، بسبب صعوبة ترقبها والكشف عنها مُبكرًا.

"مساعد النائب العام"‏
بالتدقيق في محاولة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها المستشار زكريا عبدالعزيز مساعد النائب العام، ‏نجد أنها اعتمدت على نهج السيارات المفخخة، التي تم بها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات من ‏قبل، وحاولت جماعات الإرهاب تكرار نفس السيناريو.‏

عقب خروجه من مقر عمله بمنطقة التجمع الأول، كانت هناك سيارة ملاكي مفخخة تنتظر المستشار "عبدالعزيز"، وأثناء ‏مرور موكبه فجر الإرهابيون السيارة، ما أسفر عن إصابة 3 من بينهم عامل "دليفري" تصادف مروره ‏بمكان الحادث، واثنين من السائقين.‏

‏"معنى سيارة مفخخة"‏
يطلق لفظ "مفخخة" على السيارة التي تحتوي على انتحاري أو يتم تفجيرها عن بُعد، بعد تجهيزها ‏بالقنابل والمواد المتفجرة، وتستخدم في عمليات‎ ‎الاغتيال‎ ‎وحروب العصابات‎ ‎‏ أو تدمير المباني المجاورة ‏لموقع الانفجار‎.‎

حين يكون الهدف من تفخيخ السيارة اغتيال أحد الشيخصيات، يتم زرع مادة متفجرة في عجلة القيادة داخل ‏سيارة الشخصية المستهدفة، أو بتفجير سيارة أخرى قرب عجلة أو موكب الشخص المستهدف، ويتم ‏استخدامها أيضًا في هجمات لأهداف معينة، أو ضمن مهمة انتحارية ويتم تفجيرها عن بُعد في سبيل ‏إحداث أضرار مادية وبشرية بمبنى أو منطقة مستهدفة‎.‎

‏"أول محاولة"‏
عام 1905، عرف العالم أول محاولة لتنفيذ عملية إرهابية باستخدام السيارات المفخخة، فكانت محاولة ‏اغتيال السلطان العثماني‎ ‎عبد الحميد الثاني‎ ‎عام‎ 1905 ‎على يد الانفصاليين‎ ‎الأرمن، و بعدها توالت العديد ‏من عمليات الاستهداف بالعجلات المفخخة.‏

وكان أشهر مستخدميها أعضاء منظمة الجيش السري‎ ‎الفرنسية، مافيا‎ ‎صقلية‎ ‎خلال بدايات الستينيات، ‏جماعة‎ ‎الفيت كونغ‎ (VC) ‎خلال‎ ‎حرب فيتنام، وخلال‎ ‎الحرب الأهلية اللبنانية، وتنظيم القاعدة‎ ‎في العديد من ‏المواقع حول العالم‎.‎

‏"عمليات سابقة"‏
وبشكل خاص، عرفت مصر إرهاب السيارات المفخخة عقب ثورة 25 يناير، ولكنه اشتد على أوجه بعد ‏عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وانتقل المصطلح سريعًا من الدول العربية التي اندلعت فيها شرارة ‏الفوضى والإهاب إلى مصر.‏

فكانت أولى العمليات التي شهدتها مصر عن طريق السيارات المفخخة، في يوم 24 يوليو 2013، حين ‏انفجرت سيارة مفخخة أمام مركز لتدريب الشرطة في شبه جزيرة سيناء، وقع الانفجار في العريش ‏عاصمة محافظة شمال سيناء.‏

وتلتها 5 عمليات أخريات استهدفت مناطق متفرقة من أنحاء الجمهورية وأدت إلى استشهاد 26 جندي، ‏وإصابة 102 آخرين، إلا أن الانتباه إلى إرهاب السيارات المفخخة بدأ مع الحادث الأعنف الذي وقع في ‏‏24 يناير عام 2014، واستهدف مديرة أمن القاهرة من خلال سيارة مفخخة مرت من أمام مدخل ‏المديرية.‏

كذلك فإن الحادث المأساوي الذي وقع في 24 أكتوبر من العام نفسه، وعرف باسم حادث كمين "كرم ‏القواديس" نفذ بتفجير انتحاري لسيارة مفخخة، أدت إلى اشتباك جنود الكمين مع الإرهابين واستُشهد 28 ‏من أفراد الجيش، وأصيب 26 آخرين.‏

وفي العريش وتحديدًا خلال نوفمبر 2014، انفجرت سيارة مفخخة، في شارع الفاتح بالعريش ، ما أسفر ‏عن إصابة عدد من المواطنين وحدوث الكثير من التلفيات والخسائر.‏

واستقبل عام 2015 بعملية أخرى بعدما انفجرت سيارة في محافظة بورسعيد، أسفل استراحة القضاة قرب ‏كنيسة أبوسيفين، وفي 10 مارس استهدف حادث انفجار سيارة ‏المفخخة معسكر قوات الأمن المركزي بمنطقة المساعيد غرب العريش.‏

واستشهد 5 من رجال بعد انفجار سيارة نصف نقل يقودها انتحاري بجوار قسم شرطة ثالث العريش، في ‏‏12 أبريل 2015، وفي يوليو انفجرت سيارة ملغمة أمام مبنى القنصلية الإيطالية، أدت إلى وفاة بائع النظارات وتهشم مبنى القنصلية.‏

‏وفي 20 أغسطس 2015 انفجرت سيارة مفخخة توقفت فجأة خارج الحرم الأمنى لمبنى الأمن الوطني، بدائرة ‏قسم أول شبرا الخيمة، أدت إلى إصابة 6 من رجال الشرطة.‏

وشهد عام 2016 عمليتان عبر السيارات المفخخة، الأولى في 29 يوليو منه حين أحبطت قوات الأمن بمحافظة شمال سيناء، ‏محاولة تفجير سيارة مفخخة في مدخل مدينة الشيخ زويد، وتمكنت من تدمير السيارة وقتل مستقليها.‏

والثانية في 30 سبتمبر 2016 وقتما انفجرت سيارة النائب العام المساعد ‏المستشار زكريا عبدالعزيز عثمان، و4 آخرين من مكتبه.

"الأسباب"
اعتماد التنظيمات الإرهابية على السيارات المفخخة، يقف ورائه أسباب عدة، يمكننا اعتبار أولها عدم الاحتياج إلى العامل البشرس وقت التنفيذ، كما إنها لا تثير شكوك رجال الأمن حولها، فضلًا عن أنها وسيلة جيدة لحصد المزيد من الأرواح البشرية وفقًا لمراقبون.

"وسيلة صعبة"‏
يبرر اللواء نبيل فؤاد، الخبير العسكري، اعتماد الجماعات على هذا النوع من الإرهاب، بدعوى الثأر من ‏الخصوم السياسة، ممن تظن أنهم أوقعوا المظالم بها، مشيرًا إلى أنها وسيلة سهلة، تمكن الجماعات من ‏تنفيذ أكبر عدد من العمليات وحصد أرواح أكثر.‏

ولفت إلى أنها يصعب الكشف عنها، لأن مظهر السيارة المفخخة لا يختلف كثيرًا عن العادية، سوى في ‏الداخل واحتوائها على المواد المتفجرة، كما أن اختيار المنطقة التي يتم فيها ركن السيارات يدل على ‏احترافية الجماعات الإرهابية وعلمها بجغرافيا تلك الأماكن بحيث لا تلفت الانتباه.‏

ويرى أن هذا الأسلوب يصعب الأمر على الأجهزة الأمنية، لأنه يعتمد على المفاجأة، ولا يمكن رصده ‏سوى بتكثيف وجود كاميرات المراقبة في شوارع الجمهورية على قدر الإمكان، بحيث يسهل تحرك ‏الأجهزة الأمنية حال رصد مواقف غريبة مثيرة للشك.‏

‏"مخطط إرهابي جديد"‏
يرى هشام النجار، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن منهج الإرهاب عبر السيارات المفخخة، ‏عرفته مصر خلال الفترة الأخيرة، ويعتبر من أساليب الجماعات الإرهابية الجديد، لأنه كان ينفذ في ‏العراق ولبنان أيام الحرب الأهلية، والتي تعتبر منبع تلك الطريقة وانتقلت إلى الدول العربية في عام ‏‏2011.‏

ويقول أن هذا الأسلوب انتقل إلى مصر بعد انفتاحها على العالم عقب ثورة يناير، ووجود تيارات وافدة ‏كثيرة، وخروج تيارات إرهابية أكثر من رحم الجماعات في العراق ولبنان تعلمت تفخيخ السيارات في ‏تلك البلدن، ونفذت مخططها في مصر.‏

ويوضح أن أسلوب السيارات المفخخة تتبعه التنظيمات التكفيرية الأشد تطرفًا، مثل بيت المقدس الذي لم ‏يعد متمركزًا في منطقة سيناء فقط، بعدما شهدت مناطق قلب القاهرة والجيزة عمليات إرهابية عن طريق ‏التفخيخ وهو من أكثر الوسائل التي يعتمد عليها التنظيم منذ وجوده.‏

ويضيف: "جميع التيارات الإرهابية تضم من أعضائها فنيين يستطيعون تفخيخ السيارات بطرق يصعب ‏الكشف عنها، ويتم تدريبهم في ساحات صحراوية كبيرة"، مشيرًا إلى أن ذلك هو الأسلوب الأسهل فلا ‏يكلفهم أي أرواح بشرية، ولايتم رصدها أو القبض عليهم مثل عمليات إطلاق النيران.‏